مضامين اقتصادية واجتماعية للاحتجاجات في تونس
9 حكومات متعاقبة تفشل في خلق نموذج اقتصادي يفك الخناق عن البلاد
عشية انقضاء حظر تجول مدته أربعة أيام، اندلعت موجة احتجاجات في تونس، ووقعت صدامات بين عناصر الشرطة وشبان تراوحت أعمارهم بين 14 سنة و23 سنة، في مدن عدة منها تونس والقصرين وبنزرت وباجة والقيروان وسوسة،.
انتهت الاحتجاجات باعتقال أكثر من ستمائة شخص يوم الثلاثاء، عدد كبير منهم من (الأطفال) القصر: حسابيا هؤلاء فتحوا أعينهم على مرحلة جديدة هي ما بعد ثورة 2011، وستترك السنوات العشر الأخيرة دون شك أثرا كبيرا على هؤلاء الشباب.
الاحتجاجات وقعت في ظرف عنوانه الأساس هو فقدان الناس الثقة بالطبقة السياسية التي طالها الشجار داخل البرلمان نفسه. وتأزم الوضع الاقتصادي وتصاعد حالة الاحتقان في المجتمع، في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 18 في المائة، بعد أن فشلت 9 حكومات متعاقبة على خلق نموذج اقتصادي يفك الخناق عن البلاد، ويحقق النمو الذي تحول إلى انكماش تجاوزت نسبته 7 في المائة حتى أواخر 2020.
يجمع المراقبون للشأن السياسي في تونس على عدم تكامل الرئاسات الثلاث في سياساتها بسبب تفتت الأصوات الذي أفرز برلمانا فسيفسائيا تتصارع فيه الأحزاب وتؤجل فيه قرارات مهمة.
فالحكومة التونسية نفسها رهينة تحالفات بين كتل نيابية مختلفة في الرؤى والخلفيات الفكرية إلى حد التناقض، فهذه الحكومة التي يرأسها هشام مشيشي يدعمها أساسا حزب النهضة الإخونجي والممسك بأغلبية المقاعد في البرلمان إلى جانب حليفه الإيديولوجي والسياسي ائتلاف الكرامة، ويدعمها كذلك حزب قلب تونس برئاسة نبيل القروي الموقوف حاليا في السجن بسبب قضايا تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض أموال.
أما رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي انتخب بأغلبية ساحقة فهو لا يبدو في انسجام مع هشام مشيشي بشأن السلطات والتحالفات السياسية، في ظل سلطة تنفيذية برأسين.
ويرى سياسيون ومنهم الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي من خلال صفحته على موقع فيسبوك، أن الحل لاتخاذ القرار السياسي وتفعيله، يكمن في تغيير القانون الانتخابي الذي سيفضي إلى أغلبية برلمانية تشكل منها حكومة تتحمل مسؤوليتها في كنف الاستقرار وتُحاسَب، محذرا من الدعوة إلى الرجوع إلى النظام الرئاسي الذي قد يستحوذ على سلطة القرار ويهدد يوما الديمقراطية.
وقد أعلن رئيس الحكومة هشام مشيشي عبر قبل يوم أمس عن تفهمه لمطالب المحتجين الاقتصادية والاجتماعية، لكنه أكد في المقابل أنه يرفض أعمال النهب والفوضى.
الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن الفئة العمرية المشار إليها في الأحداث الأخيرة تعاني من التمييز الاجتماعي، ويقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي في حديثه لوسائل إعلامية التونسية: “إن وزارة التربية تسجل انقطاع أكثر من مائة ألف تلميذ عن التعليم منذ عشر سنوات، وإن كل المؤشرات كانت تدل على أنه سيكون هناك انفجار اجتماعي، علما وأنه تم تسجيل 8 آلاف حركة احتجاجية سنة 2020”.
وتفيد دراسة سابقة للمنتدى من خلال عينة شملت حوالي 800 شاب إلى أن أكثر من 73 في المائة منهم يشعرون أن أصواتهم غير مسموعة من السلطات الرسمية، فيما يعتبر أكثر من 80 في المائة أن الدولة لا تنصفهم.
أستاذ علم الاجتماع ووزير الثقافة الأسبق مهدي مبروك، يضع المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة ضمن الرافضين للدولة، التي “ينظرون إليها كحاكم يحاصرهم ويلاحقهم فحسب”. ولا يرى الأستاذ مبروك خلال تعليق له في صفحته في موقع فيسبوك أن “هذه التحركات ستكون منتجة، لأنها تفتقد إلى ناطقين باسمها، فضلا عن غموض مطالبها” ويضيف القول إنه رغم ذلك فإنها “تشكل لنا جميعا جرسا يقرع…” وقد “فتحوا أعينهم على كل ما هو سيء فينا”.
وإن تخطت تونس أزمة انتقالها السياسي لكن الوضع الاقتصادي متأزم، والشعارات التي تصدح بها حناجر المتظاهرين في كل ذكرى سنوية للثورة ظلت تتردد، وصدى تلك الشعارات التي رُفعت قبل يومين لا يزال يرن في الآذان: “لا خوف، لا رعب، الشارع ملك الشعب”، في إشارة إلى أن الاحتجاجات ستتواصل، حتى في صفوف طلبة جامعيين (من كلية الطب)، يدفعها إلى ذلك وضعٌ “تنمو فيه تربة التعفن الأمثل” على حد تعبير السياسي والإعلامي التونسي عمر صحابو لصحيفة الشارع المغاربي قبل أسبوعين، في إشارة إلى الفقر والفساد والإفلات من العقاب وتفشي الأمية وكثرة ارتكاب الجرائم.