إعلام الإخوان: من الذي يتابعه؟
لعشر سنوات تقريباً ومنذ إطاحة الشعب المصري بحكمهم البائس الفاشل لمصر لنحو عامين، وكل ليلة بلا انقطاع ولا توقف يواصل إعلام جماعة الإخوان التلفزيوني والصحفي والإلكتروني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حملاته الدعائية.
وزاوية التحليل في المقال الحالي لإعلام الإخوان تتعلق بالانطباعات وردود الأفعال التي تتولد لدى المشاهدين أو المتصفحين أو القارئين له، ومدى ارتباطها بما يهدف له القائمون على هذا الإعلام.
والحقيقة أن رد فعل وانطباع المتابع لهذا الإعلام قد يختلف بين نوعين من المتابعين، المتابع المنتظم لأسباب متنوعة، والمتابع للمرة الأولى أو لمرات قليلة، ولكن يجمع بينهما خصائص مشتركة تظل هي الثابتة، فالمتابع للمرة الأولى أو لمرات قليلة يتسرب إليه وفورياً انطباع مؤكد أن ما يجري في مصر من تطورات -حسب الإعلام الإخواني- إنما هو عين الكارثة والفشل الكامل بعينه، وأن اليوم التالي وقبل مجيء الظهيرة سيشهد انهياراً شاملاً للأوضاع في مصر ومعها الحكم القائم بكل أعمدته وأركانه، ومن فرط إلحاح إعلام الإخوان على شرح مقومات الانهيار القادم في اليوم التالي وأسبابه، يكاد المتابع للمرة الأولى أو لمرات قليلة ألا ينام في انتظار وقوعه قبل ظهيرة ذلك اليوم الذي لم ولن يأتي أبداً.
ويفيض القائمون على وسائل إعلام الإخوان ليس فقط في شرح ما يروجون له بأنه تفاصيل الفشل الكامل في إدارة شؤون مصر، ولكن أيضاً في رسم صورة هي أقرب للوهم والهيستريا الجماعية لما يشيعون أنهم الفاعلون أو الأسباب التي ستقود انهيار اليوم التالي الموهوم، فهم من ناحية يؤكدون الغضب الجماهيري العارم الذي يجتاح كل ربوع مصر بريفها وحضرها، والاستعداد الكامل والحال لهذه الجماهير للخروج صبيحة اليوم التالي للإطاحة بالحكم واستلام إدارة البلاد.
ومن ناحية ثانية يتبنى كل هؤلاء القائمين على إعلام الجماعة، ومن وقت لآخر، نظرية الانقسام والصراع المتوهم بداخل صفوف الدولة المصرية ما بين أجنحة مزعومة لا يراها أحد في مصر ولا في العالم سوى خيالاتهم المشحونة بالوسواس القهري، وأنها سوف تتصارع أيضاً في اليوم التالي لتطيح بالحكم في مصر.
وعندما يأتي اليوم التالي وبعده التالي ثم التالي وتمر الأسابيع والسنوات التي وصلت اليوم إلى قرابة العشر سنوات، يغادر المتابع للإعلام الإخواني للمرة أو المرات الأولى شاشاتهم وصفحاتهم وصحفهم بغير رجعة.
فهذا المتابع يدرك، وفي فترة قصيرة للغاية، المفارقة هائلة الاتساع بين ما يبث ويكتب ويذاع على وسائل هذا الإعلام وبين الواقع الذي يعيشه هو شخصياً في بلده مصر، فلا شيء حدث، ولا جماهير غفيرة اجتاحت البلاد ولا جهات في الدولة انشقت على جهات أخرى، ليحدث السقوط الفوري المتوهم لحكم البلاد في اليوم التالي الموعود والذي لم يأت قط.
وأما المتابع المنتظم لإعلام الإخوان فهو يتحول إلى ذلك بفعل واحد من أسباب ثلاثة أو كلها معاً، فغالبية المتابعين بانتظام هم من أعضاء أو أنصار المتعاطفين مع جماعة الإخوان أو المجموعات السياسية الملتحقة بها، ويعتبرون أن هذه المتابعة هي تعبير عن انتماء تنظيمي وأداء سياسي واجب عليهم الوفاء بهما.
ويتابع آخرون وسائل إعلام الإخوان بحكم العادة التي تصل ببعضهم إلى حد “الإدمان” المرضي، حيث تداعب في عقولهم وخيالاتهم أوهام ليس لها وجود في الواقع فيهربون إلى الخيال الذي يخلقه لهم هذا النوع من الإدمان والذين يتحولون إلى أسرى كاملين له.
وأما النوع الثالث من المتابعين، فهم هؤلاء الذين يبحثون عن تنفيس لفظي خارج أو مبالغ فيه لبعض المشكلات التي تواجههم، سواء كانت اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية، ولكن هؤلاء يتوقفون عند حدود المتابعة والتعاطف اللحظي دون أي نوع من الفعل أو التحرك.
ولعل ما يؤكد قرب التحليل السابق من الصحة هو ردود أفعال المصريين طوال الأعوام العشرة على دعاية إعلام الإخوان المسمومة، فقد دعا هذا الإعلام عشرات المرات لخروج الشعب المصري احتجاجاً في كل المناسبات المعروفة في مصر منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتحدث مئات المرات عن انقسام الدولة، وفي كل هذه المرات ظل بعض المصريين “يتفرجون” على إعلام الإخوان بكل ما يعنيه هذا الفعل من ملاحظة ومشاهدة عن بعد والانصراف بعدها إلى حياتهم وشؤونهم، دون أن تترك فيها دعايته السوداء أي أثر واقعي يذكر.