إعلام الإخوان بين البقعة الصغيرة والغيبوبة التامة
نستكمل في هذا المقال تحليلنا وملاحظاتنا التي أوردناها في مقالات سابقة حول خصائص وسمات ما يقدمه إعلام الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر، والموجه من خارجها، والقائم عليه أعضاء منتمون للجماعة أو “ملتحقة” بهم من تيارات أخرى منذ أكثر من 10 أعوام.
وهذه المرة، يلاحظ المتابع المدقق لهذا الإعلام بكل وسائله ومختلف مقدميه ومعديه أنه عندما يعرض لما يجري في مصر وما يخصها خارجياً على مختلف الأصعدة، سواء بشكل خبري أو محاولات تحليل هي في حقيقتها تحريض، وأنه ينطلق دوماً من عرض وقراءة ومن ثم تحليل واستنتاج الدلائل والخلاصات العامة والكلية، واقعة واحدة أو عدة وقائع، لكي يعممها على مجمل الأوضاع المصرية في الحاضر والمستقبل القريب، ينتقي هذا الإعلام -متعمداً- واقعة صغيرة في بقعة جغرافية صغيرة لا تكاد ترى لا في الجغرافيا الطبيعية لمصر ذات المليون كيلومتر مربع، ولا في جغرافيتها السياسية-السكانية ذات المائة وعشرة ملايين مواطن، لكي ينطلق منها لتعميم ما يراه من تفصيلاتها ونتائجها بحسب رؤيته على كل الأوضاع داخل مصر، تاركاً الخيال والأوهام لتقوده نحو نتائج لم يحدث ولو لمرة واحدة أن تحققت طول عمر هذا الإعلام.
وتكتمل هذه السمة لذلك الإعلام مع أخرى، وتعد جزءاً من بنية هذا الإعلام وهيكله، وتتكرر دوما في كل أشكاله ومختلف مقدميه ومعديه منذ انطلاقه، وهي حالة “الغيبوبة” عن الواقع الحقيقي المحيط به والانفصال التام عنه بصورة تكاد تصل إلى العمى التام.
فعندما يتطرق هذا الإعلام إلى ما هو صغير من وقائع أو ضئيل من بقاع جغرافية، وينطلق من للتعميم المخل المرضي، يكون في حالة غياب تام عما يجري في المجمل العام من مصر الكبيرة، سواء داخلياً أو خارجياً، ولا يكاد يرى أو لا يريد أن يرى أي شيء من هذا السياق الأوسع والأكبر من واقعته “المفضلة”، الذي إما يتعارض تماماً مع استخلاصاته منها بشأنه، وإما أنها لا تكاد تبين فيه من فرط صغرها سواء من حيث الجغرافيا أو الموضوع.
وبالطبع فإن اعتماد وانطلاق إعلام الإخوان طول الوقت منذ قيامه على استقراء وتعميم بعض مما يراه في الوقائع الصغيرة في البقاع الصغيرة على مجمل توقعاته لمسار الأوضاع المصرية الداخلية إنما هو جزء من سعيه الدؤوب والمحموم لتفجير الأوضاع المصرية الداخلية وتحريض الشعب المصري على هذا، عبر أدواته وأساليبه التي أفضنا في رصدها وتحليلها في مقالاتنا السابقة، التي تقوم كلها على كونه “آلة دعاية” سياسية، وليس إعلاماً حقيقياً، يقوم كل منهجها على الدعاية السوداء والتسميم السياسي. فالأصل في هذا الإعلام هو هذه الطبيعة، وليس ما يجب أن يكون عليه الإعلام الحقيقي من اعتماد على المعلومات الصحيحة ووضعها في سياقها الدقيق الأوسع، سواء من حيث الجغرافيا أو الموضوع أو التأثير على باقي البقاع الجغرافية والموضوعات الأخرى.
بالطبع فعندما يقترن هذا التركيز المخل المتعمد على البقاع والوقائع الصغيرة، بتلك الغيبوبة عن الواقع الحقيقي، تكون النتيجة المنطقية هي أن ذلك الإعلام يضطر في كل يوم من أيام بثه أو نشره لذكر وإعادة ذكر نفس الوقائع والبقاع الصغيرة، “مبشراً” في كل مرة بما سبق له من استخلاصات وتوقعات تتعلق بالوضع المصري بأكمله، مكرراً نبؤاته وتحريضاته التي لم تتحقق يوماً واحداً، بقرب انهياره وعودة الجماعة المطرودة من حكم مصر بثورة الشعب المصري عليها في 30 يونيو/حزيران 2013.
إن الانطلاق والغرق في البقاع والوقائع الصغيرة هو في الحقيقة الذي يزيد من حالة “الغيبوبة” التامة المرضية التي يعيشها إعلام الإخوان بكل أشكاله عن الواقع الحقيقي، حيث تحولت إلى جزء من هيكله، فلم يعد قادراً بأي حال على تجاوزها والعودة لعيش الواقع كما هو، فذلك سوف يطيح بكل ما دأب عليه طول أكثر من عقد، وأضحى مرضاً مزمناً لا علاج له على ما يبدو.