مصالح الدبيبة مع من
لا يكف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة عن ممارسة هوايته المفضلة وهي اللعب على حبال التوازنات محاولا كسب رضا جميع الأطراف المتداخلة في الملف الليبي على اختلاف مشاربها وتوجهاتها وتناقض حساباتها وأجنداتها، فما يهمه هو ضمان البقاء في كرسي الحكم الذي وصل إليه في أجواء لامستها شبهات الفساد وأحاطت بها الشكوك من كل جانب من خلال ملتقى الحوار السياسي في فبراير 2021.
في أوائل الشهر الجاري، أدى الدبيبة زيارة إلى القاهرة للمشاركة بصفته وزيرا للخارجية في مؤتمر “الاستعراض الإقليمي الثاني للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في المنطقة العربية” الذي نظمته جامعة الدول العربية والمنظمة الدولية للهجرة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).
حاول استغلال الزيارة للتقرب من القيادة المصرية بعد حالة البرود التي كست العلاقة بين الطرفين منذ آخر زيارة قام بها إلى القاهرة في سبتمبر 2021. في ذلك الوقت تورط الدبيبة في خطأ سياسي ودبلوماسي من الصعب تجاوزه عندما قام فريقه بتسريب تسجيل لفحوى اللقاء الذي جرى بينه ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وهو ما تم اعتباره سابقة في خرق بروتوكول اللقاءات الرسمية، وأثار الكثير من الأسئلة حول الهدف من الإقدام عليه، ولاسيما أن التسجيل تم عن طريق جهاز هاتف ذكي ليصبح مادة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
شعرت الحكومة المصرية بالصدمة من تسجيل الوفد الليبي برئاسة عبدالحميد الدبيبة لجلسة مباحثات مغلقة، واعتبرت أن ما حصل لا يمكن أن يكون تصرف رجال دولة نظرا إلى مخالفته لكل الأعراف الدبلوماسية، وأكدت أن محاولة شراء رصيد شعبوي على حساب مصر وسمعة مسؤوليها وأسرار مجالسها أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
لم يتجرأ الدبيبة على زيارة القاهرة بعد ذلك الخطأ الفادح، إلى أن جاءت الدعوة من جامعة الدول العربية التي حاول استغلالها لتطبيع علاقاته مع السلطات المصرية. بدا واضحا أن الجانب المصري لم ينس قصة التسريب، ولم يغفر للدبيبة خرقه لمواثيق البروتوكول، حتى أن الرئيس عبدالفتاح السياسي لم يستقبله كعادته عندما يزور رئيس حكومة من أيّ دولة من دول العالم القاهرة، وترك المهمة لرئيس الوزراء للقيام بواجب المجاملة المعمول به في مثل تلك الظروف.
الدبيبة تطرق مع مدبولي إلى أوجه التعاون وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، وتم الاتفاق على تقديم الدعم اللازم لمصر في مجال الكهرباء بهدف استقرار الشبكة العامة وأيضا تفعيل الربط الكهربائي بين البلدين والتعاون في تنفيذ المشروع الوطني للصرف الصحي الذي أطلقته حكومة الوحدة الوطنية الليبية، والاستفادة من التجربة المصرية في هذا الملف الهام.
وكذلك تم استعراض نتائج اجتماعات اللجنة العليا المصرية – الليبية المنعقدة في 2021 بالقاهرة، والتنسيق لعقد الاجتماع القادم لزيادة التعاون وتعزيز الاستثمار. وتمت مناقشة دعم القطاع الخاص بالبلدين وعقد المعارض والمؤتمرات للصناعات المصرية والليبية وتشكيل مجلس رجال الأعمال المصريين – الليبيين تحت إشراف الحكومتين وتقديم الدعم اللازم لهم.
حاول الدبيبة أن يجعل من زيارته إلى القاهرة مناسبة لكسب ود الجانب المصري المؤثر في الملف الليبي، وضمان حياده في مسألة تجديد السلطات التنفيذية ودعم ما ينادي به مجلس النواب الليبي من ضرورة تشكيل حكومة موحدة كشرط أساسي للاتجاه نحو الانتخابات التي طال انتظارها داخليا وخارجيا. لكنّ المصريين يدركون جيدا نوايا الرجل والخلفية السياسية البراغماتية التي ينطلق منها، ويعلمون جيدا أن ميوله تركية، وأنه يحتمي في صراعه من أجل البقاء في صدارة المشهد بمن يبدون عداوة لمصر وقيادتها وشعبها وفي مقدمتهم رئيس دار الإفتاء في طرابلس الصادق الغرياني، وتيار الإسلام السياسي وأمراء الحرب المحسوبون عليه، وصولا إلى لوبي الإخوان المسيطر على القرار في مجلس الدولة وعلى رأسه رئيس المجلس محمد تكالة، الذي سعى إلى استغلال الخلاف القائم مع مجلس النواب حول ميزانية الدولة للإعلان عن مقاطعته للاجتماع الثلاثي مع عقيلة صالح ومحمد المنفي الذي كان مقررا عقده بالقاهرة، وتم تسريب المبررات كما رواها المقربون منه وأبرزها تدخل المخابرات المصرية في توجيه دفة المشاورات.