منْ هو مرشد “الإخوان” الجديد؟
أعلنت جماعة “الإخوان المسلمين”، جبهة إبراهيم منير، أخيراً، بصورة رسمية، تعيين الطبيب صلاح عبد الحق، قائماً بأعمال مرشد “الإخوان”. وعبدالحق الذي يبلغ من العمر 78 عاماً، هو أحد عجائز التنظيم النافذين، من الجيل القديم، ورغم ذلك تولى المنصب التنفيذي الأهم داخل الجماعة، فسلفة كان يبلغ من العمر 85 عاماً، وهو ما يُدحض مقولة التنظيم بأنه يؤمن بالتغيير أو يسعى إلى تمكين الشباب!
لم يتولَ طبيب الأمراض الجلدية أي مواقع داخل الهياكل الإدارية للتنظيم من قبل، سوى العمل في لجان التربية داخل الجماعة، وهي المعنية بالتربية الروحية والتنظيمية للأعضاء، فقد كان بعيداً من إدارة العمل التنظيمي والإداري طيلة مراحله العمرية داخل التنظيم، فضلاً عن أنه لم يكن طرفاً في الخلاف الدائر، بحسب رصدنا، بين الجبهتين المتصارعتين داخل التنظيم، بل لم يدخل فيه، رغم أنه كان مؤيداً لجبهة إبراهيم منير، وقد بات الرجل التنفيذي الأول في هذه الجبهة.
وهذا يكشف عن طبيعة الرجل وعن شخصيته التي لا تميل إلى الصراعات بكل أشكالها، فهكذا يكون رجال التربية داخل التنظيمات الدينية! وهذا قد يكون سر الوصيّة التي تركها إبراهيم منير له، في وقت يمر التنظيم بخلافات ضربت جذوره الداخلية فكاد يتهشم على رأسه.
في الجهة المقابلة، يمكنك أن تتخيل تنظيماً كبيراً بحجم “الإخوان المسلمين” يتولى القيادة فيه رجل لم يكن له أي دور سياسي أو إداري ملموس داخل التنظيم أو خارجه، الرجل فقط يعمل طبيباً للأمراض الجلدية! وهذا يؤكد طبيعة العقلية التي تُحرك الجماعة وقدرتها أيضاً على إدارة نفسها؛ فالجماعة دائماً تنظر إلى العالم من خلال عين ضيقة، وهنا لن يظهر للمرشد الجديد أي إسهام، إلا المزيد من الانقسام والتشظي، هذا على مستوى التنظيم، وإذا كانت قيادة التنظيم غير قادرة على أن تُعطي للتنظيم الذي تتولى شأنه، فما بال عطاؤها للشأن العام؟
المتوقع مع تعيين المرشد الجديد أن يتعمق هذا الانقسام فتصل جذوره إلى داخل الجبهات المتنازعة، وهو ما سينعكس على الجسد الأكبر للجماعة في كل الأقطار التي تتواجد فيها، سواء في منطقة الشرق الأوسط أم في أوروبا وغيرها في باقي القارات، فقد بدأت حالة من التململ في شكل عدد من التساؤلات وقد تتطور إلى تمرد على قيادته للتنظيم الجديد.
القيادة الجديدة للتنظيم لا تتمتع بأي شعبية ولا صدقية لها، فـ”الإخوان” أنفسهم لم يسمعوا عنها أو منها إلا دروساً قد لا تُعطي صاحبها القدرة على مواجهة تحديات التنظيم الداخلية أو الخارجية في الوقت الراهن، وهو ما سينعكس على جبهة الراحل إبراهيم منير وعلى جسد التنظيم بأكمله في الشرق والغرب.
في تقديري أن اختيار صلاح عبد الحق سيهوي بالتنظيم في بئر سحيقة، سيكثر المتحدثون بإسم التنظيم والفاعلون باسم القائم بعمل المرشد، وستتشابك هنا المصالح وتختلط الغايات وتتوه أهداف الجماعة العليا، في هذه اللحظة لن يكون “الإخوان” قادرين على لملمة جراحهم وانقساماتهم حتى ولو خرجت قياداتهم من السجون!
تعيين صلاح عبد الحق جاء وفق وصيّة تركها الراحل إبراهيم منير، وهو ما وافقت عليه الهيئة الإدارية العليا ومجلس الشورى العام، ولعل الشبه ما بين القائم السابق والحالي واضح، فكل منهما كان متهماً في قضية انقلاب عام 1965 مع سيد قطب، وكان يبلغ من العمر وقتها تسعة عشر عاماً.
كما لاقى تعيين عبد الحق قائماً بأعمال مرشد “الإخوان” هوى أجهزة استخبارات أجنبية سعياً إلى أن تظل هذه الأجهزة تُسيطر على التنظيم، فضلاً عن بحث بعضها عن المصلحة السياسية الضيقة والتي قد تحققها هذه التنظيمات مقابل تحقيق أي مكاسب لها.
وهذا أخطر ما في الأمر، فالرجل قدم ولاءات الطاعة لبعض أجهزة الإستخبارات وهو ما لا بد من أن يدفع ضريبته، فكما تم اختطاف التنظيم من الاستخبارات البريطانية في عهد سلفه، فإن التنظيم سيظل مختطفاً ولكن من أجهزة استخبارات عربية وأوروبية!
من أسرار موافقة الهيئة الإدارية العليا ومجلس الشورى داخل التنظيم على تعيين صلاح عبدالحق قائماً بأعمال مرشد “الإخوان”، ونقل مفهوم التعيين وفق الوصيّة إلى الانتخاب، هو أن الصقور داخل التنظيم سيحكمون من خلاله، بل سيستخدمونه واجهة لهم، وهذا دليل وجود تيارات متصارعة داخل كل جبهة من جبهات التنظيم المتناحرة.
هناك دول دفعت في اتجاه إتمام صفقة تعيين صلاح عبدالحق في منصب المرشد، بخاصة أن بعضهم يعتقد أنهم قادرون على محاورته أو استيعابه بعيداً من فريق الصقور داخل التنظيم، هؤلاء تناسوا عن عمد أن فريق الصقور هذا دائماً ما يحكم من خلف الكواليس، لا صوت لهم بينما هم المؤثرون والمحرك الرئيسي للتنظيم، فهم يمتلكون “ريموت” التنظيم، وقادرون على إدارته بشكل إلكتروني.
يمكن اختصار تعريف المرشد الجديد بأنه مجرد أداة في أيدي لاعبين آخرين، لهم مآرب مختلفة، سواء على مستوى خلافات التنظيم الداخلية أم على مستوى التفاهمات الدولية، وبعضهم أغراه المال وأغوته السلطة، وبالتالي يُريد أن يحصل عليهما أو أن يظلا رهينتين في يده.
لقد تآكل الجهاز المناعي للتنظيم وسط الخلافات والاتهامات بالعمالة بين أعضائه وقادته، وربما صراع الجميع على السلطة والمال، ظهر التنظيم المدنس وخاب رجاء الجماعة في رسم صورة ملائكية لأعضائها، فهذا الخلاف أزال ورقة التوت عن سوءة الجماعة وكشفها أمام التاريخ والنّاس، غير أن الجميع ما زال ينظر الى الصورة وقد يظهر اشمئزازه من دون أن يبذل مزيداً من المواجهة في تعرية الجسد المتقيح.
وهنا لا بد من مواجهة تُناسب تحولات الجماعة الجديدة في ظل قيادة طبيب الجلد السبعيني، بحيث يحدث التناغم بين المواجهة الداخلية والخارجية فيكون من ثمارها تفكيك الفكرة المؤسسة للتنظيم الشائخ في العمر.