لقاء لافروف- دحلان: موسكو تلقي بثقلها لإعادة ترتيب أوضاع فتح
استقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الثلاثاء، القيادي الفلسطيني محمد دحلان الذي ترأس وفداً من قيادة تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، يضم كل من سمير المشهراوي وجعفر هديب، وذلك قبل أن يتم استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في موسكو أيضا.
وكان المتحدث باسم السلطة الوطنية نبيل أبو ردينة أن عباس سيقوم بزيارة في وقت قريب لموسكو، ولم يفصح عن موعدها أو تفاصيل وجدول أعمالها، مكتفيا بالقول “لبحث دعم القضية الفلسطينية”، وكأنه رد غير مباشر على زيارة دحلان.
وحملت الزيارة التي قام بها القيادي الفلسطيني محمد دحلان إلى موسكو، مجموعة من الدلالات السياسية التي يمكن أن تؤثر على الأوضاع داخل فتح والقضية الفلسطينية برمتها.
إعادة ترتيب البيت الفتحاوي
الزيارتان توحيان بأن موسكو تريد الدخول على خط إعادة ترتيب البيت الفتحاوي، ويؤكد وصول دحلان أولا أنه حريص على الانخراط في عملية جادة لوقف التدهور الذي ضرب جسم الحركة في السنوات التي انفرد فيها عباس بإداراتها، وانصاع لرؤى أرخت بظلال سلبية على حضورها في المشهدين الداخلي والخارجي.
بعض المراقبين ترقب عند استقبال دحلان في موسكو قبل زيارة عباس المنتظرة، واعتبروه دلالة واضحة على حجم الثقل الذي يمثله الأول فلسطينيا ودوليا، وأن الفترة المقبلة قد تشهد المزيد من الزخم الذي يكون فيه تيار الإصلاح رقما رئيسيا.
لقاءات سابقة
يعد لقاء دحلان – لافروف الأول الذي يعقد علنا في موسكو ذا أهمية بالغة، خاصة أن مصادر فلسطينية قريبة من تيار الإصلاح قالت إن القيادي الفتحاوي ومعاونيه قاموا بزيارات سابقة لم يتم الإعلان عنها والتقوا مسؤولين كبارا في موسكو، ما يؤكد حجم التفاهم بين الجانبين.
وأجهضت زيارة دحلان لروسيا في هذا التوقيت الكثير من التكهنات والتخمينات التي تحدثت عن حصار سياسي يتعرض له القائد الإصلاحي في حركة فتح، شنته قوى تدور في فلك تركيا وقطر، أوحت محصلتها بأن الرجل بات معزولا، بينما هو يتحرك بين موسكو والقاهرة وغيرهما من العواصم بحرية، بما ينفي الشائعات الكثيرة التي طالته في الآونة الأخيرة.
يمثل نفي الشائعات من زاوية موسكو بمثابة صدمة لمن تطاولوا على دحلان الفترة الماضية، حيث كانت التعليقات والتصريحات تضعه في خانة الولايات المتحدة وأنها الراعي الرسمي له، لذلك ستكون للزيارة انعكاسات على تقديرات هؤلاء وحساباتهم لقيمة وأهمية ودور دحلان على الساحة الفلسطينية، حيث فاجأهم من حيث لا يتوقعون.
أهمية لقاء موسكو
وقال القيادي بتيار الإصلاح سمير المشهراوي في تصريحات إعلامية إن أهمية لقاء موسكو تنبع من كونه جاء بين وزير خارجية روسيا وقيادة تيار الإصلاح، التي دأبت القيادة الرسمية لفتح على محاربتها ومحاولة إخراجها من الملعب الدولي، بسبب مطالبتها بتفعيل مؤسسات الحركة وإعادة الاعتبار لها وللوحدة الوطنية.
وسبق أن زار المشهراوي موسكو في مارس الماضي على رأس وفد من تيار الإصلاح والتقى مع مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغنداف، وناقش معه أبعادا مختلفة في صميم شواغل القضية الفلسطينية.
وجرى خلال لقاء دحلان – لافروف استعراض موقف روسيا من التحديات المحيطة بالقضية الفلسطينية، وضرورة تفعيل اللجنة الرباعية الدولية، وعملية السلام، وتركز الحديث الروسي على حالة الضعف الراهنة بسبب الانقسام الفلسطيني.
تجديد الشرعية الفلسطينية
وتراهن موسكو على تجديد الشرعية الفلسطينية عبر عملية الانتخابات التي جرى تأجيلها لأجل غير مسمى من قبل الرئيس محمود عباس، وترى أن تيار الإصلاح له دور مهم على الساحة حاليا، وفي أي انتخابات تعقد سوف يكون رقما مهما فيها.
وتحرص روسيا على الحوار مع القوى الفلسطينية الرئيسية، فقد استقبلت من قبل قيادات من حركة حماس، وتحاول أن تكون قريبة من الواقع، كأنها تجهّز لعملية سياسية تمنحها ثقلا كبيرا في الشرق الأوسط، وتعتبر القضية الفلسطينية أم القضايا في المنطقة التي تمنح من يلعب دورا مهما فيها انفتاحا على قوى إقليمية رئيسية، تستطيع بموجبها موسكو توسيع نطاق نفوذها.
وأكدت زيارة دحلان في الوقت الراهن أن العلاقة بين روسيا وتيار الإصلاح الفتحاوي قوية، ويمكن أن تظهر تحركات تعاون كبيرة الفترة المقبلة يقوم خلالها التيار وقيادته بدور في تجسير الهوة بين القوى الفلسطينية، خاصة أن الخطاب السياسي لدحلان ورفاقه يطغى عليه الطابع الوطني والرغبة في الانفتاح العام، ويبتعد عن الحركية القاتمة والمصالح الشخصية الضيقة التي كبدت فتح خسائر باهظة.
ووضعت الزيارة الكرة في ملعب عباس للقيام بجهود حقيقية والحفاظ على تماسك الحركة وجمع شملها، لأن تهاونه في ذلك أو ارتياحه للحالة المزرية التي وصلتها فتح سوف تكون له تداعيات وخيمة في حال غيابه فجأة عن المشهد.
وساطة روسية
وقال القيادي في تيار الإصلاح ديمتري دلياني المفصول من حركة فتح إن روسيا تُجري وساطة من أجل مصالحة داخل الحركة.
وذكر دلياني أن وزير الخارجية الروسي يتوسط ويبذل جهودا لإنهاء الانقسام الفتحاوي، وأن لقاءه بدحلان ناقش موضوع توحيد الصف في الحركة.
وأضاف أن دحلان قال للافروف إن المصالحة الداخلية “ضرورة فتحاوية ووطنية، ومستعدون لها على الفور على أن تكون مبنية على الأسس التنظيمية، وعمادها النظام الداخلي للحركة، والابتعاد عن التفرد في القرارات وتهميش الهياكل التنظيمية”.
وينطوي تحرك موسكو نحو التيار الإصلاحي على اعتراف صريح بأنه قادر على أن يقوم بدور حيوي للحفاظ على كيان الحركة، وأنها على استعداد للرهان عليه كتيار مهم في فتح وليس هامشيا كما حاول عباس تصويره لأصدقائه في موسكو وغيرها.
وأصبح رئيس السلطة الفلسطينية أمام موقف حرج، فإما أن يواصل إصراره على موقفه السلبي من التيار الإصلاحي وقيادته وإما يطلق مبادرة للمصالحة تشمل جميع الشخصيات التي انفضت عنه ويضمن عودة الروح إلى الحركة، وهو ما تتطلع إليه موسكو، لأنها تخشى أن تفضي الأوضاع الراهنة إلى المزيد من التشرذم داخل فتح والتضخم في قوة حماس المادية والمعنوية، الأمر الذي تحاول روسيا القفز عليه من خلال تحركاتها باتجاه حركة فتح.
وحدة حركة فتح
وتجد روسيا أن إعادة اللحمة إلى حركة فتح خطوة أولى وضرورية، لذلك استقبل لافروف دحلان علنا، في اعتراف صريح من موسكو بالوزن السياسي الكبير الذي يمثله تياره وحاجتها إلى التعاون والتنسيق معه حاليا، بما يعني توجسها في كل الخطوات التي اتخذها عباس وأدت إلى تقويض هياكل الحركة.
وقرأت القيادة الروسية المشهد الفلسطيني على نحو يهيئ لها الفرصة للتدخل، في ظل عدم استعداد الولايات المتحدة للعمل على حل القضية الفلسطينية بجدية، فمع أن الرئيس جو بايدن أبدى اقتناعه بحل الدولتين، إلا أنه أعرب عن عدم استعداده للتعاطي معه حاليا، وتسعى روسيا لتوظيف هذه المسألة من خلال زيادة وتيرة انفتاحها على القوى الفلسطينية، ناهيك عن انفتاحها المعلن على إسرائيل.
وتحاول موسكو تفعيل دور اللجنة الرباعية الدولية المشكّلة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، لتقود المشهد الفلسطيني في مسألتي الدفع نحو عملية المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام داخل الحركة التاريخية الأم، ثم الحديث عن العودة إلى طاولة المفاوضات وعملية السلام، ودحض حجج إسرائيل التي تتذرع بأنها لا تجد من تجلس معه للتفاوض، مستغلة حالة التشظي الفلسطينية.