ماذا تريد واشنطن من أفريقيا؟
عندما بدأت في كتابة هذا المقال عادت بي الذاكرة إلى تلك الإخفاقات والانتكاسات التي ارتبطت بعهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والسياسات التي انتهجا تجاه القارة الأفريقية.
حيث أصبحنا نلحظ خلال الأشهر الأخيرة ذلك الاهتمام الغربي وحتى الروسي بضرورة التعاون مع القارة الأفريقية، ولست في مقالي هذا أتعرض للجانب الأمني والإنساني مطولا، بل المنطلق بالأساس هو محاولة فهم الأبعاد الاقتصادية للصراع العالمي المتجدد على القارة السمراء.
بداية أقول إن أهداف الولايات المتحدة المستجدة في القارة السمراء صدرت في شهر أغسطس/آب الماضي تحت عنوان “استراتيجية بايدن بشأن أفريقيا”، حيث أوضحت الاستراتيجية أن الصين ترى في أفريقيا ساحة مهمة لإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الأفريقية، وأن روسيا تنظر إلى أفريقيا على أنها بيئة مناسبة لشركاتها العسكرية لتعمل هناك.
هنا لا بد أن أشير إلى الأهداف الروسية تحديدا، لكون روسيا أصبحت عنصرا فاعلا في القارة الأفريقية، فأهدافها والتي تنطلق حتما من محاولة أن تكون أفريقيا ورقة يمكن بها مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا لا بد من التوقف عندها.
ومؤخرا افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة سان بطرسبرغ بحضور العديد من القادة الأفارقة، مما يجعل الولايات المتحدة وأوروبا تنظر إلى إمكانية عودة روسيا إلى القارة السمراء عبر صفقات يمكن أن تنتشل روسيا من تكاليف حرب أوكرانيا.
أما المواقف السياسية فالدول الأفريقية لا ترغب أبدا في الانحياز إلى أي طرف في أي حرب باردة أو ساخنة، فقد رأت تبعات ذلك مسبقا في حوادث أخرى.
كباحثة في علم الاجتماع السياسي ومتخصصة في الشأن الأمريكي أستطيع أن أصف هذا الصراع اليوم بـ”الحرب الباردة الجديدة” فالسودان -على سبيل المثال- كما كل أفريقيا مع أنه ممتلئ بالثروات إلا أن لديه مشاكل في قضايا الديمقراطية والحكم.
ويوجد أيضا ما يعرف بانعدام الأمن الغذائي وانتشار الأوبئة والإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي ومشاكل أخرى لا تنتهي، ولا بد أن تبحث تلك الدول عن إيجاد حلول لها.
وتلك المشاكل كما هي في السودان ودول أفريقية كثيرة هي اليوم تتجدد في النيجر عبر انقلاب تتهم الدول العظمى بعضها البعض بالوقوف خلفه.
وهنا يرد السؤال.. ماذا أرادت وماذا تريد الولايات المتحدة اليوم من أفريقيا؟
لو عدنا بالتاريخ قليلا فسوف نلحظ أن الولايات المتحدة كانت خلال الحرب الباردة تحاول السيطرة على دول أفريقية تعتبر تابعة للاتحاد السوفياتي، من خلال دعم الانقلابات في دول مثل السودان والصومال وإثيوبيا وحتى أنغولا، بمعنى آخر كانت للولايات المتحدة أبعاد استراتيجية في تلك المنطقة، فليس الهدف الاقتصادي هو العامل الأول فيها، بخلاف روسيا التي استطاعت بعد دعم حركات التحرر الأفريقي في الخمسينيات تعزيز تعاونها الاقتصادي مع تلك الدول في مجالات كثيرة كالصناعة والتقنية وحتى التعاون العسكري، وكانت أهدافها جيواقتصادية بامتياز.
وإذا كان ترامب أعلن سياسة “أمريكا أولا” فإن بوتين ألغى 20 مليار دولار في عام 2019 من ديون أفريقيا، وعقد قمة روسية أفريقية شاركت فيها 40 دولة من القارة، في استراتيجية روسية كان الاقتصاد ولا يزال هدفها الأول.
وخلال نقاش مع أحد الساسة الأمريكيين هنا بجوار الكابيتول قلت له إن سياسة الولايات المتحدة في أفريقيا اليوم تنطلق -في رأيي- من محاولة تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية، بهدف بناء سياسة قديمة متجددة تريد على الدوام تقويض الأحلام الروسية الصينية حتى إن أعلن وزير خارجيتها أن الالتزام بشراكة أقوى مع أفريقيا لا تتعلق بمحاولة التفوق على أي طرف آخر.
وإلى جانب هذا الأمر كذلك فإن مما يغيب عن بال الكثيرين أن الدول الأفريقية رغم عدم التأثير الظاهر لها في السياسات الكبرى للعالم فإن عددها ٥٤ دولة، وتمتلك كتلة تصويتية وازنة في أي منظمة دولية، ناهيك عن أن هناك موارد معدنية تعتبر بعض الجمهوريات الأفريقية هي الأغنى بها عالميا، كما نلحظ مثلا في اعتماد الشركات الأمريكية على “الكولتان” و”الكوبالت” كمعدنيين تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية الثروة الأكثر منهما في العالم.
واليوم تريد الولايات المتحدة خلق فرص استثمارية جديدة وحماية الموارد الطبيعية في أفريقيا، سعيا في أن يكون هناك موطأ قدم لشركات أمريكية جديدة تظفر بالنصيب الأكبر من ثروات أفريقيا.
اليوم يشتد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على ثروات طبيعية هائلة تمتلكها أفريقيا، ما بين الذهب والماس والبلاتين وبالطبع النفط والغاز واليورانيوم، وقد بدا الصراع واضحا في السياسة التي انتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن والذي اعتبر أن الصين وروسيا خطرا أول يهدد بلاده، فجعل من زيارات مسؤوليه والشراكات المعروضة سبيلا للظفر بما أمكن من ثروات قارة غنية جدا، فشل أهلها لأسباب لا تخفى على الكثيرين في استثمارها بشكل جيد بسبب حروب عرقية وعنصرية وتهميش واحتلالات متعددة، وسطوة أوروبية وفرنسية بالأساس، لم تكف كل إمكاناتها لسرقة ثروات تلك الدول الأفريقية بطرق قانونية.