إخفاقات اقتصادية تضع أردوغان في مواجهة انتخابية صعبة
استطلاعات الرأي التركية تظهر منافسة قوية بين المرشحين الرئيسيين
يواجه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، خطر استمرار بقائه بالحكم في ظل رياحا سياسية معاكسة قبل الانتخابات العامة المقررة في 14 مايو، وبعد سلسلة من الاخفاقات السياسية والاقتصادية التي أغرق البلاد بها ويتحمل المسؤولية عنها.
وفي الوقت الذي تُظهر فيه استطلاعات الرأي أن المنافسة قوية بين المرشحين الرئيسيين، قارن المنتقدون الظروف الحالية بتلك التي جاءت بحزبه (حزب العدالة والتنمية) ذي الجذور الدينية إلى السلطة عام 2002 في انتخابات خيَم عليها أيضا تضخم مرتفع واضطراب اقتصادي.
وتعهد خصوم أردوغان بإلغاء كثير من التغييرات التي أدخلها على تركيا والتي سعى إليها في إطار رؤيته لمجتمع محافظ له كلمة على المستوى الإقليمي، لكن هذه المخاطر الكبيرة ليست جديدة عليه وهو الذي قضى قبل ذلك عقوبة في السجن -لأنه ألقى قصيدة شعر ديني- ونجا من محاولة انقلاب عسكري في عام 2016 عندما هاجم جنود مارقون البرلمان وقتلوا 250 شخصا.
حرب نموذجية
ومع وجود كثير من الأمور على المحك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يستهدف السياسي المخضرم الذي فاز في أكثر من عشر انتخابات، منتقديه بحرب نموذجية، فأردوغان يتهم المعارضة بالسعي للاستفادة من كارثة وقام بعدة زيارات لمنطقة الزلزال حيث لقي أكثر من 50 ألف شخص حتفهم وتعهد بإعادة الإعمار سريعا ومعاقبة من خالفوا لوائح البناء.
وملأ الفترة السابقة للانتخابات باحتفالات بإنجازات صناعية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية والتي تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيرة تركية الصنع. وكان يفترض أن يتم الإعلان عن انتهاء تلك المشاريع قبل فترة لكن لأسباب سياسية جرى الإعلان عنها قبل ايام قليلة من الانتخابات الرئاسية في توظيف دعائي لاستقطاب أصوات الناخبين.
كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجانا للمنازل وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا في حفل شارك فيه عبر الانترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فرص غير متكافئة
ومنحت وسائل الإعلام الرئيسية تغطية واسعة لأردوغان، بينما لم يول الإعلام الحكومي اهتماما يُذكر بمنافسه الرئيسي في الانتخابات كمال كليشدار أوغلو، مما أثار اتهامات من المعارضة بعدم إتاحة الفرص المتكافئة.
وشملت حربه على تحالف المعارضة الرئيسي اتهامات بأن التحالف يتلقى دعما من حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ ثمانينات القرن الماضي أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألفا.
ورد منافسه كليشدار أوغلو الذي حصل على تأييد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والذي يملك خزانا انتخابيا مهما، بالدفاع عن حقوق الأكراد واتهم أردوغان “بمعاملة ملايين الأكراد كإرهابيين”.
وفي إطار مساعيه لاستعادة شعبيته بين الناخبين المحافظين، أدلى أردوغان أيضا بتعليقات مناهضة للمثلية الجنسية ووصف حقوق مجتمع الميم بأنها مفهوم “منحرف” سوف يحاربه.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات يمكن أن تحتاج لجولة إعادة ويظهر بعضها أن أردوغان ليس متقدما، فيما يشير هذا إلى عمق أزمة تكلفة المعيشة التي أثارتها سياساته الاقتصادية غير التقليدية.
وأطلقت السلطات حملة من خفض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المرتفع بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، لكنها أدت إلى انهيار العملة في أواخر عام 2021 وتفاقم التضخم.
وعلى الرغم من وجود دلائل تشير إلى أن حزبه يمكن أن يعود إلى سياسات تقليدية بشكل أكبر، أكد أردوغان الشهر الماضي أن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تستمر طالما بقي في السلطة وأن التضخم سينخفض مع ذلك.
وكان الاقتصاد أحد الركائز الأساسية لأردوغان خلال العقد الأول له في السلطة، عندما كانت تركيا تتمتع بالازدهار المستمر مع مد طرق جديدة وبناء مستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ تعدادهم 85 مليون نسمة.
ترويض الجيش التركي
ونشأ أردوغان من جذور متواضعة في حي فقير بإسطنبول حيث التحق بمدرسة مهنية إسلامية ودخل السياسة كزعيم للشباب في حزب محلي. وبعد أن شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، صعد إلى المستوى الوطني كرئيس لحزب العدالة والتنمية وصار رئيسا للوزراء في عام 2003.
وتمكن حزب العدالة والتنمية بزعامته من ترويض الجيش التركي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 وفي عام 2005 بدأ محادثات لتحقيق طموح استمر عقودا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي -وهي خطوة تعطلت لاحقا بشكل كبير.
ونظر الحلفاء الغربيون في البداية إلى تركيا بقيادة أردوغان على أنها مزيج حيوي من الإسلام والديمقراطية يمكن أن يكون نموذجا لدول تكابد للتخلص من الاستبداد والركود، لكن مساعيه لفرض سيطرة أكبر سببت حالة استقطاب في البلاد وأثارت قلق الشركاء الدوليين. واعتبر المؤيدون المتحمسون ذلك مجرد مكافأة لزعيم أعاد التعاليم الإسلامية إلى صميم الحياة العامة ودافع عن الطبقات العاملة المتدينة، غير أن المعارضين رأوا أن ذلك هو إمعان في الاستبداد من جانب زعيم أدمن السلطة.
وبعد محاولة الانقلاب، أطلقت السلطات حملة إجراءات صارمة، إذ احتجزت أكثر من 77 ألفا في انتظار المحاكمة وتم فصل 150 ألف موظف حكومي أو وقفهم عن العمل. وتقول منظمات معنية بحقوق الإعلاميين إن تركيا صارت أكبر دولة تسجن الصحفيين في العالم لبعض الوقت. وقالت حكومة أردوغان إن الحملة كانت نتيجة للتهديدات من أنصار الانقلاب وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني.
وعلى الصعيد الداخلي، يقف مجمع القصر الرئاسي الجديد مترامي الأطراف المُقام على مشارف أنقرة كعلامة بارزة على سلطات أردوغان الجديدة، أما على الصعيد الخارجي فقد صارت تركيا أكثر حزما إذ تدخلت في سوريا والعراق وليبيا وغالبا ما تنشر طائرات مسيرة عسكرية تركية الصنع بقوة حاسمة، لكن التدخلات لم تجذب سوى قليل من الحلفاء. ووسط الاقتصاد المتعثر مع بدء العد التنازلي للانتخابات، سعى أردوغان إلى التقارب مع منافسين في المنطقة.