اتحاد الشغل التونسي يضع نفسه في اختبار قوّة مع الرئيس سعيد
ويبدأ إضراب بأجندات سياسية لتعطيل مسار الإصلاحات
بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل في تنفيذ إضراب اليوم الخميس، احتجاجاً على خطط إصلاح اقتصادي حكومية، رافعاً بذلك راية التحدي في وجه رئيس الجمهورية قيس سعيد.
وترى أوساط سياسية تونسية، إن تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل بتنفيذ إضراب عام الخميس (اليوم) بالرغم من مساع حكومية لفتح قنوات الحوار يؤكد أن الإضراب هدفه سياسي وليس نقابيا ويأتي ردا على رفض الرئيس قيس سعيد تنفيذ شروط الاتحاد للمشاركة في الحوار من موقع مختلف عن بقية الأطراف الاجتماعية مثل منظمة أرباب العمل أو اتحاد المزارعين وعمادة المحامين، والتعامل مع المنظمة النقابية على أنها شريك سياسي قوي يريد التحكم في الحوار وفق أجندته وليس وفق التصور الذي وضعه الرئيس.
يأتي هذا في الوقت الذي سيكون فيه اختبار القوة بين إصلاحات الرئيس سعيد وموقف الاتحاد اختبارا للتونسيين وحقيقة مطالبتهم بالتغيير الذي لا يمكن أن يحدث دون ثمن.
طابع سياسي للإضراب
وأضافت هذه الأوساط أن استعراض القوة الذي يظهره بعض قادة المنظمة النقابية خلال حديثهم عن الإضراب ومحاولة تصوير الحكومة في موقع ضعيف ولا تمتلك حلولا ولا أفكارا وغير مستوعبة لدورها، وخاصة الإيحاء بأنها تقول الرأي ونقيضه، وأن ثمة من يحركها من وراء الستار، كلها عناصر تظهر أن الاتحاد لا يقدم أسلوبا للتفاوض ولا يبدي رغبة في المشاركة بمفاوضات جدية للتوصل إلى حلول مع الحكومة تراعي وضع تونس وإمكانياتها وليس بمنطق فرض الشروط من فوق والتلويح بالإضراب.
ورغم نفي الطابع السياسي للإضراب، فإن التصريحات التي تصدر عن قياديين في المنظمة ويلوّحون فيها بأن فشل المفاوضات سيقود إلى عدم الاستقرار تظهر أن الإضراب أبعد ما يكون عن بعده الاجتماعي، والذي يتم اللجوء إليه عادة في حال تكرّرت جلسات الحوار وفشلت، وأن الاتحاد قدم مقترحات كثيرة وقابلتها الحكومة بالرفض.
وتحاول الحكومة الجلوس مع الاتحاد للتفاوض وخاصة من أجل أن تقدم له صورة حقيقية عن إمكانياتها المالية ومدى قدرتها على الإيفاء بتعهداتها في ظل الضغوط المختلفة، وخاصة أزمة القمح والغذاء العالمية، وأولوية حلها مقارنة بالزيادات التي يضغط الاتحاد لفرضها.
وقال سامي الطاهري الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل في تصريحات لإذاعة موزاييك الخاصة ”المفاوضات بهذا الشكل لا يمكن أن تنجح.. وإن لم تنجح لا يمكن أن يكون هناك استقرار اجتماعي”، في تلويح واضح بالمزيد من التصعيد.
فشل المفاوضات
وأعلن اتحاد الشغل الثلاثاء فشل مفاوضات أجريت مع الحكومة حول الإضراب العام المقرر اليوم السادس عشر من يونيو.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل صلاح الدين السالمي إن “المفاوضات مع الحكومة فاشلة وغير مجدية”، داعياً إلى “التعبئة لإنجاح الإضراب”.
ويعتقد مراقبون أن قيادة الاتحاد تعمل على إنجاح الإضراب لاستثماره في تأكيد نفوذها السياسي في البلاد، وأن الرسالة موجّهة بالأساس إلى الخارج لتأكيد أنّ لا حوار مع صندوق النقد الدولي دون المرور بالاتحاد الذي بيده إنجاح المفاوضات أو إفشالها، معتبرين أن هدف الاتحاد إظهار قوته أكثر من إنقاذ البلاد من الأزمة التي تعيشها منذ عشر سنوات، وكان هو نفسه طرفا في ما وصلت إليه من خلال الإضرابات وفرض شروطه على الحكومات الضعيفة السابقة بإقرار زيادات في الرواتب لا تقدر عليها.
معركة قادمة
ويشير المراقبون إلى أن هذا الإضراب سيكون عنوانا لمعركة قادمة بين القوى الراغبة في التغيير والقوى المعارضة له والتي يتزعّمها الاتحاد، وأن موقف التونسيين سيكون محددا في دعم التغيير أو الحفاظ على الوضع كما هو، وإفشال مسار الحرب على الفساد والمحسوبية والمحاصصة السياسية والنقابية في توزيع الحقائب والمهام.
وتظهر استطلاعات رأي مختلفة أن التوجه الغالب في تونس يدعم التغيير، وأنه إذا كان ثمة توافق على دعم قيس سعيد في معركته مع الأحزاب، فإن اختبار القوة بينه وبين الاتحاد سيغير المزاج العام في البلاد ويلحق الاتحاد بالقوى المعارضة للتغيير، وهو ما ستعكسه نسب المشاركة في الإضراب خلال المرحلة القادمة.
ويلاحظ المراقبون أن الحكومة لن تتعامل مع الإضراب باستهانة، وأنها ستدافع عن هيبة الدولة من خلال اقتطاع أيام الإضراب من راتب أيّ شخص يشارك فيه حتى لا يتحوّل إلى ورقة يشهرها الاتحاد متى أراد، وحتى يفهم المشاركون أن الحكومة الحالية غير الحكومات الضعيفة السابقة التي قدمت تنازلات وشجعت المنظمة النقابية على الاستمرار في استعراض القوة وابتزاز الدولة.
وكانت الرسالة واضحة من خلال دعوة رئيس الجمهورية الحكومة إلى التشدد مع الإضراب في قطاع القضاء، حيث قال إن “المرفق العمومي للدولة لا يمكن أن يتوقّف”، وإن “من الضروري اقتطاع أيام العمل واتخاذ جملة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها بالقانون حتى لا يتكرّر المساس بمصالح المتقاضين”.
اللجوء إلى “التسخير”
من جهة ثانية، قال وزير التكوين والتشغيل والمتحدث باسم الحكومة التونسية نصرالدين النصيبي إن الحكومة ستلجأ إلى “التسخير” لضمان الحد الأدنى من الخدمات خلال الإضراب العام.
ويسمح القانون في تونس للسلطات باللجوء إلى “التسخير”، أي انتقاء عدد من العمال أو تكليف الجيش بتأمين الخدمات العاجلة والحيوية خلال الإضرابات، وهو ما لجأت إليه الحكومة في أكثر من مرة.
ويرى محللون سياسيون أن ما بعد الإضراب لن يكون مثل ما قبله، وأن علاقة الدولة بالاتحاد ستتغير وفق ما سينتهي إليه الإضراب من نتائج، وخاصة مدى استيعاب الاتحاد للتطورات الحاصلة في البلاد منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي وتجميد البرلمان ثم حله.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “الاتحاد كان يريد حوارا على شاكلة حوار 2013، وهو ليس حوارا من أجل البلاد، بل مشاورات لاقتسام السلطة، والمطالب اجتماعية فيها أبعاد سياسية”.
وأكّد الربحي أن “التدخل في الشأن السياسي كان واضحا، والاتحاد أراد أن يضع بصمته في المشهد، مثلما كان أغلب زعماء الأحزاب في السابق يحجّون إلى نور الدين الطبوبي للعب دور الوساطة مع رئاسة الجمهورية”.
ليّ ذراع الحكومة
وأضاف الرابحي “هي مطالب اجتماعية بغطاء سياسي، والحكومات المتعاقبة بعد 2011 كان فيها وزير الشؤون الاجتماعية مقربا دائما من الاتحاد، والإضراب العام الذي أقرته المنظمة في عهد حكومة يوسف الشاهد لم يحقق مطالب اجتماعية، بل أبرز دور الاتحاد كلاعب أساسي في المشهد”.
واعتبر أن “الاتحاد يريد أن يمتحن موقعه في المشهد بليّ ذراع الحكومة حتى يسوّق للخارج أنه طرف قوي”.
من جهته، أفاد الناشط السياسي حاتم المليكي بأن “الإضراب نقابي بالأساس وكان مبرمجا قبل تشكيل اللجنة الاستشارية”.
وقال المليكي، إن “هذا التصعيد هو ككل حالات الاحتقان والصراعات التي شهدتها تونس في الماضي، ومن المحتمل أن يتطوّر الصراع في الأيام القادمة”.
واعتبر المحلل السياسي مراد علالة، أن “نقاط الإضراب واضحة وتتعلق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، لكن من الطبيعي جدا عندما يكون باب الحوار السياسي مغلقا يتم الالتجاء إلى المطالب الاجتماعية”.
وأضاف أنه “لو تأسس الحوار الوطني على مبدأ مشاركة الاتحاد، ربما كانت المنظمة ستتراجع عن إقرار الإضراب”.