اتحاد الشغل التونسي يضع نفسه في خدمة أجندات إخونجية
تحذير من صدام متوقع بين المنظمة النقابية ووزارة الداخلية
اتهمت أوساط سياسية تونسية، اتحاد الشغل بالعمل على خدمة الأجندات الإخونجية من خلال التصعيد مع مؤسسات الدولة ووزارة الداخلية، وحذرت من أن أجهزة الدولة لن تقبل -بأي حال من الأحوال- الخطاب الذي يقوم على استنقاصها ويمس بمؤسسة رئاسة الجمهورية والحكومة، والذي يقوم على استعراض القوة والتعامل مع حِلم الدولة على أنه علامة ضعف.
ذلك بعد أن صعّد نور الدين الطبوبي الأمين عام لاتحاد الشغل حدّة خطابه تجاه مؤسسات الدولة، واختار هذه المرة وزارة الداخلية، في خطوة قال مراقبون إنها قد تمهد لصدام بين المنظمة النقابية ووزارة الداخلية؛ وذلك لأن هجوم الطبوبي يتزامن مع تصعيد مماثل تقوم به حركة النهضة الإخونجية وحلفاؤها ليبدو الاتحاد وكأنه وضع نفسه في خدمة أجندة الإخونجية واصطف وراءها.
وقال الطبوبي الأربعاء إن “الاتحاد يطالب بالنأي بالقضاء وبوزارة الداخلية عن أي توظيف سياسي” وعما أسماه بـ”صراع المنظمات والصراعات السياسية”. وأضاف الطبوبي “نلاحظ هذه الأيام مؤشرات خطيرة جدا على الممارسة الديمقراطية وعلى السلم الاجتماعي”.
واعتبر المراقبون أن أمين عام اتحاد الشغل غيّر تكتيكه من استهداف الرئيس قيس سعيد بالتلميح والتصريح والهجوم على الحكومة إلى الاحتكاك بوزارة الداخلية في الوقت الذي يتعرض فيه وزير الداخلية توفيق شرف الدين لاتهامات من جهات مختلفة بسبب تمسك الوزارة بالحفاظ على الأمن القومي للبلاد ورفضها التساهل مع الاحتجاجات لمنع عودة الفوضى التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية.
صراع الاتحاد والدولة
وأشار المراقبون إلى أن قادة الاتحاد يبدون وكأنهم يسعون لجر مؤسسات الدولة إلى رد الفعل والدخول في صراع مع المنظمة النقابية في وقت تركز فيه هذه المؤسسات على المعركة الأهم، وهي مقاومة الفساد السياسي واستعادة هيبة الدولة والقطع مع التدخلات الخارجية في الشأن التونسي، فضلا عن حل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تونس، والتي كان الاتحاد طرفا مساهما فيها من خلال فرض زيادات في الرواتب لا تقدر الدولة على تحمّل تكاليفها.
واعتبر الطبوبي أنه “لا يمكن إصلاح الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس دون استقرار سياسي”، مضيفا أن “الاتحاد ليس حزبا سياسيا ولكنه معني بالشأن السياسي والشأن العام وذلك لقناعته بارتباط الوضع السياسي بالاقتصادي والاجتماعي”.
دور سياسي
ويرى متابعون للشأن التونسي أن تمسك الاتحاد بلعب دور سياسي هو نقطة الخلاف الرئيسية مع قيس سعيد، والتي حالت دون بناء جسور الثقة بين الطرفين، في وقت يعتقد فيه رئيس الجمهورية أن كل طرف يجب أن يلتزم بالتحرك في المربع الخاص به.
ويثبت قيس سعيد أنه يساوي بين المكونات الاجتماعية، وأنه لن يسمح لقيادة الاتحاد بأن تبدو كأنها فوق الجميع أو وصيّة على الدولة، كما أنه حدد دورها بشكل واضح من خلال تشريكها في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني أن مقترحاتها لن تتجاوز البعد الخاص بالنقابة مثل مناقشة أوضاع العمال وإصلاح المؤسسات الحكومية، دون المرور إلى البعد السياسي.
ويحرص الاتحاد على لعب دور في المشهد السياسي على أساس أنه “أقوى قوة في البلاد” وفق توصيف أنصاره؛ حيث سبق أن اقترح خارطة طريق للإصلاحات، وعرض قيادة المفاوضات تحت إشراف قيس سعيد، لكن الأمر لم يسر بالشكل الذي أراده بالرغم من أنه نأى بنفسه عن المعارضة التي تقودها حركة النهضة وجعل نفسه ضمن “الطريق الثالث”.
الدولة تمتحن اتحاد الشغل
ويعتقد المتابعون أن سكوت قيس سعيد والحكومة عن تصعيد حدة الخطاب الصادر عن قيادات الاتحاد، وكذلك سكوتهما عن إقرار الإضراب العام في المؤسسات الحكومية، دليل على أن الدولة تمتحن اتحاد الشغل لترى إلى أين سيصل به خطاب المزايدة قبل أن تتدخل لتضع حدا لمظاهر تحدي الدولة.
ويعتبر هؤلاء المتابعون أن الفرصة مواتية أمام الدولة لتعيد الاتحاد إلى حجمه الحقيقي كمنظمة اجتماعية مهمتها الأصلية التفاوض مع الحكومة، والوصول إلى نتائج توافقية تراعي إمكانيات الدولة من ناحية وحاجة الموظفين والعمال إلى تحسين الرواتب.
ودعوا الاتحاد إلى التخلي عن فكرة التفاوض من موقع قوة والعودة إلى طبيعة العلاقة مع الدولة كما كان عليه الحال قبل 2011 للتمكّن من إنشاء علاقة توافق مع الحكومة، خاصة الحالية التي تريد علاقة قائمة على المصارحة، والجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض ومناقشة جميع الملفات.
ووصف الطبوبي الوضع في تونس بأنه “معقد وصعب”، مشيراً إلى أن “الاتحاد يدرك تعقيدات الوضع ولذلك يسعى لطرح البدائل التي تؤدي إلى وضع أفق يخلق الأمل للتونسيين”.
واعتبر أن “الاتحاد مستهدف وهذا ليس بغريب على اعتبار أن موقفه منحاز إلى مصلحة البلاد والشعب ونابع من تاريخه النضالي ومن ثوابته ومبادئه”، دون الإشارة إلى الجهة التي تستهدفه.
وشدّد على أنه “لا يمكن ترويض الاتحاد أو إخضاعه وأن بوصلته برنامج وطني يخدم مصلحة التونسيين”.
إضراب عام
والثلاثاء أعلن الاتحاد العام للشغل تنفيذ إضراب عام في القطاع العمومي يوم السادس عشر من يونيو الجاري.
وأفاد موقع “الشعب نيوز” التابع للنقابة بأن الهيئة الإدارية للاتحاد قررت موعد الإضراب الذي سيشمل 159 مؤسسة ومنشأة عمومية، ردا على ما أسماه الموقع بضرب الحكومة لمبدأ التفاوض وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية، إلى جانب ارتفاع الأسعار ارتفاعا كبيرا ومستمرا.
ويطالب الاتحاد بتطبيق اتفاقات موقعة مع الحكومة والدخول في مفاوضات لزيادة الأجور بهدف مواجهة الغلاء والشروع الفوري في إصلاح المؤسسات العمومية.
ويعترض الاتحاد على أي خطط لبيع مؤسسات عمومية للقطاع الخاص كما يطلب سحب منشور حكومي يفرض ترتيبات محددة على عملية التفاوض مع النقابات، وهو ما يعتبره الاتحاد قيودا مسبقة على التفاوض.
ويقول مراقبون إن الاتحاد يحتاج إلى أن يلتزم بما يدلي به من تصريحات تفيد برغبته في الحوار والتهدئة لأن الواقع غير ذلك، وإن النقابات تستعد لسلسلة من التحركات الاحتجاجية قد تفاقم الأزمة المالية في البلاد وتهز صورتها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات التي تتطلب مشاركة الاتحاد في صياغتها وتبنّيها عبر مؤسساته لتصبح ملزمة له.
والجمعة اعتبر الطبوبي أن المرسوم الرئاسي المتعلق بالاستفتاء على دستور جديد للبلاد في يوليو المقبل “غير ملزم” للاتحاد.
وأضاف أن “الاتحاد لن يكون حاضرا في الحوار الوطني طالما لم توجد مراجعات قادرة على إنجاح هذا النقاش السياسي حول الخيارات والوضع في البلاد”.