أمير قطر في تونس
قطريون حاصلون على إقامات طويلة في تونس يعملون عن قرب على ملفات إقليمية
ترسل زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تونس الاثنين والثلاثاء إشارات قوية على أن الدوحة لا تريد خسارة تونس التي تعتبر بمثابة منصة قطرية لإدارة الملف الأمني في ليبيا وبناء قاعدة نفوذ الإخوان في شمال أفريقيا، وأنها لأجل ذلك كله ستعمل على بناء علاقة ثقة مع الرئيس التونسي قيس سعيّد بالرغم من ارتباك علاقته بحركة النهضة الإخونجية في الأيام الأخيرة بسبب الصراع على الصلاحيات.
وقالت مصادر تونسية مطّلعة إن أمير قطر قد يعلن خلال زيارته عن وعود بمشاريع قطرية جديدة ووعود بضخ أموال في تونس وإظهار أنها خطوة لدعم الرئيس سعيّد، الذي يحتاج إلى جذب أموال واستثمارات خارجية لتثبيت شعبيته وتحقيق وعوده الانتخابية، لافتة إلى أن الدوحة تعمل على إظهار أنها تفصل علاقتها الخاصة بحركة النهضة الإخونجية عن رغبتها في بناء علاقة ود مع الرئيس سعيّد في إعادة لتجربتها مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
وتعرف قطر أن الملف الأمني الداخلي والإقليمي يمرّ عبر الرئيس، ولذلك توجهت إليه مباشرة لكسب وده، أو على الأقل معرفة مواقفه ومزاجه في الملفات الإقليمية التي تهم الدوحة.
ويستبعد المتابعون للشأن التونسي أن يثير الشيخ تميم موضوع حركة النهضة لدى قيس سعيّد، خصوصا أن لا أحد يعرف كيف سيرد الرئيس على هذا التدخل، بعد التوتر الحاصل بينه وبين رئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي. ولهذا ستنأى الدوحة بنفسها عن هذا الخلاف وإن كانت الزيارة توحي بأن القطريين يريدون إزالة البرود بين سعيّد والغنوشي لتسهيل أجندتهم.
وأشارت المصادر إلى أن تونس هي البلد الذي لا تستطيع قطر أن تخسره لكونه الساحة الخلفية لموضوع ليبيا. وفي الوقت الذي استلمت فيه تركيا الملف بشكل علني عن طريق التدخل العسكري المباشر وجلب المرتزقة، تلعب قطر على واجهة استقطاب الميليشيات والتمويل وبناء الخطط من خلال لقاءات واتفاقيات في تونس، التي تعيش رخاوة أمنية ناجمة عن الصراع السياسي وتأخر تشكيل الحكومة، فضلا عن اختراق المؤسسات الحيوية.
وكشفت المصادر السابقة أن هناك أعدادا متزايدة من القطريين تنتشر في الفنادق التونسية بإقامات طويلة توحي بأنهم يعملون عن قرب على ملفات إقليمية من دون التورّط بالعمل داخل تونس لكي لا يستفزوا الأمن التونسي وأن الموضوع الداخلي التونسي متروك للصديق النهضوي.
وقالت الرئاسة التونسية على صفحتها في فيسبوك إنه بدعوة من رئيس الجمهورية سيؤدي أمير قطر زيارة رسمية إلى تونس يومي الـ24 والـ25 من فبراير 2020 على رأس وفد رفيع المستوى يضم بالخصوص نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، ووزير المالية.
وأضافت أن “هذه الزيارة تجسيد للرغبة المشتركة في مزيد دفع العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين”.
ويتضمن برنامج الزيارة لقاء بين الرئيسين، تليه جلسة عمل موسعة بين وفدي البلدين يتم خلالها بحث علاقات التعاون و”سبل دعمها وتثمينها في المجالات ذات الأولوية”.
وهذه هي الزيارة الثانية لرئيس دولة إلى تونس منذ انتخاب سعيّد رئيسا للبلاد في أكتوبر الماضي وقد سبقتها زيارة خاطفة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس نهاية ديسمبر 2019 تمحورت حول الوضع في ليبيا.
ويرى مراقبون أن المحور التركي القطري يحاول الحفاظ على تونس نقطة انطلاق لتنفيذ أجندته بالرغم من أن الرئيس التونسي الجديد لم يخف رغبته في بناء علاقات متوازنة مع الجميع، خاصة بعد استقباله لوزيري خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والسعودية الأمير فيصل بن فرحان. وقد قوبلت الزيارتان بهجمة إخونجية واسعة في محاولة لمنع خروج تونس من الحلف الذي عملت حركة النهضة التونسية على فرضه على الدبلوماسية التونسية ما بعد 2011 في تناقض مع روح دبلوماسية تونسية عرفت بالاعتدال والبقاء خارج الأحلاف.
ويعتقد المراقبون أن الرئيس التونسي لا يمكن أن يكرّر تجربة المرزوقي في إطلاق يد الدوحة بالبلاد وفتح الأبواب أمامها لتخريب علاقات تونس مع دول مهمة لتونس سواء ما تعلق بليبيا أو دول الخليج ومصر وسوريا.
ولفت هؤلاء إلى أن سعيّد أبدى من خلال زيارته إلى الجزائر والتصريحات التي أطلقها لاحقا، رغبة في دفع الحل السياسي من بوابة مبادرة دول الجوار، أي الجزائر ومصر، وهو موقف يحمل رسالة واضحة على أن تونس ترفض التدخلات الخارجية في ليبيا، وأنها تضع نفسها خارج الأحلاف، وبصفة أوضح، تريد أن تخرج من وضع التموقع الذي فرضته حركة النهضة على تونس بارتباطها بحلف قطر وتركيا.
وأشاروا إلى أن قطر، الباحثة عن ود قيس سعيّد، تتخوف من أن تتحول شخصيته القوية إلى عامل مقلق لأجندتها الخفية في تونس، التي تقوم على بناء شبكة نفوذ مالي واتصالي تتولاه الجمعيات الخيرية التي باتت تتحرك بحرية كبيرة في ظل الأزمة السياسية وسيطرة النهضة على مواقع الرقابة في الدولة.