أسرار اختفاء 75 مليار دولار من البنك المركزي التركي
جان تيومان
لم يكن احتقان التدهور الاقتصادي في تركيا، الذي بلغ ذروته في الأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت بالبلاد في عام 2018، سوى ذروة تعود جذورها إلى انحدار الاستقرار السياسي، الذي تفجّرت بوادره منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2013.
ففي مايو 2013، قبيل بدء الاحتجاجات في حديقة غيزي في إسطنبول، بلغ إجمالي احتياطيات العملات الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي التركي 135 مليار دولار.
وشكّلت الأموال المودعة من قبل المواطنين الأتراك نحو 20 في المئة فقط من إجمالي ذلك المبلغ، ما يعني أن حصة الاحتياطيات التي تم اقتراضها فعليا من المواطنين كانت منخفضة للغاية.
في الأيام الماضية أعلن البنك المركزي أن إجمالي احتياطياته من العملات الأجنبية سوف يرتفع بمقدار 2.9 مليار دولار من خلال زيادة متطلبات الاحتياطات الإلزامية على الودائع، ليصل إجمالي الاحتياطيات إلى نحو 108 مليارات دولار.
ويعني ذلك أن نصف هذه الاحتياطيات الإجمالية سوف يأتي الآن من حسابات إيداع العملات الأجنبية للمواطنين.
وإذا أضفنا نحو 22 مليار دولار من مقايضات العملات المتداولة التي يحتفظ بها البنك المركزي التركي (والتي لم تكن موجودة في عام 2013) إلى ودائع العملات الأجنبية، فإننا سوف نجد أن حوالي 75 مليار دولار، أي ما يعادل 70 في المئة من إجمالي الاحتياطيات، تأتي الآن من موارد غير حكومية.
لذلك، نرى أن احتياطيات العملات الأجنبية في تركيا لم تنخفض فحسب، بل ارتفع حجم الاقتراض المستخدم لتمويل تلك الاحتياطيات بشكل كبير.
وينبغي هنا أن نتساءل عمّا تقوله لنا هذه الأرقام؟
أولا، لا بد أن نشير إلى أن احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية هي المصدر النهائي للنقد، وأن البنك المركزي هو الصراف. ولذلك فإن خسارة 75 مليار دولار من العملة الصعبة في غضون ست سنوات تدلّ على أن البلاد قد أخذت الأموال من جيوب مواطنيها من أجل دعم مواردها المالية.
ثانياً، أدّت عدة تطورات مهمة إلى هذا التردي في جودة الاحتياطيات. وتشمل هذه التطورات الهجرة من تركيا وسحب الأجانب لاستثماراتهم من البلاد وإغلاق عدد من الشركات المهمة.
كل هذه التداعيات ناتجة عن الاضطرابات السياسية التي مرّت بها تركيا في السنوات الأخيرة، والتي ترتبط بظهور مشاكل أخرى مثل التضخم والبطالة.
كما أن انخفاض احتياطيات البنك المركزي التركي والتغيير في تركيبتها جاء أيضا بعد أن أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) أنه سيخفض كمية الدولارات المتداولة في السوق.
لكن ذلك القرار لم يسفر عن تدهور الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي أو أيّ من البنوك المركزية الكبرى الأخرى مثلما حدث في تركيا. بل كانت هناك حتى زيادات في حجم العملات الأجنبية التي تحتفظ بها بنوك مركزية عديدة في جميع أنحاء العالم.
يوضح ذلك لنا أن التطوّرات الدولية ليست هي سبب انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التركي. ونظراً إلى أنّ مصدر المشاكل ليس خارجياً، فإنه لا بد أن يكون محليّا.
ويعني ذلك أن التوترات السياسية وتدهور سيادة القانون وانهيار الديمقراطية في تركيا، كلّفت البلاد ثمنا باهظا. وما يفاقم تداعيات ذلك ويجعله محنة أكبر، هو أن التكاليف الباهظة بالعملة الصعبة أيضا.