إعادة تأهيل أبو مازن في قمة القاهرة
محمد أبو الفضل
استهدفت القمة المصرية – الأردنية – الفلسطينية التي عقدت في القاهرة الخميس تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية التي تهم الأطراف الثلاثة، لكن أبرز ما رمت القمة إليه في هذا التوقيت إعادة تأهيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) سياسيا بعد أن عاني الفترة الماضية على كل الجبهات تقريبا.
فقد واجهت السلطة الوطنية عقبات على صعيد عدم قدرتها على ضبط الأمور السياسية والأمنية والاقتصادية وزيادة حدة الأزمات الحياتية، واتسع نطاق الانقسامات التي تنخر جسم حركة فتح وأخفقت قيادتها في لملمة جراحها الداخلية، كما لم تتمكن من تصويب العلاقات مع حركة حماس التي تنفرد بالسيطرة على قطاع غزة.
وسط هذه الأجواء بات أبو مازن وجها عجوزا لا يستطيع توفير الحد الأدنى من اللُحمة الوطنية، ولا يريد تجديد دماء سلطة شاخت في مواقعها، ولا توجد قيادة جاهزة يمكنها ملء الفراغ حال حدوث مكروه للرجل، وكل ما تريده القاهرة وعمّان محاولة تعويمه ليتمكن من تمثيل الفلسطينيين إذا قررت الإدارة الأميركية استئناف عملية السلام مع إسرائيل، حيث تعد المفاوضات خيارا منقذا لكل من مصر والأردن خوفا من مواجهة شبح تصعيد جديد بين حماس وقوات الاحتلال.
وتعرض أبو مازن لضغوط قاسية من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وزادت الهوة بين الجانبين مع تعرض التنسيق الأمني لهزات قوية، ولوح رئيس السلطة الفلسطينية أكثر من مرة بحلها لوضع الكرة في ملعب إسرائيل كقوة احتلال، وثمة فرصة في عهد رئيس الوزراء الجديد نيفتالي بينيت لإعادة تضفير الخيوط التي تقطعت تمهيدا للعودة إلى عملية التسوية السياسية على قاعدة حل الدولتين، حيث أعاد الاعتبار إليها الرئيس الأميركي جو بايدن وتدفع مصر والأردن منذ فترة نحوها.
ويمكن قراءة لقاء أبو مازن مع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس الأحد الماضي في رام الله على أنه تحرك يستهدف ترميم الشروخ الأمنية، واختبار لمدى جاهزية رئيس السلطة الفلسطينية لاستئناف التعاون مع إسرائيل بالصورة السابقة، لأن اللقاء جاء عقب عودة بينيت من واشنطن.
ويعني التوقيت أن هناك رسالة تطمين أميركية – إسرائيلية وصلت أبو مازن، بما يعزز إمكانية التعويل عليه في المرحلة المقبلة، وهو ما تعمل القاهرة وعمان على استثماره كي لا تشعر واشنطن بفداحة الفراغ السياسي على الساحة الفلسطينية.
وشهدت فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هبوطا غير مسبوق في مستوى الحوار مع أبومازن، انتهى إلى ما يشبه القطيعة الأميركية معه، وقد ورثت إدارة جو بايدن هذه التركة الثقيلة وهي لا تعلم كيف تتجاوزها في ظل رغبتها في استئناف عملية التسوية مع الحفاظ على الثوابت الإسرائيلية.
يستلزم هذا المشهد القاتم تحركا مصريا – أردنيا سريعا لتعويم أبو مازن على الساحة الأميركية بعد أن ساءت صورته السياسية بسبب إخفاقه في إجراء الانتخابات الفلسطينية، وعدم قدرته على ضبط مساراته الداخلية، وتفوق حماس وسلاحها على غيرها من القوى الفلسطينية، وتدهور علاقاته العربية.
تواجه عملية إعادة تأهيل أبو مازن مجموعة من التحديات، أبرزها أنه ينتمي إلى الجيل القديم، إذ يكمل في نوفمبر المقبل 86 عاما وصحته لا تسعفه كثيرا على تحمل الصعاب التي تواجهها القضية الفلسطينية، واستمراره بحجة أنه الخيار الضرورة لم تعد مقنعة، حيث يتهمه العديد من القوى بأنه أحد أسباب التشرذم الذي تعاني منه حركة فتح عندما أغلق جميع الأبواب أمام إصلاحها بما أدى إلى تآكل جزء معتبر من قوتها السياسية.
تفرض عملية تأهيله أو تعويمه لجولة جديدة من المفاوضات أن تكون هناك ملامح حقيقية لاستئنافها، وحتى الآن لا توجد مؤشرات على ذلك، فالقوى الفلسطينية، وعلى رأسها فتح لا تملك رؤية سياسية تمكنها من التفاوض، ويزداد الأمر خطورة مع التفسخ الحاصل في الجسد الفلسطيني، بالتالي فالرجل باسم من سيتحدث، إذا افترضنا أن مصر والأردن لديهما ما يكفي من تطمينات أميركية لتجهيز أبو مازن.
كما أن القيادة الإسرائيلية الحالية غير مستعدة لحل الدولتين وكل ما تريده زيادة وتيرة التنسيق للحفاظ على درجة مقبولة من الهدوء، ولا يملك تحالف بينيت – غانتس الهش خطة واضحة للتسوية السياسية، ويمكن أن ينهار التحالف في أي لحظة جراء التباينات الكثيرة بين قواه اليمينية، لذلك من المفيد للقيادة الإسرائيلية بقاء أبو مازن عاجزا وأن تستمر القضية الفلسطينية موضوعة على الرف.
تعتقد مصر والأردن أن عقد قمة بحضور أبو مازن في أجواء عربية أقل وطأة يوحي بأن الرجل مستعد للدخول في عملية تسوية لا يملك من أمرها شيئا، ففي عز عنفوانه السياسي لم يتمكن من عقد أي اتفاق مع إسرائيل، وكل الاتفاقيات والتفاهمات الرئيسية تمت في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبدا أبومازن مترنحا بين مشكلاته الهيكلية بالداخل التي اتخذها تكئة لتبرير إخفاقاته وبين عدم وجود غطاء عربي داعم.
إذاً إعادة التأهيل لن تفلح مع شخص في ظروف أبو مازن يعاني من أمراض سياسية مزمنة يصعب عليه عبورها خلال فترة وجيزة، ولن تسمح القوى الفلسطينية بمنحه أي تفويض سياسي، بل مرجح أن تضاعف حماس زيادة تكسير عظام السلطة الوطنية بما يحرجها أمام الجهات التي تريد القاهرة وعمّان تصويرها على أنها الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني حاليا.
تأتي حسابات عودة الرهان على أبو مازن من أربعة محددات أساسية، قد تتقدم أو تتأخر، لكنها تلعب دورا مهما في الدفع نحو عقد القمة الثلاثية في القاهرة.
الأول: أن التضخم المادي والمعنوي لحماس يمكن أن يؤدي إلى ابتلاعها لسلطة أبومازن المتهاوية، وتوضع القاهرة وعمّان أمام خيار صعب لأن كلتيهما لن ترتاح لهذا الصعود الذي يفرض تقديرات وعرة، فمصر لديها توازنات دقيقة مع قطاع غزة، وأيّ خلل يحدث في الضفة الغربية يؤثر على أمن الأردن واستقراره، وربما يمثل تعويم أبو مازن طريقا ثالثا يؤجل تمدد حماس.
الثاني: عودة الحياة إلى التسوية كعملية سياسية فقط من خلال أبو مازن بحكم تاريخه معها، بما يعني زيادة في التحركات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تردع الاتجاه نحو التصعيد من جانب حماس وقوات الاحتلال، وهي صيغة قديمة تسبب إهمالها في وأد خيار السلام وفتح المجال للتصعيد العسكري في فترات كثيرة.
الثالث: البحث عن دور عبر استعادة القضية الفلسطينية لزخمها السياسي في المنطقة، لأن الفترة التي شهدت فيها المنطقة صخبا في ملف التطبيع كانت من أصعب الفترات على كل من مصر والأردن ودقت جرس إنذار بأن الدور التقليدي لهما في هذه القضية يمكن أن يتغير مع تبدل الحسابات الإقليمية، ما يجعل تأهيل أبو مازن عملية مهمة في الوقت الراهن حيث يقف في الخندق نفسه مع القاهرة وعمّان في هذه المسألة.
الرابع: الاستفادة من تراجع حدة الخلافات العربية – العربية وما عكسته من تداعيات سلبية على القضية الفلسطينية، وتسعى مصر والأردن إلى توظيف هذه الحالة لصالح إعادة دعم أبو مازن الذي وجد نفسه في بعض الأوقات مشدودا بين معسكرات متنافرة.