معركة محتدمة بين الدستوري الحر وإخونجية تونس
عبير موسي وحزبها يواصلان طريق انهاء هيمنة النهضة على المجتمع التونسي
أعلن الحزب الدستوري الحر الأسبوع الماضي، أن رئاسة الحكومة التونسية استجابت لطلبه بشأن بدء إجراءات حل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس، في خطوة جاءت بعد أشهر من اعتصام الحزب أمام مقر هذه الجمعية.
وأفاد الحزب بأنّ “إدارة الجمعيات التابعة لرئاسة الحكومة، وبعد تحول وفد برلماني عن كتلة الحزب إلى مقرها الأربعاء الماضي، أرسلت تنبيها رسميا للتنظيم المشبوه، وجهت له بمقتضاه جملة من المخالفات أهمها مخالفة مقتضيات الفصل 1 و2 من الدستور والفصل 3 من مرسوم الجمعيات، باعتبار أن النظام الأساسي للجمعية الأم تضمّن بنودا تؤكد سعي هذا التنظيم إلى تقويض أسس الجمهورية وضرب مدنية الدولة”.
وأوضح أن “التنظيم المذكور يتلقى تمويلات خارجية، وأمين ماله وقياداته أعضاء في حركة النهضة الإخونجية التي تنتفع بصورة أو بأخرى بهذه التمويلات”.
هذا الإعلان سلط الضوء مجددا على الجهود التي يقودها الحزب من أجل الإطاحة بمنظمات الإسلام السياسي، وهي جهود لا تحظى بإجماع كافة الأوساط السياسية في تونس ولم تنجح حتى الآن في تحجيم نفوذ الإخونجية الذين يقودون الائتلاف الحكومي، حيث تدور معركة سياسية بين الحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه عبير موسي وحركة النهضة الإخونجية في تونس وسط تزايد التكهنات باحتكار المرأة للخطاب المناهض لجماعة الإخونجية في بلادها.
ومع تزايد حدة الاستقطاب الثنائي بين الطرفين تتسع دائرة التساؤلات عما إذا كانت موسي وحزبها قادرين على الإطاحة بمنظمات الإخونجية الذي دخل خلال المرحلة الماضية مواجهات على جبهات عدة، بدءا من الرئيس قيس سعيد وصولا إلى موسي التي تحقق أرقاما هامة على مستوى استطلاعات الرأي.
وأعلنت موسي الأيام الماضية عن نجاحها وحزبها في إرغام الحكومة برئاسة هشام المشيشي على التحرك ضد “الجمعيات المشبوهة”، وفق قولها، من خلال توجيه تنبيه إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ذراع تنظيم الإخونجية.
ورغم عدم إصدار الحكومة أي موقف رسمي يؤكد ذلك أو ينفيه، إلا أن العديد من الأوساط السياسية في تونس ثمنت الخطوة خاصة في ظل الانتقادات والاتهامات التي تحاصر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
بدورها لم تعلن الحكومة التونسية حتى الآن، عن بدء إجراءات حل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو ما جعل العديد من الأوساط سواء السياسية أو مراقبين يتعاطون مع إعلان الدستوري الحر على أنه “انتصار منقوص” أو محاولة لاسترضاء موسي لا غير.
وشكك منير الشرفي، الذي يرأس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة وهو مرصد يتجند للتصدي للمخاطر المحدقة بـ”المكتسبات الحداثية في تونس”، في أن الحكومة التونسية ستتحرك ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه القيادي الإخواني يوسف القرضاوي.
وقال الشرفي إن “ما قالته موسي يمكن تصنيفه في خانة مجرد إجراء قام به موظف أو مدير في الوزارة (الأولى) لمحاولة إخماد صوتها، وبدليل أن جمعية القرضاوي ردت بالتلويح بنصب الخيام أمام مقر الحزب الدستوري الحر، وكان ردا عنيفا، هذا الاتحاد مسنود ويحفزه راشد الغنوشي خاصة بعد استعراض العضلات الأخير في الشارع”، في إشارة إلى مسيرة حركة النهضة الإسلامية السبت الماضي.
ولكن المحلل السياسي خليل الرقيق لا يُساير الشرفي في رأيه حيث أكد أن التنبيه الرسمي للحكومة على اتحاد علماء المسلمين موجود، وهو “شبه رسمي”.
وقال الرقيق إن “المشكلة في ما بعد التنبيه، هل ستكتفي الحكومة بذلك أم أنها ستمر إلى حل هذا الاتحاد خاصة أن التهم خطيرة؛ خرق الفصل الأول والثاني من الدستور والفصل الرابع من المرسوم المنظم للجمعيات الذي ينص على ممارسة هذه الجمعيات أنشطتها دون تمييز ديني أو تطرف أو عنف”، موضحا “سياسيا موسي نجحت في ذلك، منذ عشر سنوات تونس لم تخض بجدية معركة الجمعيات المشبوهة وذات المحتوى التكفيري وتحييد المساجد والكتاتيب وغيرها، خاضت موسي المعركة بشكل سلمي وأكثر من ذلك بشكل قانوني دون تصادم، هذه خطوة جبارة”.
وشدد النائب البرلماني عن الدستوري الحر كريم كريفة على أن رئاسة الحكومة راسلت حزبهم بشكل رسمي موضحة أنها سلطت عقوبة رسميا على اتحاد علماء المسلمين.
وأضاف كريفة أن “بعد مرور شهر عن هذا الإجراء على الكاتب العام للحكومة أن يقوم بقضية لحل هذا الاتحاد الأجنبي”.
بالرغم من مساعيه لإسقاط حركة النهضة الإخونجية من الحكم والقضاء على منابع التطرف على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلا أنه يبدو أن هناك حلقة مفقودة في حملة الدستوري الحر لاسيما في ظل تواتر الحديث عن تمكن الإخونجية من السيطرة على بعض المساجد وتسلل بعض “قياداتها المتطرفة” إلى المدارس وانتشار مدارس قرآنية وغير ذلك.
ومنذ أيام تم تداول تقارير محلية حول مدرسين يقومون بوظيفتهم بلباس أفغاني في مدن داخلية على غرار ولاية (محافظة) المهدية (شرق)، وهو ما أثار جدلا حول حياد المؤسسات التربوية خاصة أن هذه التقارير تحدثت عن ”دمغجة” للأطفال.
وفي بيان له ليل الثلاثاء – الأربعاء أدان مرصد الدفاع عن مدنية الدولة هذه “الممارسات”، قائلا “رصدنا حادثتين غاية في الخطورة الأيام الماضية، سلوك عدد من المعلمين في مدرستين تقعان في معتمدية شربان من ولاية المهدية، حيث، كما بيّنه برنامج صحافي استقصائي بالصورة والصوت، يفرضون على التلاميذ، بلباسهم الرهباني الأفغاني المُخيف، دروسا خارجة عن المناهج التربوية الرسمية معتمدة على الحلال والحرام، مع منع الاختلاط بين الجنسين وحذف الصور من قاعات التدريس باعتبارها محرّمة، وإقامة الصلاة داخل القسم”.
وتابع البيان “أما الحادثة الثانية فتتمثل في تحريض إمام الجمعة بمعتمدية القطار من ولاية قفصة (جنوب) على تلميذات يُمارسن الرياضة في إطار فريق نسائي لكرة القدم واصفا نشاطهن بالاختلاط المُحرّم وبممارسة الرذيلة”.
ويرى خبراء في تونس أن المعركة ضد الخطاب المتطرف والهادف إلى استقطاب الشباب وتغيير النمط المجتمعي التونسي ستكون طويلة الأمد، وأن الحل يكمن ليس فقط في الاحتجاج بل في العمل على إنهاء فترة حكم النهضة وتسلم “حكومة مدنية” غير خاضعة لهيمنة الحركة الإخونجية لمقاليد الحكم.
ويرى الشرفي أن “المعركة يمكن اختزالها في ما جاء في تقرير محكمة المحاسبات (أعلى هيئة قضائية رقابية في تونس)، يجب تطبيق مخرجات ذلك التقرير وهو ما سيفضي حتما إلى حكومة مدنية وإبعاد الغنوشي عن البرلمان وحركة النهضة عن الحكومة، لأن على حكومة المشيشي أن تتحرك ضد هؤلاء؛ الغنوشي يتحكم فيها”.
ويضيف الشرفي “هذا التقرير رصد تجاوزات حركة النهضة وقلب تونس وهما الحاكمان اليوم، لقد سخرا مؤسساتهما الإعلامية للدعاية الانتخابية وغيرها من التجاوزات، اليوم يجب تطبيق تلك المخرجات وتنظيم انتخابات مبكرة ستفضي إلى إبعاد النهضة وقلب تونس، ما يعني تشكيل حكومة مدنية، الغنوشي اليوم يريد إرغام السياسيين على الحوار وإلا الاقتتال، الحل في تقرير محكمة المحاسبات”.
وبموازاة هذه الدعوات لانتخابات مبكرة تفاديا لشبح العنف الذي بدأ يخيم على الأجواء في تونس، توجد مطالبات أخرى بضرورة وقف هيمنة الإسلاميين أولا على المؤسسات والمنشآت على غرار المساجد والمؤسسات التربوية والجامعية كجامعة الزيتونة.
ويقول الشرفي إن “الغنوشي يقوم الآن بما يسمى بالتمكين، لا يزال ذلك مستمرا، الآن هناك العديد من الأشخاص يقول إنه لا علاقة بينهم وبين حزبه ولكنهم تابعون له ويتم توظيفهم وتنصيبهم في مناصب لخدمتهم، أيضا الفصل بين الدعوي والسياسي لا وجود له؛ الدعوي موجود في المدارس والمعاهد والمساجد والمدارس القرآنية وغيرها”.
وبالرغم من تطمينات السلطات بشأن نجاحها في تحييد المساجد والمؤسسات التربوية وغيرها إلا أن العديد من الأوساط تشكك في ذلك.
وقال الشرفي “وزير الشؤون الدينية يقول إن 90 في المئة من المساجد تمت السيطرة عليها، لكن ذلك غير صحيح، نحن بصدد فضح ذلك، هناك العديد من المساجد خارجة عن سيطرة السلطات (وزارة الشؤون الدينية)، جامعة الزيتونة أيضا من المؤسسات الخاضعة لسيطرة النهضة ويكفي أن تقرأ بيانا لرئيس الجامعة لتكتشف درجة التعصب، لقد تغلغلوا في هذه المؤسسات”.
ويساير معز علي رئيس جمعية اتحاد التونسيين المستقلين من أجل الحرية، الشرفي في قراءته حيث يؤكد أن هناك العديد من المساجد الخارجة عن السيطرة في تونس في الظرف الراهن.
وقال علي إنه “لا يزال هناك الكثير من المساجد الخارجة عن السيطرة في تونس، حدث مؤخرا هجوم أكودة الإرهابي في سوسة (شرق) منفذوه كانوا يترددون على أحد مساجد الجهة وهذا دليل آخر على أن هناك مساجد خارجة عن سيطرة الدولة وفيها خطاب يحرض على العنف”.
ويتابع علي الذي تنجز جمعيته العديد من الدراسات “الأمر لا يقتصر على المساجد، هناك الكثير من الجمعيات المشبوهة على غرار مركز الإسلام والديمقراطية واتحاد علماء المسلمين والمدارس القرآنية التي لا تزال منتشرة إلى حد الآن، هؤلاء يقومون بتكوين الأئمة خارج إطار الدولة ودون شراكات رسمية مع وزارة الشؤون الدينية، هذا تسيب ولامبالاة”.
وبالنسبة إلى الدستوري الحر فإن المعركة ستكون ضد كل أذرع وأشكال الإسلام السياسي في تونس وهو ما جعله يكسب تأييد العديد من الأكاديميين وغيرهم.
ويقول كريفة إن “معركتنا ضد الإخونجية، من يريد تغيير نمط المجتمع التونسي وضرب مدنيته، معركتنا ستكون أيضا ضد كل من يتعامل مع الإسلام السياسي، اتحاد القرضاوي هو الذي افتتحنا به حملتنا، الإسلام السياسي وضع لضرب كل دولة عربية مدنية لذلك سنتجه إلى كل المنشآت التي يسيطر عليها الإسلام السياسي مثل جامعة الزيتونة وغيرها”.
رغم تزايد حدة الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة الإخونجية والحزب الدستوري الحر بقيادة موسي، إلا أن ذلك لا يبدد المخاوف من تكرار سيناريو حزب نداء تونس الذي فاز بانتخابات 2014 مع زعيمه الباجي قائد السبسي لكنه تحالف في النهاية مع النهضة التي خاض ضدها السباق ممثلا عن التيار العلماني.
والأسبوع الماضي شدد القيادي داخل النهضة، عماد الحمامي، على أنهم لا يمانعون التحالف مع موسي قائلا “حركة النهضة لا تمانع التحالف مع موسي، وفي نهاية المطاف الدساترة (وهم الأشخاص أو الأحزاب المتفرعة عن الحزب الاشتراكي الدستوري الذي حكم تونس خلال حكم مؤسس الدولة التونسية الحبيب بورقيبة، ثم في ما بعد خلال فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي) هم حلفاؤنا الأقرب في كل الأحوال وهناك قواسم كبيرة بيننا”.
وحسب ما أظهرته العديد من استطلاعات الرأي، يتصدر الحزب الدستوري الحر نوايا التصويت للانتخابات البرلمانية بفارق كبير عن حركة النهضة، لكنه يسير في طريقه دون حلفاء رغم تعدد الأحزاب القريبة منه.
وتشترط البعض من تلك الأحزاب تغيرا في خطاب موسي، لاسيما المتعلق بثورة 14 يناير وهي ثورة ترفضها موسي وتعتبرها “انقلابا”.
ويقول علي “لا يمكن مكافحة التطرف بتطرف آخر”، في إشارة إلى ضرورة تغيير لهجة الحزب الدستوري الحر، موضحا “موسي ركزت كل تحركاتها على مؤيدات ونجحت في ذلك، وهي ناجحة إلى حد الآن في معركتها ضد النهضة بسبب أخطاء وضعف الدولة التونسية”.
ولكن الرقيق يؤكد “في البداية سيناريو تحالف الدستوري الحر والإخونجية مستبعد، لماذا؟ لأن الدستوري الحر استفاد من دروس تشظي نداء تونس التي جاءت بعد تحالفه مع النهضة، ثانيا الحزب الدستوري الحر حزب مركزي منظم منتشر أفقيا لديه هياكله وفروعه المنتشرة في شتى الجهات، لذلك هو حزب مركزي ومنظم وقادر على إيجاد التوازن المضاد لحركة النهضة التي تملك جزءا من الشارع”.
ويتابع “بالنسبة إلى الوسطيين (نسبة للأحزاب الوسطية) هم تائهون في الطريق لأنه في الواقع لا يوجد غير ثلاث قوى في الشارع وهي الرئيس سعيد والدستوري الحر والنهضة، الوسطيون رافضون التحالف مع موسي بسبب احترازهم على الماضي (انتماء موسي لحزب الرئيس الراحل بن علي والافتخار بما أنجزه في السابق) ولأسباب شخصانية، لكن تبقى موسي الوحيدة التي ذهبت إلى العمق في مواجهة الإخوان المسلمين في تونس من خلال الاعتصام أمام اتحاد علماء المسلمين، هل فكر حزب آخر يساري أو وسطي في ذلك؟ لا”.
ويحمل الدستوري الحر هذه الأحزاب مسؤولية حالة التشرذم التي تعرفها العائلة الوسطية التي تشكل تجمعا للأحزاب التي تحمل لواء الدفاع عن مدنية الدولة.
وأكد كريفة أن “الدستوري الحر لن يتعامل مع الإخونجية الذين دمروا مقومات الدولة الوطنية، من يتحدث عن تجميع القوى المدنية والعائلة الوسطية نجيبه بأننا عرضنا عليهم ميثاقا سياسيا فيه 6 نقاط أو نقطة تنص على التعهد بعدم التعامل مع الإسلام السياسي، لا يحمل ذلك أي نظرة إقصائية لكن مصائب تونس خلال العشرية الماضية كلها من الإسلام السياسي”.