مدينة جلمة تطلق شرارة احتجاجات جديدة من أجل التنمية في تونس
تزيد حالة الاحتقان العارمة التي تشهدها مدن داخلية في تونس، الضغوط على رئيس الحكومة المكلف حبيب الجملي المطالب بتشكيل فريق حكومي في الآجال الدستورية، وبتلبية انتظارات الشارع.
وتجددت الاحتجاجات في مدينة جلمة بولاية سيدي بوزيد شرق تونس، وهي احتجاجات مستمرة لليوم الرابع على التوالي منذ انتحار شاب من الجهة حرقا.
وتشهد المدينة منذ السبت الماضي احتجاجات ليلية ومواجهات بين محتجين وقوات الشرطة، للمطالبة بالتنمية في الجهة وبتوفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل.
وتعاني المدينة من استمرار التهميش بعد تسع سنوات من الثورة التي تفجرت من هناك على الفقر والبطالة والفساد.
وشهدت، الاثنين، أعمال كرّ وفر بين قوات الشرطة ومحتجين من الشباب كانوا أغلقوا شوارع في المدينة وأضرموا النيران في العجلات، واضطرت الشرطة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
وكانت الاحتجاجات اندلعت في البداية إثر وفاة عبدالوهاب الحبلاني (25 عاما) بعد أن أضرم النار في جسده، على طريقة مفجّر الثورة محمد البوعزيزي قبل تسع سنوات في الولاية نفسها.
وكان الحبلاني يعمل بشكل غير منتظم، ويطالب بتحسين وضعه الاجتماعي. واستؤنفت الاحتجاجات، الثلاثاء، إثر محاولة انتحار ثانية لشاب من عملة الحضائر كان يحتجّ ضد طرده.
وأصبحت حالات الحرق شائعة في صفوف الشباب المحبطين منذ أحداث الثورة، بجانب حالات الغرق في رحلات الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الأوروبية.
وأوقفت قوات الأمن التونسية 11 شخصا في مدينة جلمة، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية، الثلاثاء.
وقال خالد حيوني المتحدث باسم الداخلية التونسية في تصريحات صحافية، إن “شبانا تتراوح أعمارهم بين 11 و18 عاما هاجموا ليلا (ليل الاثنين إلى الثلاثاء) عناصر من قوات الأمن ورشقوهم، خصوصا، بالحجارة متسبّبين في إصابة ما مجموعه 30 شرطيا”.
وأضاف أن “قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وتم توقيف 11 منهم”.
وعبّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان، الثلاثاء عن “بالغ قلقه لما آلت إليه حالة الاحتقان الاجتماعي بجلمة”، مشيرا إلى أن “هذه التطورات الأخيرة تؤكد الأزمة الخانقة التي انتهت إليها منظومة الحكم المتعاقبة رغم اختلاف العناوين بعد فشلها في تقديم الحلول المنتظرة وإمعانها في ملاحقة الحركات الاجتماعية ومقاضاتها وتصعيد المواجهة الأمنية معها”.
وحذّر المنتدى من أن “تجاهل المطالب الاجتماعية العادلة يدفع إلى المزيد من توتير الأوضاع”، مؤكدا “حق الحركات الاجتماعية في الاحتجاج السلمي دفاعا عن حقوقها والمطالبة بوضع حدّ للفساد وبتغيير جذري للسياسات الاقتصادية والاجتماعية بما يستجيب لانتظارات الأغلبية الساحقة من التونسيين”.
وتوجّه الاحتجاجات المستمرة رسائل إنذار مبكرة للحكومة المرتقبة، حيث يلوح الشارع بالتصعيد في حال لم تترجم الوعود الانتخابية التي أطلقتها النخبة السياسية الجديدة إلى حلول واقعية.
ويشكّل الملف الاقتصادي والاجتماعي اختبارا للحكومة الجديدة، في الوقت الذي ما زال لم يكشف فيه الجملي عن برنامجه وأولويات الفريق الجديد.
وفيما ينشغل الرئيس الحكومة المكلف بعقد مشاورات متواصلة وتوسيع نطاقها بهدف ضمان أغلبية مريحة تتيح له تشكيل حكومة ائتلافية، يحرج الاحتقان العارم بالمدن الداخلية الجملي، أمام شكوك وتساؤلات حول قدرة فريقه على الخروج من المأزق الاجتماعي والاقتصادي.
وتحتاج أي حكومة جديدة يمكن أن يشكلها الجملي إلى تأييد حزبين على الأقل لتحوز على الأغلبية البسيطة اللازمة وللموافقة على القوانين الجديدة وهي 109 مقاعد.
ويقول محللون، إن الحكومة الجديدة تحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وتأييد قوي في البرلمان للمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها رئيس الوزراء المنتهية ولايته يوسف الشاهد الذي يقود حكومة تصريف الأعمال لحين تشكيل الحكومة الائتلافية.
وأشار المحلل التونسي عبداللطيف الحناشي إلى أن “الاحتجاجات تساعد على دفع الحكومة الجديدة على الاهتمام أكثر بالشؤون العامة والمشاغل اليومية للمواطنين”.
لكنه حذّر من توسّع تمدد الاحتجاجات جغرافيا واجتماعيا في حال فشلت حكومة الجملي في مهامها. وتابع الحناشي، “رقعة الاحتجاجات ستتوسّع في حال لم تستجب الحكومة الجديدة لمطالب الشارع”.
وأبدى الشارع التونسي، الذي يخيم عليه الحزن منذ حادثة سقوط الحافلة غرب البلاد والتي أودت بحياة 27 شخصا، تذمره من تواصل التهميش في المدن الداخلية، وتردي الأوضاع المعيشية.
وكانت حافلة سياحية تقل 43 شخصا أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاما انحرفت عن الطريق وسقطت في منحدر في منطقة عين السنوسي الجبلية (الشمال الغربي التونسي)، وخلفت 27 قتيلا و17 جريحا تم إسعافهم في ولاية باجة (غرب تونس)، والعاصمة تونس.
ولم يعلن حتى الثلاثاء، عن أسباب الحادثة بينما لا تزال التحقيقات جارية.
وهذا الحادث هو من بين الحوادث الأكثر دموية في البلد الذي يثير سجلّه على صعيد السلامة على الطرق انتقادات من المسؤولين.
وأثار الحادث ردود فعل غاضبة في الداخل، حيث وصف أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي طرقات البلاد بـ”شوارع الموت”.
وتعدّ تلك الحادثة واحدة من الحوادث المتكررة في طرقات تونس لاسيما في الجهات الداخلية، لتكشف بذلك البنية التحتية المتواضعة بالمدن الداخلية وسوء الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية.
وتواجه تونس صعوبات اقتصادية طيلة انتقالها السياسي منذ 2011. كما لا تزال نسب البطالة مرتفعة في الجهات الداخلية التي تشكو من تدني جهود التنمية.