أزمة الرئاسات الثلاث تتعمق في تونس
دعوات لاجراء استفتاء شعبي حول نظام الحكم في البلاد
تتراجع فرص الذهاب إلى حوار وطني ينهي الأزمة السياسية في تونس، وزادت حدة أزمة الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان) بعد التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة المدعوم من التحالف الإخونجي هشام المشيشي، ورفض الرئيس التونسي قيس سعيد التعديل لأسباب دستورية وشبهات الفساد على بعض الوزراء.
وفي ضوء التطورات الأخيرة التي تخللها تصعيدا لافتا بين الرئيس قيس سعيد والمشيشي تعددت المبادرات الرامية لاخراج البلاد من المأزق السياسي وصراع الإرادات.
فقد دعا رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل أحمد نجيب الشابي إلى ضرورة إعادة “الكلمة إلى الشعب” عبر اجراء استفتاء حول نظام الحكم الحالي الذي هو نظام شبه برلماني لطالما كان في قفص الاتهام من جل الأوساط السياسية في تونس.
وقال الشابي في تصريح صحافي: إن “النظام السياسي قام مباشرة بعد الثورة وأنتج خلافات مزمنة، في عهد منصف المرزوقي (خلال فترة الترويكا) رأينا خلافا بينه وبين رئيس الحكومة آنذاك حمادي الجبالي، وفي عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي رأينا خلافا بينه وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والآن الخلاف بين سعيد والمشيشي. النظام السياسي يشكل معضلة مزمنة والآن وصلت هذه المعضلة إلى مراحل متقدمة”.
ولم يتردد الشابي في القول إن حركة النهضة الإخونجية التي تقود الحزام السياسي والبرلماني الداعم للمشيشي تتشبث بنظام الحكم الحالي لأنه يخدم مصالحها.
وأشار إلى أن “هناك مطالبات برحيل البرلمان ومطالبات أخرى برحيل الطبقة السياسية برمتها. ضروري أن نمضي في استفتاء لنعرف الشعب التونسي ماذا يريد بالضبط؛ لا يريد نظام الحكم الحالي، هناك إذًا نظامان للحكم واحد برلماني يدعو إليه (راشد) الغنوشي (رئيس البرلمان وحركة النهضة) ونظام رئاسي ديمقراطي وأنا من بين الداعين إليه”.
وتابع الشابي، “الترويكا وحركة النهضة اللتان صاغتا الدستور نقلتا كل الصلاحيات من قرطاج (قصر قرطاج الرئاسي) إلى القصبة (مقر الحكومة) لأنهما تدركان أنه في الانتخابات لا يمكنهما النجاح لأن ذلك يقتضي الحصول على 50 في المئة من الناخبين زائد واحد، النهضة تدرك أنه بإمكانها في المقابل الفوز في الانتخابات التشريعية وبالتالي تشكيل حكومة وتصبح السلطات بيدها، النهضة تتمسك بهذا النظام لأنه يمنحها السيطرة على الحكم”.
ويعتقد المراقبون والخبراء أن هذا النظام قد يولد أزمات جديدة في أفق الانتخابات المقبلة رغم حالة شبه الإجماع لدى الأطراف الفاعلة على ضرورة تغيير القانون الانتخابي أولا ثم الذهاب إلى انتخابات تفرز غالبية بإمكانها تغيير نظام الحكم.
حركة النهضة الإخونجية أحد أبرز الأطراف، تتمسك بالإبقاء على نظام الحكم الحالي حتى أن رئيسها راشد الغنوشي طالب في وقت سابق بضرورة تدعيمه ليصبح برلمانيا تاما رغم المخاوف من الصدام بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة والتي لم تنجح تجارب الحكم الأخيرة في تبديدها بل عززتها.
بدوره، دعا أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، الثلاثاء، إلى ضرورة تغيير نظام الحكم الحالي في تونس قائلا في تصريح لموقع “حقائق أون لاين” المحلي إن “النظام السياسي الحالي مشوه ومعطل، بعض الأطراف تستغل ذلك لأجندات سياسية”.
وشدد محفوظ على ضرورة “التحلي بالحكمة والعقلانية بعيدا عن المزايدات، وذلك من خلال إحداث لجنة تضم مختصين وتنظر في مسألة تعديل الدستور خاصة في مجال العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وداخل السلطة التنفيذية“.
ويرى مراقبون أنه من أجل تغيير نظام الحكم الحالي لا يمكن إلا المضيّ في حوار وطني يتفق فيه الفرقاء على أولويات المرحلة المقبلة، ويتم فيه فض الخلافات لضمان عدم تعطل سير دواليب الدولة التي تعرف أصلا أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
وتسود المخاوف من أن إجراء انتخابات مبكرة دون تغيير نظام الحكم والقانون الانتخابي سيؤدي حتما إلى استعادة نفس المشهد وهو ما يرحّل الأزمة لا غير.
وقال الصحافي والمحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن “النظام السياسي الحالي هو نظام إنتاج أزمات (…)، من الضروري الذهاب إلى حوار وطني في أقرب وقت والاتفاق على خارطة طريق تُفضي إلى تغيير القانون الانتخابي ونظام الحكم”.
وأضاف العبيدي أنه “مهما كانت الأسماء التي ستفرزها الانتخابات المقبلة فإنه في ظل هذا النظام سنجد نفس الأزمات التي تعرفها تونس اليوم، ستكون حكومة جديدة ورئيسها واجهة للصراع بين الأحزاب والرئيس”.
وتعيش تونس على وقع أزمة فجرها التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه المشيشي ووضعه في “معركة لي ذراع” مع الرئيس قيس سعيد وسط تحذيرات من انتقال المواجهة إلى الشارع بعد تلويح أحزاب النهضة والدستوري الحر بالنزول إلى الشارع.
وفي المحصلة بعد أن تمت تجربته طيلة السنوات الماضية بات يُنظر إلى نظام الحكم في تونس على أنه نظام يشرعن “الفوضى المتواصلة” حيث تشتت الصلاحيات والمعارك التي لا تنتهي بين رؤوس السلطة.
واستنتج أمين محفوظ أن “النظام السياسي الحالي يمكن اختزال طبيعته في: أنا لا أحكم، أنت لا تحكم، ولا نترك من يحكم“.