أردوغان يطمح لابتلاع المتوسط.. فماذا عن طموحات السراج؟
بعد أسبوعين من مذكرة تركية قدّمت إلى الأمم المتحدة، وقّعت أنقرة اتفاقية مع حكومة فايز السراج في ليبيا، أثارت الكثير من الاحتجاجات داخل ليبيا وخارجها.
ما يريده أردوغان من الاتفاقية يوضّحه فحوى المذكرة، التي تتحدث عن حق تركيا بالتمدد في حدودها البحرية شرق البحر المتوسط، في مشروع أطلق عليه أردوغان “الوطن الأزرق”، يزعم فيه أن لتركيا الحق في مناطق بحرية جنوب جزيرة رودس اليونانية، ويتجاهل وجود جزيرة يونانية في جنوب غرب بحر إيجة وهي دوديكانيسي، وجزيرة كريت الكبيرة.
وطالب أردوغان اليونان ومصر وليبيا، بإعادة ترسيم الحدود البحرية في المنطقة غرب جزيرة رودس اليونانية، ممهدا لطلبه بتدريبات عسكرية بحرية، جرت في بحر إيجة والبحر المتوسط في مارس الماضي، مستعرضا قدرات تركيا العسكرية البحرية.
وبالطبع جرت التدريبات تحت اسم “الوطن الأزرق” في رسالة واضحة حول تطلعاته في شرق المتوسط.
وفيما أدانت مصر الاتفاقية واعتبرتها باطلة، لا تلزم ولا تؤثر على مصالح وحقوق أي طرف ثالث، ولا أثر لها على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، اعتبرت اليونان الاتفاقية غير مقبولة، وأنها انتهاك واضح لقانون البحار الدولي.
مجلس النواب الليبي من جهته رأى أن الاتفاقية تهدف إلى تزويد الميليشيات الإرهابية بالسلاح. والأخطر أنها تسمح للجانب التركي باستخدام الأجواء الليبية ودخول المياه الإقليمية دون إذن، وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا وانتهاكا صارخا للأمن والسيادة الليبية.
وحذر المجلس من أن الاتفاقية تمثل تهديدا تركيا للأمن العربي وللأمن والسلم في البحر المتوسط، وهي خطوة ترقى إلى تهمة الخيانة العظمى.
استفزازات أردوغان بدأت في اللحظة التي شرعت فيها تركيا بالتنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، وبالتحديد في مناطق تابعة للجمهورية القبرصية، ما جعلها عرضة لعقوبات من الاتحاد الأوروبي. تلاها نشر موقع الرئاسة التركية الرسمي صورة للرئيس تظهر خلفه خارطة توضح ما تطلق عليه أنقرة “الوطن الأزرق”.
التقطت الصورة، التي أثارت الجدل، في سبتمبر الماضي، ووقّع حينها أردوغان على وثائق كتب عليها “الوطن الأزرق”، حيث تتمدد الحدود البحرية لتركيا لحوالي 462 ألف كيلومتر، لتشمل الجزء الشرقي بكامله من بحر إيجة، وكذلك جزر ليمنوس ولسبوس ورودس وشيوس، وكلها جزر تابعة لليونان.
طموحات أردوغان في التوسع والسيطرة، مستعينا بالغطاء الأيديولوجي، الذي توفره له حركة الإخوان المسلمين، لم تعد خافية على أحد، وهي تكفي لتفسر مصلحته من وراء التوقيع على الاتفاقية.
لكن، ماذا عن طموحات السراج، وماذا يأمل من وراء توقيع الاتفاقية؟
بتدخل من الأمم المتحدة، وضعت ليبيا تحت الفصل السابع (شكلا من أشكال الوصاية)، وجيء بالسراج وحكومته لتنفذ مخطط الإخوان المسلمين، وهي تتحرك بأوامر من أردوغان، الذي يرى في نفسه وصيا شرعيا على الإخوان المسلمين القابضين على زمام الأمور في ليبيا. ويسعى لأن يكون زعيما للمسلمين السنّة، وإحياء الدولة العثمانية.
تلاحم المصير بين الإخوان وحكومة السراج، لا يفسر وحده اختيار هذا الوقت لتوقيع الاتفاقية، التي لم يكشف الطرفان عن بنودها، وإن كانت هناك إشارات مؤكدة إلى أن ما تم توقيعه في إسطنبول هو اتفاقية تتعلق بـ”الدفاع المشترك”، ستكون لها مستقبلا تأثيرات مباشرة في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
“الدفاع المشترك” هي كلمة السر… ما يبحث عنه السراج هو شراء الحماية التركية، بعد أن وجدت رسائل خليفة حفتر آذانا صاغية في باريس وموسكو والقاهرة، ومؤخرا ظهرت مؤشرات على أن واشنطن تصغي هي الأخرى لتلك الرسائل.
ما يرمي إليه السراج من وراء مناورة التوقيع على الاتفاقية مع أردوغان، بشكل فاجأ فيه الجميع، هو الاستفادة، أولا، من علاقة الود التي ظهرت بين موسكو وأنقرة، وثانيا، من الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة.
هذا التوظيف سيضمن للسراج الاستمرار في الحكم، حتى وإن تم ذلك على حساب تقسيم ليبيا وتجزئتها. ويراهن السراج على أن موسكو لن تغضب أنقرة، التي اختارت التقارب معها على حساب واشنطن، لذلك ستسعى للبحث عن حل يرضي الأطراف المتصارعة في ليبيا.
أيضا، وجود اتفاقية دفاع مشترك، بين حكومة السراج وتركيا، سيقلل من شهية واشنطن، إن هي فكرت يوما بتقديم دعم مباشر لقوات حفتر. وبينما يتابع أردوغان سعيه لإحياء حلم الخلافة العثمانية الكبير، يبحث السراج عن تأمين الحماية لنفسه، حتى لو جاءت عن طريق الشيطان.
علي قاسم