إثيوبيا عالقة بين خياري المصالحة والتصعيد
منذ ديسمبر الماضي، بدأت السلطات الإثيوبية في أديس أبابا الحديث عن طي مرحلة الصراع، وفتح صفحة المصالحة، و أعلنت الحكومة الإثيوبية، الجمعة، أنها ستفتح حواراً مع شخصيات من المعارضة السياسية، مشيرة في بيان صادر عن مكتب الاتصال الحكومي أن “الحوار هو مفتاح السلام الدائم.. والرحمة من الواجبات الأخلاقية للمنتصر”.
وأفرجت السلطات الإثيوبية عن مجموعة من المعتقلين السياسيين الذين تم سجنهم خلال الفترة الماضية في ظل التصعيد بين الحكومة من جانب وجبهة تيغراي وأحزاب سياسية معارضة من جانب آخر.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن “قرار الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين جاء من أجل ضمان استمرار انتصاراتنا، وجعل إثيوبيا تمضي في طريق السلام”، مضيفاً بحسب ما نقلته شبكة “فانا” الإثيوبية: “نحن لا نريد الانتصار فحسب بل العفو والمصالحة أيضاً”.
وعلى الرغم من اعلان الحكومة الإثيوبية، بالتوجه نحو المصالحة الوطنية، لحل الأزمة السياسية في البلاد وإنهاء الصراع في إقليم تيغراي، إلا أنَّ بوادر تصعيد المواجهات لا تزال قائمة، الأمر الذي يهدد بتصاعد الصراع من جديد.
الحكومة بحاجة إلى إيقاف الحرب
وقال الباحث الإثيوبي موسى شيخو، إن الحرب أنهكت الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، كما أنهكتهما أيضاً الخسائر البشرية والمادية الهائلة”، لافتاً إلى أنَّ الحكومة في حاجة إلى إيقاف الحرب في إقليم تيغراي لاعتبارات كثيرة منها “تخفيف الضغط الدولي، وتخفيف المعاناة الإنسانية، والحد من تضرر الاقتصاد، ومنع امتداد الأزمة إلى باقي مناطق إثيوبيا”.
وأشار إلى أن جبهة تحرير تيغراي “خسرت أيضاً كثيراً من رجالها، وأعيد إقليم تيغراي الذي كان يعتبر الأغنى، والمتطور من بين مناطق إثيوبيا، إلى المربع الأول، من جهة هدم مرافقه الأساسية، وضرب اقتصاده، ونزوح المدنيين، وكذلك هناك إريتريا التي تضغط باتجاه دخول الإقليم وتنفيذ عمليات عسكرية”.
وأوضح شيخو أن “جبهة تيغراي” تفتقر إلى “منفذ خارجي تستمد منه المؤن الغذائية والعتاد العسكري، وإذاً فالطرفان بحاجة، لهذه الاعتبارات وغيرها، إلى التوقف عن الحرب”.
مخاوف محلية ودولية
لكن على الرغم من هذا الاتجاه نحو التهدئة، أثيرت مخاوف محلية ودولية من تفاقم الصراع إثر الغارة الدامية التي استهدفت، السبت، مخيماً للنازحين في بلدة ديديبت في شمال غرب تيغراي، ويعتقد أنَّ القوات الإثيوبية تقف وراءها.
وقالت “جبهة تحرير تيغراي”، بحسب وكالة “فرانس برس”، إن الهجوم أسفر عن سقوط 56 شخصاً، في حين تحدث مسؤول في المستشفى الرئيسي بالمنطقة عن 55 ضحية و126 جريحاً.
والاثنين، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن عبر عن مخاوفه بشأن الضربات الجوية في الصراع المستعر بشمال إثيوبيا، وذلك خلال اتصال مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
وأضاف البيت الأبيض في بيان بعد محادثات الزعيمين “عبر الرئيس بايدن عن مخاوفه من استمرار سقوط ضحايا وجرحى مدنيين، والمعاناة بسبب استمرار الأعمال العدائية، بما فيها الضربات الجوية في الآونة الأخيرة”.
كما دعا أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، الاثنين، إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية في إثيوبيا، بما في ذلك الضربات الجوية، وقال إنه يشعر بالحزن للتقارير التي تقول إن أكثر من 50 مدنياً لاقوا حتفهم في ضربة جوية بشمال إثيوبيا في مطلع الأسبوع.
ونتيجة للهجوم، علقت منظمات إغاثية وإنسانية عملها في الإقليم. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إنه “لم يُسمح لمنظمة الصحة العالمية بتسليم الإمدادات الطبية في تيغراي منذ منتصف يوليو من العام الماضي على الرغم من الطلب المتكرر”.
طاولة المفاوضات
لكن على الرغم من هذه البوادر، توقع شيخو أن تتجه الأمور في النهاية إلى مفاوضات، مشيراً إلى أن “الحكومة بادرت إلى المصالحة الوطنية، وهذه المصالحة لا يقصد بها جبهة تيغراي فقط، وإنما باقي المعارضة والأحزاب السياسية المعارضة والتي تم الإفراج عن أغلب زعمائها”.
ولفت إلى أنه على الرغم من تردد جبهة تحرير تيغراي وتجاوبها المحدود مع المبادرة، إلا أنها “طوعاً أو كرهاً لا بد أن تبحث عن حل يفك عنها الحصار ويمكنها من إيصال المساعدات للمواطنين في إقليم تيغراي“، مبيناً أن الضغوط الدولية قد تسهم أيضاً في حمل الأطراف إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.
وقال شيخو إن “الآفاق المستقبلية للحل السياسي في إثيوبيا تكمن في إطلاق الحوار الوطني الذي تتحدث عنه الحكومة، وصادق عليه البرلمان الإثيوبي، وتشكيل لجنة قومية لبحث كافة القضايا التي هي مثار جدل، وجذور الصراع سواء مع جبهة تيغراي أو الأطراف المعارضة الأخرى مثل جبهة تحرير أورومو”، مشيراً إلى أنه “ربما ينبثق من هذه اللجنة الاتجاه إلى الحل مع جبهة تحرير تيغراي وباقي الأحزاب وترتيب البيت الداخلي الإثيوبي”.
بداية الأزمة
وحملت “جبهة تحرير شعب تيغراي”، السلاح منذ أن أرسل رئيس الوزراء آبي أحمد الجيش الفيدرالي إلى الإقليم في نوفمبر 2020 لإطاحة السلطات المحلية المنبثقة من الجبهة التي تحدت سلطته واتهمها بمهاجمة قواعد عسكرية.
وتمكن مقاتلو الجبهة من شنّ هجوم مضاد أدى لاستعادتهم معظم المنطقة في نهاية يونيو 2021 والتقدم في إقليمي أمهرة وعفر المجاورين. وقد أكدوا في نوفمبر أن قواتهم باتت على بعد 200 كيلومتر من أديس أبابا، لكنهم انكفأوا نهاية ديسمبر الماضي إلى معقلهم في تيغراي في مواجهة هجوم شنته القوات الحكومية.
وأودى النزاع بالآلاف، فيما تخضع تيغراي وفق الأمم المتحدة إلى “حصار” يعوق إيصال المساعدات الإنسانية.