أزمة اللاجئين الأوكرانيين تلقي بأسئلة التمييز والعنصرية في وجه قادة البلدان الأوروبية
أثارت قضية اللاجئين الأوكرانيين تعاطفاً كبيراً في أوساط المجتمعات الأوروبية، وقد أعلنت بلدان الاتحاد الأوروبي عن مجموعة تسهيلات واسعة لمساعدة اللاجئين في المراكز التي خصصتها لخدمتهم واستقبالهم وتوفير السكن ومنح الإقامات غير المشروطة.
وبقدر التعاطف الأوروبي الكبير مع اللاجئين الأوكرانيين ، أثيرت عاصفة من التساؤلات عن حقيقة موقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه قضايا اللجوء، والتعامل بعنصرية وازدواجية كبيرتين مع حالات مشابهة، خصوصاً من موجات الهجرة التي تلت الحرب على العراق، والناتجة عن الصراع في سوريا، والحروب المتواصلة في أفغانستان، كذلك الصراعات الممتدة في العديد من البلدان الأخرى، حيث لا يزال مئات اللاجئين من الجنسيات الأخرى، كأفغانستان والعراق وسوريا، وغيرها يعانون منذ سنوات طوال.
ليست أوكرانيا وحدها
وكانت العضوة في البرلمان الأوروبي، كلير دالي، قد قدمت خطابا لاذعا، الثلاثاء، انتقدت فيه “التجاهل العالمي” لأزمة اللاجئين في أفغانستان.
وقالت: “لا شك في أننا نعيش في أزمة كارثية، حيث تتم التضحية بأرواح المدنيين الأبرياء في حروب أسيادهم”.
وشددت دالي على أن أوكرانيا تعيش أزمة بالفعل، “لكنها ليست وحدها”، مضيفة: “منذ الجلسة العامة الأخيرة، أُجبر عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان على الفرار بحثا عن الطعام والأمان.. هناك 5 ملايين طفل يواجهون المجاعة، والموت المؤلم”.
ونوهت دالي في خطابها المشحون بالغضب، إلى أن هناك “زيادة قدرها 500 في المئة في زواج الأطفال بأفغانستان”، مضيفة أنه “يتم بيع الأطفال فقط حتى يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة”.
مآسي الأفغان
واستطردت في انتقادها لضعف التغطية الإعلامية والاهتمام العالمي بمآسي الأفغان، قائلة: “لا تغطية تلفزيونية.. ولا استجابة إنسانية طارئة، ولا جلسات مخصصة، ولا حتى ذكر في هذه الجلسة العامة، ولا وفود أفغانية ولا بيانات”.
وتابعت: “يا إلهي، لابد أنهم يتساءلون ما الذي يجعل أزمتهم الإنسانية (الأفغان) غير مهمة، هل هو لون بشرتهم؟ هل لأنهم ليسوا من البيض؟ أم لأنهم ليسوا أوروبيين؟ أو لأن مشاكلهم تأتي من سلاح أميركي أو غزو أميركي؟”
ووجهت العضوة في البرلمان الأوروبي انتقادا مباشرا للرئيس الأميركي جو بايدن، بالقول: “هل لأن قرار نهب ثروات بلادهم اتخذه رئيس أميركي مستبد وليس رئيس روسي؟”
واختتمت حديثها بالقول: “يا إلهي، كل الحروب شريرة.. وكل الضحايا يستحقون الدعم.. وحتى نصل إلى تلك الصفحة، فإننا لا نملك مصداقية على الإطلاق”.
العنصرية
يأتي ذلك الخطاب في الوقت الذي شهدت فيه وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم، حملات غاضبة تهاجم ما وصف بأنه “تفرقة عنصرية” في التغطية الإعلامية للأحداث في أوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بأزمة اللاجئين.
وظهر العديد من المحللين والصحفيين في وسائل إعلام غربية، وهم يؤكدون ضرورة مساعدة لاجئي أوكرانيا، لأنهم “من البيض ومن أصحاب العيون الزرقاء”، في إشارة إلى أنهم “قريبون” من المواطن الأوروبي، وبالتالي فإن “المساعدة ضرورية”.
ووصل الأمر في عدد من التغطيات الإعلامية، إلى المقارنة بشكل مباشر بين اللاجئين، بناء على جنسيتهم، بالقول إنه “يجب مساعدة الأوكراني، فهو ليس كالعراقي أو الأفغاني”.
العراقيون والسوريون والليبيون
وتعليقا على “تعامل” الدول الأوروبية مع اللاجئين الأوكرانيين، مقارنة بأزمات اللجوء القادمة من دول أخرى، اعتبر الصحفي والخبير بملف الهجرة، نزار الجليدي، أن أوروبا “وقعت في فخ كبير” خلال الأحداث الأخيرة في أوكرانيا.
وقال “أوروبا التي تروج لنفسها على أنها حقوقية جدا، سقطت في فخ كبير خلال الأزمة الأوكرانية، إذ كشفت عن تباين بالمواقف فيما يتعلق بجنسية اللاجئ. لقد تناست اللاجئ العراقي أو السوري أو الليبي”.
وتابع: “يبدو وكأن الحكومات الأوروبية أيدت التصريحات التي سمعناها في وسائل الإعلام الغربية، التي تقول إن اللاجئ الأوكراني يجب أن يحظى بالاهتمام بسبب لون بشرته أو عيونه الزرقاء. فنحن نرى اليوم العلم الأوكراني يرفرف على المؤسسات الفرنسية، ويتم تسهيل معاملات اللاجئ الأوكراني بصورة لم نرها فيما يتعلق باللاجئين من جنسيات أخرى”.
فرنسا نموذجاً
وضرب الجليدي مثالا بـ”الطوابير الممتدة للاجئين السوريين في ألمانيا وفرنسا”، قائلا: “هناك طلبات لجوء لسوريين وعراقيين لا تزال معلقة منذ 3 سنوات، ليتمكنوا من إتمام أوراقهم والحصول على اللجوء رسميا، مما يسهل عليهم حياتهم ويمنحهم فرص للعمل، بينما ترى المعاملات المتعلقة باللاجئ الأوكراني تتم بكل سلاسة”.
وأضاف: “يوجد على الحدود البريطانية الفرنسية عراقيون ينتظرون منذ نحو سنة ونصف، أملا في الحصول على اللجوء، بينما نرى الأوكراني يحصل على صفة اللاجئ بكل سلاسة”.
المساعدات المادية
كما تطرق الجليدي إلى المساعدات المادية التي يتم منحها للاجئين في أوروبا، موضحا أن اللاجئ الأوكراني يحصل على 800 يورو، بينما لا ينال اللاجئ السوري سوى 400 يورو، يتم الحصول عليها بصورة شهرية، بدءا من دخولهم الدولة الأوروبية.
وأشار الخبير بملف الهجرة، إلى أنه “حتى أماكن السكن المخصصة للاجئين في فرنسا، تتفاوت بشكل كبير جدا، بناء على جنسيتهم”.
وقال: “تم تخصيص أماكن سكن للاجئين الأوكرانيين بالقرب من قصر فرساي الشهير، في منطقة من أرقى المناطق الفرنسية، بينما يتم وضع اللاجئ السوري أو العراقي في مساكن بالدائرة 18 أو الدائرة 93، وهي مناطق يرتفع فيها مستوى العنف وتنتشر فيها المخدرات، وتضم أكبر تجمعات للأجانب”.
ولدى سؤاله عن “الطريقة الأمثل” لمساعدة الأوكرانيين وغيرهم من اللاجئين على حد سواء في أوروبا، قال الجليدي: “لا بد من تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على الجميع. على أوروبا أن تكون حيادية. نعم هناك أزمة لجوء في أوكرانيا، لكن الآخرين بشر أيضا ويعانون من نفس الأزمة”.
موقف الحكومات
من جانبه، زعم عضو مجلس أمناء الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني، رئيس منظمة “إنسانية بلا حدود” الألمانية، مصطفى العمار، أن الآراء التي ضجت بها وسائل إعلام غربية بشأن مساعدة اللاجئين الأوكرانيين دون غيرهم، بناء على لون بشرتهم وعيونهم، تعبر عن “آراء فردية، ولا علاقة لها بالحكومات الأوروبية”.
وأضاف العمار، “في ألمانيا نتعامل بإنسانية مع أزمة اللاجئين، وشهدنا هذا بوضوح في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، وعادة ألمانيا تتحمل وحدها المسؤولية في بداية مثل هذه الأزمات”.
وشدد العمار على أن “أوروبا تحارب النعرات العنصرية”، معتبرا أنه “كما هو الحال في أي مكان في العالم، هناك الجيد وهناك السيء، والعنصرية تبقى ممثلة بأشخاص بعينهم في كل مكان، لكن بشكل عام الأمثلة التي تؤكد دعم أوروبا للاجئين كثيرة، فعلى سبيل المثال في 2015 تم استقبال اللاجئين السوريين في محطات القطارات بأوروبا، بالورود”.
ودعا العمار في ختام حديثه، إلى أهمية أن يبادر اللاجئون القادمون من أوكرانيا “سواء كانوا من أوكرانيا أو من جنسيات أخرى”، بتسجيل أنفسهم فور دخولهم لألمانيا أو غيرها من الدول الأوروبية، مؤكدا استعداد المنظمات الإنسانية إلى “”دعمهم دون أية تفرقة”.