إخونجية تونس في طريقهم للتخلي عن رئيس الحكومة
ويتجهون لفك عزلتهم بتحالفات جديدة
تُؤكّد المؤشرات التي يزدحم بها الخطاب الإعلامي لغالبية القوى في تونس أن الغطاء السياسي الذي وفرته حركة النهضة الإخونجية لرئيس الحكومة هشام المشيشي في خلافاته مع الرئيس قيس سعيد انتهى أو هو قيد السحب، تمهيدا لرسم تحالفات جديدة تفك بها عزلتها التي تعمقت بأزمة حليفها حزب قلب تونس.
تزداد المؤشرات الدالة على أن حركة النهضة الإخونجية تُخطط بشكل جدي للتخلي عن المشيشي الذي يعيش هذه الأيام على وقع هاجس مستقبله السياسي الذي أصبح يتأرجح بين مناورات رئيس البرلمان راشد الغنوشي وتصدّع حزامه البرلماني والسياسي.
وضمن مسار هذا التحول الذي فرضه الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد أخذت تلك المؤشرات بعدا إضافيا اختلطت فيه الحسابات الحزبية بالتوازنات البرلمانية التي تبقى غير مُنفصلة عن طبيعة الأزمة الراهنة بتعقيدات عناوينها المُتشابكة بسبب مناورات حركة النهضة وازدواجية خطابها السياسي.
التخلي عن المشيشي
وكشف فتحي العيّادي الناطق باسم حركة النهضة الإخونجية أن حركته تقوم هذه الأيام باتصالات مع الأحزاب والمنظّمات الوطنية بحثا عن حلّ مُشترك للأزمة أحد خياراته التخلّي عن المشّيشي وحكومته.
وقال في تصريحات إذاعية إنّ حركته تهدف من وراء هذه الاتصالات التي وصفها بالنشطة إلى “إيجاد حلّ مشترك بين مختلف الأطراف يكون مبنيا أساسا على إمكانية توسيع الحكومة والتحاور حولها، وإمكانية توسيع الحزام البرلماني والحزام الحكومي”.
وتابع، بلغة اتسمت بالغموض حينا والازدواجية حينا آخر، أن حركته ترى أن “جزءا من الحل هو أن مصير هذه الحكومة مطروح للحوار حول رئيسها هشام المشيشي”، ثم يستدرك قائلا إن حركته “تُشدد على ضرورة استمرار الحكومة في أداء واجباتها للتصدي لجائحة كورونا وحل الأزمتين الاجتماعية والمالية”.
وهذه المرة الأولى التي تُعرب فيها حركة النهضة الإخونجية عن استعدادها للتخلي عن دعم المشيشي وحكومته، رغم شكله الملتوي والمُتناقض الذي رأى فيه المراقبون تعبيرا واضحا عن ازدواجية الخطاب التي طالما مارستها هذه الحركة للتغطية عن أهدافها وأجنداتها الخفية.
نور الدين البحيري
لكن ذلك لم يمنعهم من القول إن هذا الموقف ليس منفصلا عمّا ذهب إليه في وقت سابق نائب رئيس هذه الحركة نور الدين البحيري عندما دعا في تدوينة له القوى الوطنية والفاعلين السياسيين في البلاد إلى تشكيل ما وصفها بـ”الكتلة التاريخية المؤمنة بالديمقراطية والتعددية”.
ولم يتطرق البحيري في هذه التدوينة بشكل مباشر إلى مصير الحكومة الحالية ورئيسها هشام المشيشي لكنه أشار إلى ذلك ضمنيا بقوله إنّ “الحاجة إلى كتلة تاريخية تأتي من الوفاء بقيم الثورة والدفاع عن الحرية والتعايش السلمي والإيمان بالحقوق والواجبات بعيدا عن الاستثمار السياسي والتجاذبات”.
مداولات المكتب التنفيذي للنهضة
وسعى القيادي في حركة النهضة محمد القوماني إلى توضيح هذه المسألة حيث قال: إن المكتب التنفيذي لحركته “تداول في اجتماعه الأخير الذي عقده الخميس الماضي الأزمة المركبة الصحية والاقتصادية والسياسية، .. وقد توقف بانشغال حول حالة الترنح في المشهد السياسي”.
وكشف أن المكتب التنفيذي للحركة “اقترح التحرك باتجاه مختلف الفاعلين للدفع بالحوار للخروج من الأزمة وتدوير مختلف الزوايا بما في ذلك الحوار مع هشام المشيشي والأطراف الداعمة لحكومته حول سيناريو توسيع الحزام السياسي للحكومة وتغيير صبغتها إلى حكومة سياسية على برنامج للإنقاذ وفتح نقاش مع حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وأطراف أخرى حتى خارج البرلمان في هذا الاتجاه”.
لكن هذا التوضيح لم يُبدّد المؤشرات المذكورة سابقا التي تدفع باتجاه التأكيد بأن حركة النهضة دخلت في دائرة التراجعات التكتيكية للخروج من عزلتها التي تسبّبت فيها التطورات المُتلاحقة التي جعلتها تفقد العديد من أوراق التعويل على كسب رهان معركتها المفتوحة مع الرئيس قيس سعيد.
المشيشي عبء على النهضة
ويبدو أنها وصلت إلى قناعة بأن التمسك ببقاء المشيشي رئيسا للحكومة أصبح يُشكل عبئا عليها يتعين التخلص منه، وهو ما ذهب إليها الناشط السياسي التونسي المحامي عبدالحميد بن مصباح الذي قال لـ”العرب” إن “التجربة علّمتنا أن حركة النهضة هي حزب موغل في البراغماتية التي تصل إلى حدّ الانتهازية في بعض الأحيان”.
وقال “يكفي أن نذكر أنها قبل سنوات قليلة ضحت بأمينها العام الأسبق حمادي الجبالي كرئيس للحكومة ومن بعده بعلي العريض، كما ضحت أيضا بعد ذلك بيوسف الشاهد رغم تماهيها معه، وبالتالي فإن من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل، بمعنى أنه مهما كان حجم الربط والترابط بينها وببن هشام المشيسي فإنه لن يصل إلى مستوى الترابط مع الشخصيات المذكورة”.
وأضاف أنّ “احتمال تضحية النهضة بالمشيشي أمر وارد بالنظر إلى المناخ الدولي والإقليمي في ظل تراجع دور الإسلام السياسي إقليميا وتتالي الضربات الموجهة إليه وفقدانه لحواضنه الدولية وخاصة تركيا وقطر”.
ومع ذلك تباينت تقديرات المُتابعين للشأن التونسي في قراءة الأهداف من وراء مثل هذه التصريحات التي تتسم بالكثير من الضبابية المقصودة، وذلك في الوقت الذي ذهب فيه البعض إلى ربطها بتداعيات الأزمة التي تعصف بحزب قلب تونس، التي من شأنها تغيير التوازنات السياسية والبرلمانية.
وفي سياق هذه القراءة لم يتردد عبدالحميد بن مصباح في تصريحه لـ”العرب”، في القول إن “حزب قلب تونس أصبح يُشكل عبئا على حركة النهضة بسبب رفعه سقف طلباته الذي قد يصل إلى مقايضتها حول نجاة الغنوشي والمشيشي مقابل نجاة نبيل القروي الذي يقبع حاليا داخل السجن”.
ولا تُخفي حركة النهضة خشيتها من تداعيات أزمة قلب تونس التي أربكت حساباتها في علاقة بمصير رئيسها راشد الغنوشي الذي تُلاحقه لائحة لسحب الثقة منه كرئيس للبرلمان، إلى جانب تأثيراتها المُرتقبة على مستقبل الحزام السياسي الذي وفرته لحكومة المشيشي وانعكاسات ذلك على مُجريات الصراع مع الرئيس قيس سعيد.