مخاوف محلية ودولية من عدم إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية
رغم الجهود المكثفة لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده استكمالا لمسار الحل السياسي في ليبيا، لا تزال جهات محلية ودولية متخوفة من عدم إجراء الانتخابات الرئاسية وفرضيات إلغائها أو تأجيلها بناء على التوترات السياسية، التي تأخذ منحى متصاعدا ينذر بالعودة إلى مربع العنف.
ولعل الشكوك حول إمكانية إتمام العملية الانتخابية باتت كبيرة إلى حد ما، في ظل الانقسام العميق داخل المجتمع الليبي ورفض للمرشحين.
المعضلة الأكبر
إلا أن المعضلة الأكبر تكمن بالقانون الذي ستجري على أساسه، فبينما أكد رئيس البرلمان والمرشح الحالي عقيلة صالح مراراً على أنه لا مجال لتعديل قانون الانتخابات في ليبيا، شدد على أن القانون لم تتم صياغته لصالح أشخاص معينين.
الوضع الأمني
من جهة ثانية، يبقى الوضع الأمني الهش بالبلاد أزمة أخرى، وسط تفلت الميليشيات، خصوصاً بعدما شهدت العملية الانتخابية حوادث عدة، ففي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت الحكومة الليبية أن مجهولين اعتدوا على المحكمة الابتدائية في سبها جنوب البلاد، ما حال دون انعقادها للنظر في طعن قدمه سيف الإسلام القذافي، على قرار منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية، إلى أن أقرت المحكمة ترشيح القذافي.
كما اشتكى ناخبون على مواقع التواصل الاجتماعي من أن أشخاصاً سحبوا بطاقاتهم الانتخابية، ما غذى الشكوك باحتمال حصول تزوير.
كذلك شهدت مراكز أخرى سرقة أكثر من 2300 بطاقة انتخابية من 5مراكز اقتراع على أيدي مسلحين في غرب البلاد، بينها طرابلس.
مؤسسات مشرذمة
يرى نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة جمال بينومار الذي يرأس حاليا المركز الدولي لمبادرات الحوار أن “الانتخابات ستكون مضرة أكثر مما ستكون مفيدة، بسبب الانقسامات العميقة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي”.
ويشير إلى أنه سواء تمّ إرجاء الانتخابات أم لا، فإن ظروف إجراء “انتخابات حرة وعادلة غير متوافرة، فالليبيون منقسمون بشكل أعمق يحول دون قبولهم أو توافقهم على نتائج الانتخابات”.
ويقول بينومار إن “مؤسسات مشرذمة، وعدم وجود دولة وقوى أمنية وعسكرية موحدة أو شرعية… كلها عناصر تقود إلى عدم الاستقرار، وهذه المسائل الأساسية بقيت عالقة منذ نحو تسع سنوات”.
وترى أماندا كادليك العضو في مجموعة خبراء الأمم المتحدة حول ليبيا، أن “الحدّ الأدنى للبنى التحتية والمتطلبات الأمنية لانتخابات حرة وعادلة غير موجود حاليا”.
ميليشيات مسلحة
وتنتشر في البلاد قوات مسلحة عديدة. وتنقسم السلطة إلى مركزين أحدهما في الغرب والآخر في شرق البلاد، حيث تسيطر قوات المشير خليفة حفتر على الشرق. وفي الغرب، تكنّ شريحة واسعة من السكان والمجموعات المسلحة عداء كبيرا لحفتر الذي حاول التقدم نحو طرابلس في مواجهة مع الأحزاب الإسلامية الممثلة في حكومة السراج خلال العامين الماضيين.
وحفتر مرشح للانتخابات الرئاسية. وهو ليس المرشح الوحيد المثير للجدل، بل هناك سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم السابق معمر القذافي الذي قتل منذ عشر سنوات خلال الانتفاضة الشعبية ضده. كما ترشح إلى الانتخابات رئيس الحكومة الانتقالية الحالي عبدالحميد الدبيبة الذي كان أعلن في وقت سابق أنه لن يترشح.
طوابير طرابلس
وتتواصل معاناة الليبيين، إذ تشهد طرابلس طوابير انتظار طويلة أمام البنوك، وتنتظر السيارات ساعات أمام محطات البنزين. وتراجعت قيمة الدينار الليبي، وارتفعت أسعار العقارات، وصار انقطاع الكهرباء حدثا يوميا. وفي غياب الكهرباء، تهتزّ المدينة على هدير المولدات. ولا تزال الرافعات الضخمة بعجلاتها الصدئة متوقفة قرب المباني غير المكتملة التي غزتها الأعشاب الطفيلية، في دليل على تعطّل الاقتصاد.
وطال العنف في السنوات الأخيرة قطاع النفط في بلد يحوي أكبر احتياطي من الذهب الأسود في أفريقيا، وصار يستعمل كورقة مقايضة. كما لا يوجد في ليبيا دستور منذ أن ألغاه القذافي عام 1969، وشهدت البلاد خلال الأشهر الماضية دعوات متصاعدة لضرورة إجراء استفتاء وطني على دستور للبلاد قبل أي عملية انتخابية.
استقالة موفد الأمم المتحدة
ويرى مدير “معهد صادق” أنس القماطي أن “انتخابات في مثل هذه الظروف القانونية والسياسية ستزعزع استقرار ليبيا بالتأكيد”.
وزاد في غموض الوضع، تنحي موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش عن مهامه، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية.
ولم تكشف أسباب الاستقالة، لكن دبلوماسيا في الأمم المتحدة قال إن جوهر المشكلة يكمن في “خلافات حول الانتخابات” بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. فقد أصرّ كوبيش على إجراء الانتخابات في موعدها، بينما كان غوتيريش مترددا.
وفي سعيه إلى إجراء الانتخابات بأي ثمن، وافق كوبيش على قانون انتخابي مثير للجدل، اتهمه معارضو المشير خليفة حفتر بأنه فصّله على قياسه، ونشره البرلمان الليبي دون التصويت عليه في جلسة عامة.
وعلى الرغم من كل المؤشرات السلبية، يتمسك المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ويصف السفير البريطاني السابق في ليبيا بيتر ميليت هذا الموقف “بدفع أعمى لعملية انتخابية من دون أخذ كل الأخطار في الاعتبار”.
وفي حين يرى أن الإرجاء سيكون أمرا لا مفر منه، يضيف أن ثلاث مسائل ستبقى عالقة بعد ذلك “الإرجاء إلى متى؟ من سيحكم في المرحلة الانتقالية؟ وما كانت فائدة المرحلة السابقة؟”.
يشار إلى أنه من المقرر أن يتوجه الليبيون يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد، في محطة تعتبر تتمة لعملية سياسية رعتها الأمم المتحدة، وتهدف إلى وضع حد لعقد من الفوضى في البلاد بعد سقوط نظام معمر القذافي في .2011