أزمة روسيا مع الغرب تحمل خلافات السعودية والإمارات مع واشنطن إلى السطح
كشفت انتقادات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإدارة الرئيس جو بايدن المتعلقة بالضغوط الأميركية ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، على مستوى العلاقة المتوترة بين الطرفين، فيما وصف سفير الإمارات بواشنطن يوسف العتيبة علاقة بلاده بالولايات المتحدة بأنها تمر بمرحلة اختبار وإجهاد، وذلك في خضم الجدل حول ابتعاد أبو ظبي عن واشنطن واقترابها من موسكو بعد التصويت الأخير ضد مشروع قرار أميركي يدين روسيا حول الحرب في أوكرانيا.
ببساطة لا يهتم
ورغم الهدوء الذي طبع مقابلة ولي العهد السعودي مع مجلة “ذي أتلانتيك” الخميس، إلا أنه كان واضحا جدا بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة، حيث قال إنه “ببساطة لا يهتم”، إذا كان الرئيس الأميركي يسيء فهمه، في إشارة إلى عدم تواصل بايدن معه بالرغم من مضي أكثر من عام على تولي الإدارة الجديدة لمهامها في البيت الأبيض.
كما أرسل الأمير محمد بن سلمان إشارة واضحة على أن بلاده لن تقبل الضغوط الأميركية بشأن مسائل داخلية في المملكة أو لتحديد شكل علاقاتها الخارجية، حيث قال إن “ممارسة الضغوط لم تجد نفعا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعا”.
ولي العهد السعودي لوّح بخفض الاستثمارات في أميركا، وإلى وجود “فرص كبيرة لخفض” المصالح الأميركية مع بلاده، معتبرا أن الأمر يرجع إلى بايدن “في التفكير في مصالح أميركا”.
ويقول متابعون للعلاقة بين السعودية والولايات المتحدة إن الأمير محمد بن سلمان يعلق بهذا الكلام على ما يروّج من تحاليل تذهب إلى أن السعودية تبحث عن بدائل للحظوة التي كان يتمتع بها الأميركيون في المملكة، وأن تخلّي واشنطن عن التزاماتها يعفي الرياض من أيّ التزام ويجعلها تتجه إلى شراكات جديدة، وأن ليس من دور ولي العهد التفكير في مصالح واشنطن فالأولى أن يفكر فيها بايدن.
ويشير المتابعون إلى أن ولي العهد السعودي يقيم في مقابلته الحجة على إدارة بايدن حين يقول إن “السعودية ليست دولة صغيرة، فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموًّا في العالم (…) وإذا أردت تفويتها، فهناك أشخاص آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدهم، أنا لا أستطيع فهم ذلك”.
المصالح
ومن الواضح أن الأمير محمد بن سلمان يقول لبايدن بكل وضوح إذا اخترت مصالحك بعيدا عن السعودية (الاتفاق مع إيران، نقل الدفاعات إلى شرق آسيا، منع الأسلحة)، فليس من حقك أن تملي علينا من نريد أن نتعامل معه.
ومثلما أن مواقف إيران المهددة للخليج لا تزعج الأميركيين ولا تمنعهم من الاستمرار في التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني والتقدم نحو التوصل إلى حل لا يشير من قريب أو بعيد إلى تهديدات هذا البرنامج على المستوى الإقليمي، فإن المصالح هي من تحدد الموقف الخارجي للسعودية وليس حسابات إدارة بايدن وتقديراتها.
مرحلة اختبار
وبالتوازي مع حديث ولي العهد السعودي الصريح والواضح تجاه الأميركيين اختار سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة أن يناقش مستوى العلاقة التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة بشكل علني ويقول إن هذه العلاقة تمر بمرحلة اختبار وإجهاد، في خطوة قال مراقبون إن الهدف منها نقل النقاش الذي يتم على الهامش وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل إلى الواجهة وتحويله إلى نقاش دبلوماسي باحث عن تصويب هذه العلاقة بشكل ثنائي.
وقال مراقبون إن العتيبة، الذي يعرف جيدا طريقة التفكير الرسمي الأميركية، والتي لا تعتمد في الغالب توجيه الرسائل عبر القنوات الرسمية وتترك المهمة للتسريبات والتأويلات الإعلامية، أراد أن يجر المسؤولين الأميركيين للحديث في هذا الموضوع ومناقشة أسباب البرود الذي وصلت إليه العلاقات الثنائية ومن المتسبب في ذلك، وهو ما من شأنه أن ينقل الضغوط إلى الطرف الأميركي وتحميله المسؤولية في وقت توجه وسائل إعلام أميركية سهام نقدها للإمارات بعد امتناعها عن التصويت لفائدة قرار أميركي يدين روسيا.
وأشار المراقبون إلى أن كلام العتيبة مهم لإظهار الموقف الإماراتي في هذه الظرفية بالذات، فهو شخصية معروفة في واشنطن وكلامه سينظر إليه على أنه معبّر إلى حد ما عن الموقف الرسمي والشعبي، وإن كان لم يصدر في بيان عن وزارة الخارجية.
والهدف من تصريحات العتيبة هو تفسير موقف بلاده من التغييرات في العلاقة الثنائية مع واشنطن، فالإمارات ليست هي من تغيّرت أو فضلت تحالفات جديدة، وإنّ ما حصل مرتبط بالموقف الأميركي السلبي تجاه الإمارات والخليج ككل، خاصة بعد موقف الولايات المتحدة بنقل جزء كبير من قواتها وعتادها إلى آسيا دون قراءة حساب لأمن الخليج ودوله.
الهجمات الحوثية
كما زاد تعامل الولايات المتحدة مع الهجمات الحوثية التي استهدفت مواقع في العاصمة الإماراتية أبوظبي وقبلها مواقع النفط في السعودية من الشكوك الخليجية تجاه التزام واشنطن بأمن الخليج، ويندرج هذا الالتزام ضمن الشراكة الاستراتيجية بأبعادها المختلفة الدفاعية والاقتصادية والدبلوماسية، وحين تتراجع هذه الشراكة أو يتم إغفال جانب منها، فإن دول الخليج تفعل بالمثل.
وضمن هذا المسار يمكن فهم موقف الإمارات في مجلس الأمن حين امتنعت عن التصويت لفائدة مشروع قرار أميركي لإدانة روسيا، فهو رد بشكل من الأشكال على عدم التزام الولايات المتحدة بدعم الموقف الخليجي من إيران والوقوف ضد تهديدات أذرعها في المنطقة.
محل تساؤل
وقال العتيبة خلال مؤتمر حول صناعة الدفاع والتكنولوجيا والأمن في أبو ظبي “علاقتنا مع الولايات المتحدة مثل أيّ علاقة أخرى. في أيام (…) تكون علاقة صحية، وفي أيام تكون محل تساؤل”.
وأضاف في اليوم الثاني للمؤتمر “اليوم، نمرّ بمرحلة اختبار جهد، لكنني واثق من أننا سنخرج منها وسنكون في موقع أفضل”.
ويقول محللون سياسيون إن الإمارات تريد من خلال هذا الموقف التأكيد على أنها ما تزال حليفة للولايات المتحدة، وحريصة على تعميق هذا التحالف، ولكن الموضوع بيد إدارة الرئيس جو بايدن التي تحتاج إلى أن تنظر إلى الأمر من بوابة بناء علاقة مصالح متبادلة، وتغيير أداء الدبلوماسية الأميركية وتطويره ليتماشى مع التطورات.
ويشير المحللون إلى أن من بين التطورات التي على الدبلوماسية الأميركية أن تدركها أن الإمارات تغيرت بشكل جذري وأنها باتت قبلة للباحثين عن الشراكة متعددة الأوجه دفاعية واقتصادية وتجارية لمنافسي الولايات المتحدة ومن بينهم روسيا والصين، وأن الحل يكمن في التعاون المتكافئ الذي يراعي مصالح الجميع بمختلف مستوياتها.
وقال العتيبة مذكرا الأميركيين بهذا التطور النوعي “أعتقد أنّه من العدل أن نقول أنه قبل 10 أو 20 عاما، كان يُنظر إلى الإمارات على أنها مشتر تقليدي للتكنولوجيا المتقدمة. اليوم (…) أعتقد أنّ هذا الأمر تغيّر. لم نعد مهتمين فقط بالشراء، نحن مهتمون بالشراكة”.
وأضاف أن الإمارات منفتحة على القيام بأنشطة أعمال دفاعية مع جميع الشركات والدول، لكنها تسعى أيضا لتطوير صناعة دفاعية أساسية لتصبح أكثر اكتفاء ذاتيا.