إسرائيل تحوّل قطاع غزة إلى “المكان الأكثر دموية للصحافيين على وجه الأرض”

مع استئناف جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، عادت تل أبيب مشهد استهداف الصحافيين والمراسلين الفلسطينيين، حيث استشهد مراسلان في جنوب القطاع وشماله، ليبلغ عدد الضحايا من الإعلاميين نحو 203 بحسب مكتب الإعلام الحكومي.
أمس الاثنين، استشهد صحافيان فلسطينيان في قطاع غزة بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي. الأول هو مراسل قناة “فلسطين اليوم” محمود منصور، الذي قضى إثر قصف منزل في منطقة البطن السمين غربي خانيونس جنوب غزة.
أمّا الصحافي الثاني فهو مراسل قناة الجزيرة في شمال القطاع حسام شبات، وقد قتل جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت سيارته في شارع صلاح الدين شمالي غزة.
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، منشورا لحسام ينعي فيه زميله قبل أن يُستشهد هو الآخر بنيران إسرائيلية.
وبعد أيام من قرار حكومة الاحتلال استئناف الحرب على قطاع غزة، ارتفعت حصيلة الشهداء الصحافيين منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر إلى 208، كما تجاوز العدد الإجمالي للشهداء بنيران إسرائيلية 50 ألفا بينما بلغ عدد المصابين نحو 114 ألفا، بحسب مكتب الإعلام الحكومي.
إسرائيل تمنع دخول الصحافيين الأجانب
يرتدي الصحافيون في القطاع إلى السترات والخوذ الواقية، رغم أن إسرائيل تمنع منذ عام 2007 إدخال معدات السلامة والأمن الخاصة بالصحافيين.
وبحسب منظمة “مراسلون بلا حدود” لا تزال الدولة العبرية تمنع دخول الإعلاميين الأجانب لتغطية الأحداث والتطورات العسكرية والإنسانية في غزة، كما تمنعُ الصحافيين الفلسطينيين المنفيين من العودة إلى القطاع.
وتشير المنظمة إلى “مقتل ما لا يقل عن 180 من الإعلاميين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في غضون 15 شهراً من الحرب، من بينهم 42 على الأقل لقوا حتفهم أثناء قيامهم بعملهم”.
أزمة متواصلة
ويعاني الصحافيون في غزة من أزمة متواصلة في الاتصالات والانترنت، إلى درجة تفرض عليهم أحيانا التوجه سيرا على الأقدام لمسافات طويلة تحت خطر القصف، من أجل التأكد شخصيا من معلومة معينة قبل نشرها حين يسمح وضع الاتصالات بذلك.
كذلك يواجه المراسلون مشكلة ضعف الانترنت حيث يستغرق تحميل مواد بحجم صغير جدا وقتا طويلا. لكن ذلك يبقى أهون مقارنةً بخطر الموت الذي يتعرضون له في كل لحظة، حتى في بيوتهم، إذ أنّ قسمًا كبيرا من الصحافيين القتلى في غزة قضوا خلال وجودهم في بيوتهم التي تعرضت للقصف.
التهديدات الإسرائيلية
يعمل الصحافي يوسف فارس مراسلا في قطاع غزة منذ أكثر من 15 عاما، يصف وضع الصحافيين في غزة بالـ”خطير جدا على حياتهم”، ويشرح كيف “تعرض العاملون في المراسلة الميدانية والمؤثرون منهم، لتهديدات إسرائيلية مباشرة من الجيش الإسرائيلي عبر وصفهم بأنهم عناصر منتمية إلى الفصائل المسلحة وليسوا صحافيين”.
أما التهديدات غير المباشرة التي يتعرض لها معظم الإعلاميين في غزة، فتبرز عبر “التحريض عليهم من قبل إسرائيليين عبر مجموعات تلغرام تدعو غلى قتلهم”. واقع ميداني يمنع الحركة الطبيعية للصحافيين لأداء مهامهم، خصوصا وأنهم “يفقدون الشعور بالأمان ويعيشون دائمًا تحت خطر التهديد بالقتل دائما”.
ويمكن تقسيم الصحافيين في غزة إلى عدّة فئات: الفئة الأولى تمارس عملها رغم كل المخاطر والتهديدات “إذ أنهم يعلمون ثمن خيارهم المهني” وفق فارس. أما الفئة الثانية فهم صحافيون اضطروا لوقف عملهم نتيجة خطورة الأوضاع، والثالثة تضم إعلاميين غادروا القطاع.
وينقل صحافيون من غزة أنّ تحركاتهم من أكثر من عام باتت محصورة جدا في أماكن الأحداث بالقطاع، خصوصا وأن القصف يمنعهم من التحرك ميدانيا، كما “أن تعاونهم مع الدفاع المدني والإسعاف للوصول إلى مناطق القصف لم يعد موجودا، بعدما تعرضت الطواقم الإنسانية للتهديد والقصف بسبب نقل الصحافيين”.
“الأكثر دموية للصحافيين على وجه الأرض”
ويشير تقرير نشره”الاتحاد الدولي للصحافيين” إلى أنّ عام 2024 كان “سنة دموية بشكل خاص” حيث قُتل خلالها 104 صحافيين حول العالم، أكثر من نصفهم في قطاع غزة ولبنان.
وفي أيار /مايو 2024 منحت منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة جائزتها السنوية لحرية الصحافة/غييرمو للصحافيين الفلسطينيين الذين يغطون أحداث غزة. وقد جرى ذلك بناء على توصية هيئة تحكيم دولية.
لم تتوقف حتى اليوم تقارير المنظمات الحقوقية والصحافية الدولية عن سوء أوضاع الإعلاميين في غزة بسبب الحرب المستمرة، حيث صنّفت مختلف المنظمات القطاع المحاصر بالمكان “الأكثر دموية للصحافيين على وجه الأرض”.
ووصفت منظمات أخرى غزة بأنها ” أخطر المناطق في تاريخ الصحافة”. ولعلّ ذلك ما يفسّر المشهد المستمر لمقتل الصحافيين بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتحويلهم إلى المأساة نفسها بدلًا من أن يكونوا الصوت الذي ينقل الحقائق للعالم.