وزير الخارجية الروسي يبدأ جولة خليجية
السعودية تعيد تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة
في وقت تشهد فيه العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج أزمة ثقة وغموضا في الأفق بعد قرار إدارة الرئيس جو بايدن تعليق بيع الأسلحة للإمارات والسعودية، بدأ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاثنين، جولة للمنطقة تتوافق مع توجه سعودي لإعادة معايرة علاقتها بالولايات المتحدة.
وأضاف مصدر سعودي مطلع: أن “العلاقة المتطورة مع روسيا يمكن أن تشهد أبعادا أوسع وأهم، وأن الإدارة الأميركية الجديدة مزجت بين تحديها للسعودية وإظهار عدم الاهتمام بمخاوف المنطقة. نحن أيضا نعيد تقييم علاقاتنا مع واشنطن”.
وتكمن أهمية جولة لافروف بالنسبة إلى موسكو في سعيها إلى استثمار أخطاء واشنطن دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا، وستكون صواريخ أس – 400 من ضمن الموضوعات التي سيتم بحثها في الرياض التي تحتاج إلى أنظمة متطورة لمواجهة التهديدات الإيرانية.
وتعمل روسيا على الاستفادة من الوضعية الضبابية بين واشنطن وحلفائها التقليديين في الخليج وتعرض بدائل على الرياض، على وجه الخصوص، التي تعيش تحت ضغوط أميركية متعددة بينها الموقف الملتبس لإدارة بايدن من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكذلك الموقف من حرب اليمن.
ووصفت مصادر دبلوماسية خليجية الزيارة بالمهمة سياسيا، وأنه بقطع النظر عن نوايا موسكو ورغبتها في الاستفادة من أخطاء الإدارة الأميركية الجديدة، سيجد الخليجيون في هذه الزيارة فرصة لإظهار أن لديهم بدائل وأصدقاء، وأن وضعهم كدول نفطية غنية يتيح لهم فرصا لتصويب علاقاتهم لتكون أقرب إلى التوازن والتكافؤ وتبادل المصالح مع مختلف الشركاء.
وأضافت المصادر الدبلوماسية أن إدارة بايدن ترتكب الأخطاء نفسها التي وقعت فيها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي دفعت الخليجيين إلى الاتجاه نحو الصين وروسيا والهند وبريطانيا وفرنسا وعقد اتفاقيات كبرى مع هذه الدول. ولفتت إلى أن دول الخليج ليست مجرد زبون هدفه فقط شراء الأسلحة والأنظمة الدفاعية، وهي تمتلك إمكانيات ومزايا اقتصادية كبرى تغري مختلف الدول بالسعي لكسب ودها.
وقال مصدر سياسي خليجي إن “زيارة لافروف ورقة بيد السعودية لتخير إدارة بايدن بين تعديل إستراتيجيتها المستهدفة لطموح الرياض في لعب دور إقليمي، أو خسارة مزايا وفرص اقتصادية واستثمارية كبرى ستذهب إلى روسيا كما ذهبت قبلها إلى الصين”.
وأضاف المصدر، أن “توقيت الزيارة مهم قبل أن تشرع إدارة بايدن في رسم وتنفيذ ملامح إستراتيجيتها الخاصة بالانفتاح على إيران والقبول بنفوذ ميليشياتها في العراق واليمن دون مراعاة مصالح السعودية وأمنها القومي، ودون استشارة الخليجيين حول رؤيتهم لأمن المنطقة”.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أكدت، الأحد، أن لافروف سيزور خلال الفترة بين الثامن والثاني عشر من مارس الجاري كلا من الإمارات حيث سيلتقي ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ووزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد، والسعودية حيث من المقرر أن يجتمع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وقطر حيث سيستقبله أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
وقال بيان وزارة الخارجية الروسية إن لافروف سيعمل على ضبط مفصّل “بشأن الملفات الرئيسية المطروحة على الأجندة العالمية والإقليمية، مع التركيز على ضرورة تسوية النزاعات القائمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر حوار شامل يراعي مصالح ومخاوف جميع الأطراف المنخرطة فيها”.
وتأتي زيارة لافروف إلى السعودية والإمارات وقطر بعد أسبوع من إصدار الولايات المتحدة تقريرا استخباراتيّا اتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه أمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018. وقبل ذلك أوقفت إدارة بايدن بيع أسلحة للسعودية تستخدمها في حرب اليمن. كما عملت على التهدئة مع إيران وفتحت قنوات خلفية مع المتمردين الحوثيين في اليمن، واستمرت في مراقبة استهدافهم لمواقع سعودية وتهديدهم لمنشآت النفط دون اتخاذ خطوات عملية لردعهم مثل ما يستوجبه التحالف الإستراتيجي بين واشنطن والرياض.
ويعتقد خبراء ومحللون أن إدارة بايدن تدفع السعوديين، على وجه الخصوص، إلى البحث عن حلفاء آخرين، لكن دون الابتعاد عن الولايات المتحدة.
واعتبر جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، أنه من المؤكد أن لافروف يريد انتهاز فرصة تجاهل بايدن لزعماء أساسيين في منطقة الشرق الأوسط، وسط توقعات بإعادة تقويم العلاقات مع السعودية.
وأشار دورسي إلى أن تأخر المكالمات الهاتفية لبايدن مع الزعماء الخليجيين يشير إلى أن الولايات المتحدة تقلل من أهمية الشرق الأوسط في إستراتيجيتها العالمية، وهو ما يعني التقليل من التزاماتها الأمنية واحتمال انسحابها من المنطقة.
وتحيي زيارة لافروف إلى المنطقة الجدل بشأن اتفاقيات أمنية ذات بعد إستراتيجي قد تعقدها دول الخليج مع الصين وروسيا. وقد يعرض خطة روسية لإعادة هيكلة البنية الأمنية، إقليميا، من خلال مبادرة لعقد مؤتمر أمني شرق أوسطي على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، واتفاقية عدم اعتداء إقليمية تضمن نجاحها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند.
ولا يزال الوقت مبكرا لمعرفة اتجاهات القيادة السعودية في الرد على برود العلاقة مع واشنطن. ولكن إلى حد الآن تصر الرياض على “أن الشراكة بين المملكة والولايات المتحدة هي شراكة قوية ودائمة” بالرغم من مؤاخذاتها على مواقف الإدارة الأميركية الجديدة، وخاصة ما تعلق بتقرير خاشقجي.
وفي الوقت الحالي تبدو السعودية مصممة على مواجهة الرياح القوية في البيت الأبيض وكذلك في الكونغرس بدلاً من الاتجاه نحو موسكو وبكين لإعادة تنظيم علاقاتها الجيوسياسية والأمنية.
وتسعى الرياض عبر حملات علاقات عامة داخل الولايات المتحدة إلى التأثير في الرأي العام ورجال الأعمال وقيادات الكونغرس، والضغط عن طريق ذلك على الإدارة الجديدة لتصويب علاقتها مع الرياض.
وقال فهد ناظر، المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن، “ندرك أن الأميركيين خارج واشنطن مهتمون بالتطورات في السعودية. والعديد منهم، بما في ذلك مجتمع الأعمال والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات المجتمع المدني المختلفة، حريصون على الحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع المملكة أو تنمية علاقات جديدة”.