إسرائيل تحرق وتدمّر جميع مراكز الإيواء التابعة للأونروا في مخيم جباليا

وتقتل النازحين بداخلها وتحوّل مقارها كمراكز للتحقيق مع الفلسطينيين

أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا”، أن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جباليا كشف عن تدمير جميع مراكز الإيواء التابعة لها في المخيم.

يأتي ذلك فيما يتواصل الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لوكالة “الأونروا”، والتي يسعى الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، إلى إنهاء وجودها عبر اتهامات لموظفيها ومزاعم تطاول أنشطتها، لم يتمكن من إثباتها.

وقالت الوكالة في بيان لها، السبت، إن مراكزها في مختلف مناطق قطاع غزة تعرضت إلى نحو 394 هجوماً إسرائيلياً منذ بداية العدوان الإسرائيلي، فيما يعد حجم الاستهداف الأكبر الذي تتعرض له منظمة أممية خلال حرب أو نزاع مسلح في العالم، ما خلف الكثير من الضحايا بين العاملين في الوكالة والنازحين إلى مراكز الإيواء التابعة لها، والذين كانوا يعتقدون أن علم الأمم المتحدة قد يحميهم من الصواريخ والقذائف الإسرائيلية.

ووثقت “الأونروا” كل ما أصاب المباني والمدارس والعيادات الصحية والمقار الإدارية والمخازن التابعة لها، مؤكدة أن غالبية الاستهدافات عرضت حياة الأشخاص الموجودين داخل تلك المقار للخطر، وخلفت تدميراً كلياً أو جزئياً، وبعض تلك المباني شهد حوادث استهداف متكررة، وكانت غالبية المباني المستهدفة في مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع ومدينة خانيونس.

استخدام مقار ومباني الأونروا للتحقيق مع النازحين

وقال مصدر من الوكالة الدولية، إن “مساحات عمل الوكالة قيدت كثيراً، وأصبحت 80 في المائة من مقارها في القطاع مناطق خطرة يصعب الوصول إليها، وتسعى إدارة الوكالة إلى الحفاظ على أرواح موظفيها بعد استشهاد 189 منهم، فضلاً عن عشرات المفقودين والمصابين”.

ووثقت تقارير وكالة “الأونروا” المقدمة للأمم المتحدة ما لا يقل عن 57 حادثة استخدام لمقارها ومبانيها في التحقيق مع النازحين، معتبرة ذلك مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني، كما وثقت استشهاد ما لا يقل عن 450 نازحاً داخل مراكز الإيواء التابعة لها، وإصابة 1476 آخرين على الأقل، وهذه الأرقام تشمل فقط المصابين والشهداء الذين جرى الإبلاغ عنهم، بينما الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك.

وانسحبت وكالة “الأونروا” من مدينة رفح بعد الاستهداف المباشر لمراكزها، ونية القتل العمد للمدنيين والموظفين الدوليين العاملين في المدينة، وأكد المفوض العام لـ”أونروا”، فيليب لازاريني، أن ملاجئ الوكالة في رفح باتت فارغة، وأن “أكثر من مليون شخص نزحوا بحثاً عن مكان آمن لم يجدوه قط”.

طواقم الأمم المتحدة الإنسانية أهدافاً مشروعة

واعتبر لازاريني، في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس، أن “حجم ونطاق الهجمات الأخيرة ضد (الأونروا) يستحقان تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بشكل عاجل”، محذراً من أن “المزاعم الإسرائيلية حول مشاركة موظفي الوكالة في عملية (طوفان الأقصى) جعلت طواقم الأمم المتحدة الإنسانية أهدافاً مشروعة. المسؤولون الإسرائيليون لا يهددون عمل موظفينا ومهمتنا فحسب، بل ينزعون أيضا الشرعية عن الأونروا”.

وتعرض الكثير من مدارس مدينة خانيونس لاستهداف متكرر، وتعرضت غالبيتها لأضرار متباينة خلال العملية العسكرية على خانيونس قبل شهرين. في حين تعتبر مراكز الإيواء بالمناطق الشمالية الأكثر تضرراً منذ بداية العدوان الإسرائيلي، إذ بدأ الاستهداف من مدارس بلدة بيت حانون في أقصى شمالي القطاع، ثم انتقل إلى مدارس بلدة بيت لاهيا، ومخيم جباليا، ثم مدارس المنطقة الشمالية بالكامل، قبل بدء عملية عسكرية موسعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي على محافظة الشمال ومدينة غزة.

استشهدت المسنة مريم العوض وابنتها براءة وحفيدتها ريماس (ثلاث سنوات) في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مدرسة في منطقة الفالوجا، وتم إخراج جثامينهما، صباح الأحد، بعد جهود مضنية لعناصر جهاز الدفاع المدني للوصول إلى الشهداء في ظل قلة الإمكانيات المتاحة.

استشهاد 450 نازحاً داخل مراكز إيواء تابع للأونروا

يقول ابنها محمد العوض (36 سنة) لـ”العربي الجديد”، إن عدداً كبيراً من النازحين كانوا يرفعون الأعلام البيضاء حين تم قصفهم، ومن بينهم والدتي الستينية، فقد كانوا يتوقعون اقتحام المدرسة لأن جيش الاحتلال لا يحترم علم الأمم المتحدة. يضيف: “كنا نقسم أنفسنا بين رجال في الخارج، ونساء داخل المدارس، وكنا لا نزال نعتقد أنهم لن يستهدفوا المدارس لأنها تحمل علم الأمم المتحدة، لكني فوجئت باستشهاد والدتي وشقيقتي وطفلتها، كأن التواجد في مدارس (أونروا) أصبح جريمة”.

كان المدرس محمد حميد يعمل في أحد مدارس “الأونروا” بحي الرمال في مدينة غزة، وبعد نزوحه، استمر في عمله متنقلاً بين عدة محافظات، حتى وصل إلى العمل في أحد مراكز الإيواء بمدينة رفح، وقد نزح مؤخراً إلى منطقة المواصي، وهو يتابع توجيهات العمل في النقاط التي أنشأتها “أونروا” داخل الخيام لطواقم عملها، والتي تتولى تنظيم الأوضاع الإنسانية، وتوزيع المساعدات، والإشراف على الحالات المرضية.

أصيب حميد أثناء عمله في إحدى مدارس مخيم المغازي التي تعرضت لقصف مباشر، ويشير إلى أنه خسر عددا من زملائه في القصف، وكذلك اثنين من أبناء عمومته، كان أحدهما معلماً والآخر يعمل في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية، بينما تعرض هو لإصابة بالغة في الساق، ويحتاج إلى إجراء عملية جراحية، لكنه حالياً على رأس عمله، وينتظر أن يتاح له إجراء العملية.

يقول حميد: “جميع موظفي أونروا في عملهم منذ الشهر الأول من العدوان، وهم يتنقلون بين مراكز الإيواء في المحافظات، وعندما يتم تقييم المخاطر، تطلب منا الإدارة الابتعاد عن مناطق الخطر لضمان حماية أرواحنا، وغالبية الطواقم مدربة على التعامل مع الأزمات، لكن شراسة هذه الحرب خلفت الكثير من الشهداء رغم ذلك”.

يضيف: “استشهد ابن عمي داخل أحد مقار الأونروا في مدينة غزة، وكان يرتدي سترته التي تحمل علم الوكالة. هناك حرب على العاملين في القطاع الإنساني، ورغم أننا مسالمون، ونسير في طرق واضحة أثناء عملنا، وطائرات الاستطلاع الإسرائيلية تراقبنا دائماً، إلا أن عدد من طواقمنا استشهدوا، وأخرين فقدوا ولا نعرف مصيرهم”.

الحرب على الوكالة مستمرة

بدوره، يقول مصدر من وكالة “الأونروا” في قطاع غزة، إن “الحرب على الوكالة مستمرة، وتهدف إلى إنهاء دورها الإنساني، ومحاولة تشويه سمعتها مقدمة للإجهاز عليها، وإخراجها من الساحة الفلسطينية، وبدأ ذلك بترويج اتهامات للموظفين، نتج منها وقف عدد من الدول تمويلها، لكن عدم اقتناع المجتمع الدولي بالادعاءات الإسرائيلية أعاد الكثير من الدول التي جمدت الدعم إلى تقديمه من جديد، كما أن بعض الدول زادت دعمها”.

ويعرب المصدر عن تخوفات من مصادقة الهيئة العامة للبرلمان الإسرائيلي “الكنيست“، الأسبوع الماضي، على مشروع قانون يقضي بإعلان الوكالة الأممية “منظمة إرهابية”، رغم الإدانات العربية والدولية لهذا المشروع. ويوضح: “كانت أونروا ولا تزال حريصة على فصل الجانب السياسي عن القطاع التعليمي والإغاثي، ورغم ذلك يتم ملاحقتها، خصوصاً في قطاع غزة، حيث يعتمد أكثر من 60 في المائة من السكان على المساعدات الغذائية والتعليمية والصحية”.

ودانت دولة قطر، الأحد، محاولة سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصنيف وكالة “أونروا” منظمة إرهابية، وتجريدها من حصانتها الدبلوماسية وتجريم أنشطتها، واعتبر بيان لوزارة الخارجية القطرية، ذلك امتداداً لحملة الاستهداف الممنهجة الهادفة إلى تفكيك الوكالة في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى خدماتها الإنسانية من جراء التداعيات الكارثية للحرب المستمرة على قطاع غزة، وجددت  الدعوة إلى وقوف المجتمع الدولي بحزم في مواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية لتصفية الوكالة، وحرمان ملايين الفلسطينيين من خدماتها الضرورية.

كما دانت السعودية، السبت، محاولات الكنيست الإسرائيلي تصنيف وكالة “أونروا” باعتبارها “منظمة إرهابية” واستهداف أنشطتها. وأعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان، عن إدانتها لمحاولات تقويض جهود أونروا، ورفع الحصانة عن منسوبيها ممن يقومون بواجبهم في تخفيف حدّة الكارثة الإنسانية للشعب الفلسطيني. وأكدت رابطة العالم الإسلامي، السبت، رفضها واستنكارها محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ربط وكالة “أونروا” بـ”الإرهاب”، وأكدت في بيان، أن على إسرائيل الكف عن انتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية، والالتزام بالقانون الدولي في ما يتعلق بعمل المنظمات الدولية والإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى