أردوغان يختبر تونس
محاولة جديدة في سجل التدخلات الخارجية التركية مع العرب
بعد أن خسر رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان معاركه مع دول مثل مصر والسعودية والإمارات، ووجد نفسه مجبرا على الانحناء لاستعادة ثقة قياداتها، التفت إلى تونس هذه المرة لاستعراض شعاراته ومحاولة إنقاذ حليفته حركة النهضة الإخونجية ورئيسها راشد الغنوشي.
وعاد رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان إلى أسلوبه القديم بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية وإسلامية، وهذه المرة عبر توجيه انتقادات لتونس بشأن حل البرلمان بعداوة للرئيس التونسي قيس سعيد.
رد الرئيس التونسي قيس سعيد على تصريحات أردوغان، كان سريعا بتأكيده “التمسّك برفض التدخل في الشؤون الداخلية لبلادنا بأي شكل من الأشكال”، وذلك بعد لقائه وزير الخارجية عثمان الجرندي.
وكان أردوغان قد وصف قرار الرئيس التونسي القاضي بحل البرلمان الأسبوع الماضي بأنه “تشويه للديمقراطية” وضربة لإرادة الشعب التونسي.
محاولة لإنقاذ الغنوشي
وقالت أوساط سياسية تونسية، أن تصريحات أردوغان تأتي لإنقاذ الغنوشي الذي يعيش وضعا صعبا خاصة بعد إحالته على القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة، والتي أظهرت أن تحديه لقرار تجميد البرلمان لن يمر بسهولة، وأن الدولة لا تزال قوية وقادرة على الوقوف في وجه أي شخص أو جهة محلية أو أجنبية تريد فرض أجندتها عليها.
وأضافت أن تدخل أردوغان لصالح الغنوشي سيزيد من مكاسب قيس سعيد ويجعل بعض المترددين في دعم خياراته ينحازون إليه في مواجهة الأطراف التي تراهن على أن الخارج سيضغط على قيس سعيد ويدفعه إلى مراجعة موقفه من حل البرلمان، أو فتح قنوات تواصل مع الأحزاب التي يحمّلها مسؤولية الأزمات التي عاشتها تونس منذ 2011.
وقال الغنوشي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية الأربعاء “لسنا (الحزب) معزولين في العالم، لنا علاقات بالبرلمانات والاتحاد البرلماني الدولي، ولنا أصدقاء في العالم. نحن على اتصال بكل الجهات التي نتشارك معها في الأهداف وهذه العلاقات في صالح تونس”.
ويرى سياسيون ومحللون أن أردوغان يبحث عن تدخلات تعيد إليه بعض البريق لدى أتباعه من الإخونجية في تونس بعد أن خسر نفوذه وسمعته لدى تنظيم الإخونجية في مناطق أخرى بسبب تقاربه مع مصر وإعادة علاقات بلاده مع إسرائيل وتحمّسه للتعاون معها على المستوى الاستراتيجي.
ردة فعل متأخرة
ويشير هؤلاء إلى أن أردوغان لم ينس لقيس سعيد رفضه منذ استلامه الرئاسة بعد انتخابات 2019 أن يكون ضمن المحور التركي – القطري، وأن يتحرك تحت مظلة أي جهة كانت، وأن تصريحات أردوغان الجديدة ليست أكثر من ردة فعل متأخرة وتعبير عن عجز.
واعتبر أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي أن “الوضع التونسي شأن داخلي، وتصريحات أردوغان تأتي في إطار محور إخواني في المنطقة واستجابة لطلبات حركة النهضة باعتبار أن تونس هي آخر معاقل الإخونجية”.
وتابع المغزاوي، “لاحظنا أيضا صفحات تدعو إلى تدخل الجيش التركي في تونس، وهم الآن يحاولون بكل ما أوتوا من قوة تغيير الوضع، وبعدما جرّبوا التظاهر في الشارع والاستقواء بالخارج (أميركا وفرنسا) صاروا يلعبون الآن الورقة الأخيرة وهي تركيا”.
من جهته قال المحلل السياسي نبيل الرابحي، إن “أردوغان يريد أن يكون حامي الإسلام في المنطقة عبر التدخّل في الشأن الداخلي لتونس، وهو يريد عودة الإخوان إلى الحكم، ويريد إعادة إشعاع الإمبراطورية العثمانية”.
وأضاف الرابحي “هناك محاولات أجنبية للتدخل في تونس، والإخونجية يريدون لعب دور الوكالة خصوصا للولايات المتحدة وفرنسا”.
تصريحات أردوغان
وكان أردوغان قد قال الاثنين إنه يأمل في ألا يكون من شأن التطورات في تونس إلحاق الضرر بجهود البلاد لإقرار الشرعية الديمقراطية أو إخراج العملية الانتخابية في البلاد عن مسارها.
وأضاف أنه يتعين إتمام الانتقال السياسي بمشاركة جميع الأطراف المعنية، ومن بينها البرلمان، وعبر “حوار شامل وهادف”.
وقال أردوغان، “الديمقراطية نظام هو تجسيد للاحترام بين المنتخب والمعين. نرى أن التطورات في تونس تشويه للديمقراطية”.
ومضى قائلا “حل البرلمان الذي يوجد فيه مسؤولون منتخبون مدعاة للقلق على مستقبل تونس وضربة لإرادة شعبها”.
ودعا أردوغان الرئيس التونسي إلى السماح للبرلمان باستئناف أعماله في أغسطس.
وبدوره اشترك رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب في الهجوم على تونس بقوله إن حل البرلمان “خرق صارخ للقانون والمبادئ الديمقراطية”.
وقال شنطوب في بيان الإثنين إن حل البرلمان التونسي وإجراء تحقيقات جنائية بحق رئيسه وبعض النواب والمسؤولين التنفيذيين بسبب إجراءاتهم التشريعية أمر يبعث على القلق إلى أبعد الحدود.
والأربعاء الماضي أقر البرلمان في جلسة افتراضية قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، ومنها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
وبعد ساعات أعلن قيس سعيد حل البرلمان “حفاظا على الدولة ومؤسساتها”، معتبرا أن اجتماع البرلمان وما صدر عنه “محاولة انقلابية فاشلة”.