ما يمكن توقعه من قضية حلّ حزب الشعوب الديمقراطي
ذو الفقار دوغان
قبلت المحكمة الدستورية التركية طلبا من المدعين العامين لبدء محاكمة ضد حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد وعشرات من كبار أعضائه بشأن صلات مزعومة بالإرهاب. وقبلت المحكمة لائحة الاتهام التي قدمها المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا بكير شاهين، يوم الاثنين. وهو يدعو إلى حل حزب الشعوب الديمقراطي، مستشهدا بصلات أفراده المزعومة بحزب العمال الكردستاني المحظور والاتهامات بسعيه لتدمير وحدة الدولة التركية.
ويمثل قبول المحكمة لقرار الاتهام بداية محاولات رسمية لحلّ حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، بعد اعتقال العديد من كبار قادته واستيلاء الحكومة على جلّ الإدارات المحلية التي سيطر عليها. وقالت المحكمة إنها ستنظر في طلبات شاهين لحظر 451 من أعضاء الحزب وتجميد حساباته في وقت لاحق.
ويقول حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يزعم أن القضية المرفوعة ضده ذات دوافع سياسية، إن الإجراءات القانونية لن تؤدي إلا إلى تعزيز دعمه.
ويدقق مراقبو القضية الآن في كيفية سيرها. وسترسل المحكمة في البداية لائحة الاتهام التي أعدها الادعاء إلى حزب الشعوب الديمقراطي لتطلب دفاعا كتابيا أوليا. وسيكون أمامه 60 يوما لتقديم المستندات المطلوبة وقد يطلب 30 يوما أخرى إذا لزم الأمر.
ثم سيُقدّم دفاع حزب الشعوب الديمقراطي إلى شاهين، الذي سيقدم حججا مكتوبة ردا على ذلك. بعد ذلك، ستعقد جلسة استماع في الجمعية العامة للمحكمة، حيث سيقدم شاهين رأيه إلى مسؤولي المحكمة. وسيعقب الجلسة دفاع شفهي يقدمه مسؤولو حزب الشعوب الديمقراطي ومحاموه أمام نفس القضاة. وسيجمع مقرر المحكمة بعد ذلك جميع البيانات الشفوية والمكتوبة والأدلة ودفاع حزب الشعوب الديمقراطي للبدء في تجميع تقرير عن القضية.
ومن المتوقع أن تستغرق هذه العملية أربعة أشهر أو خمسة.
وسيبدأ مسؤولو المحكمة الدستورية المكلفون بعد ذلك في مراجعة القضية والأدلة المرتبطة بها. وقد يستغرق هذا شهرا كاملا.
ومن المقرر أن يصدر حكم المحكمة النهائي في القضية في غضون ثمانية أشهر تقريبا، أو سنة واحدة على الأكثر، وفقا للجدول القضايا السابقة الزمني. لكن، من المتوقع أن يضغط حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه السياسي، حزب الحركة القومية، على المحكمة لتسريع حكمها.
وبعد جلسات الاستماع في المحكمة، سيقرر القضاة ما إذا كانوا سيقبلون طلب الادعاء بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي أو يرفضونه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن حزب العدالة والتنمية أدخل تغييرات دستورية تسمح بفرض عقوبات مالية أو سحب جزئي أو كامل لدعم الخزانة لحزب سياسي بدلا من حلّه، بعد رفع قضية إغلاق ضده في 2007. كما يمكن معاقبة أعضاء الحزب كبديل للإغلاق.
ويجب أن يكون هناك أغلبية الثلثين لكي تقرر الجمعية العامة للمحكمة الدستورية الإغلاق. هذا يعني أنه يجب تصويت 10 قضاة من أصل 15 قاضيا لصالح حل حزب الشعوب الديمقراطي.
وقد دعا شاهين إلى الإغلاق الدائم لحزب الشعوب الديمقراطي، مستشهدا بالمادتين 68 و 69 من الدستور التركي، اللتين تنصان على أن الأحزاب السياسية يجب أن تمارس أنشطتها وفقا لأحكام الدستور والقانون. إذ أن حزب الشعوب الديمقراطي متهم بالسعي إلى “تدمير وحدة الدولة”، وبالتالي كسر ركيزة أساسية من أركان الدستور.
وإذا حكمت المحكمة الدستورية لصالح الإغلاق، فسيتوقف حزب الشعوب الديمقراطي عن كونه كيانا قانونيا. وهذا يعني أن جميع المسؤولين والمشرفين والإداريين في الحزب سيعانون من حظر لمدة خمس سنوات من الانتماء إلى حزب سياسي. كما سيجري تحويل الممتلكات غير المنقولة والثروة النقدية والحسابات المصرفية للحزب إلى وزارة الخزانة. ومع ذلك، قد تختار المحكمة منع بعض الأشخاص (وليس جميع الذين أُدرجت أسماؤهم في لائحة الاتهام، والبالغ عددهم 451 شخصا) من الحياة السياسية.
وإذا وجدت المحكمة أن الأدلة غير كافية ورفضت قضية الادعاء، فقد تقرر وقف تمويل جزئي أو كلي. وسيسمح ذلك للحزب بالاحتفاظ بوضعه القانوني ومواصلة أنشطته دون حظر سياسي على إدارته وأعضائه.
ومن غير المرجح أن ترفض المحكمة الدستورية القضية ولا تتخذ أي إجراء. حيث سيخلق مثل هذا القرار اضطرابا سياسيا، مما قد يثير حفيظة الرئيس رجب طيب أردوغان وشريكه الأصغر في الائتلاف، زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي. ولن تتجرأ المحكمة على اتخاذ مثل هذا القرار.
وإذا وافقت المحكمة الدستورية على إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي وحظر 451 عضوا من السياسة، فلن يتمكن المسؤولون من تأسيس حزب سياسي آخر أو الانضمام إليه لمدة خمس سنوات.
وإذا حظرت المحكمة المشرعين من حزب الشعوب الديمقراطي دون إدانتهم بجريمة أخرى أو تم تجريدهم من الحصانة البرلمانية، فسيكونون أحرارا في الاحتفاظ بمقاعدهم في المجلس كنواب مستقلين. وسيتمكن الأعضاء والإداريون والمشرعون، الذين لا يتلقون حظرا، من ممارسة السياسة ضمن حزب سياسي آخر.
وتعهد الرئيسان المشاركان لحزب الشعوب الديمقراطي، ميثات سانكار وبيرفين بولدان، بالمشاركة في الدفاع عن الحزب إلى النهاية. ويتطلعان إلى تشكيل فريق دفاع من الخبراء الدستوريين والسياسيين.
ومن الطبيعي أن يؤدي الإغلاق المحتمل لحزب الشعوب الديمقراطي إلى تداعيات سياسية خطيرة. لكن هناك خيارات أخرى مختلفة أمام الحزب، اعتمادا على مسار القضية. فقد يختار الحزب حل نفسه لإسقاط الدعوى ضده بشكل فعال وتشكيل مجموعة سياسية جديدة، أو عقد مؤتمر استثنائي لحل نفسه والانضمام إلى حزب المناطق الديمقراطية الموالي للأكراد، والذي يحتفظ بمقعد واحد في البرلمان. كما قد يختار حزب الشعوب الديمقراطي الحل ودفع مشرعيه للانضمام إلى حزب آخر في محاولة لإسقاط قضية الإغلاق. لكن قيادة حزب الشعوب الديمقراطي أوضحت أنها لن تتخلى عن المناصب وستحارب القضية ضدها.
وإذا دعت الحكومة إلى انتخابات مبكرة أثناء المحاكمة، فسيتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من المشاركة. ومع ذلك، قد يضع المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا سلسلة عقبات أمام حزب الشعوب الديمقراطي، بما في ذلك رفض مرشحي الحزب لأسباب مختلفة.
كما يحوم سؤال حول الحزب الذي سيلقي ستة ملايين من أنصار حزب الشعوب الديمقراطي بثقلهم وراءه في حالة الإغلاق. وقد يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزبه المنشقان (حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم) وحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي إلى كسب أصوات أنصار حزب الشعوب الديمقراطي. وهناك حديث عن ترشيح أفراد حزب الشعوب الديمقراطي للانتخابات على بطاقة حزب الشعب الجمهوري. لكن، من غير المرجح أن تنجح مثل هذه الخطوة مع الحزب الصالح القومي اليميني المتحالف سياسيا مع حزب الشعب الجمهوري.