اتحاد “علماء الفتنة”
منير أديب
لم تكتفِ جماعة الإخوان بممارسة الإرهاب على مستوى الإفتاء الشرعي، بل أنشأت لذلك اتحادًا قبل 18 عامًا، كان عنوانًا للفتنة وطريقًا للفوضى.
دعا علماء هذا الاتحاد ومفتوه ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان هكذا ببساطة إلى “قتل المختلفين عنهم”.
أغلب أعضاء ما يُسمى بـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” من جماعة الإخوان الإرهابية، ادعى أنه ترك التنظيم، بينما فتاواه تُخالف ما ادعى وتؤكد في الوقت ذاته أنه لا يزال جزءًا من المشروع السياسي والفكري للجماعة، التي خرج من رحمها ولا يزال يُعبر عنها.
الفكرة الأساسية من نشأة “اتحاد الإخوان” هو أن تكون هناك رابطة تجمع بعض المختصين في علم الشريعة بفروعها ممن ينحدرون من أيديولوجيا واحدة، فضلًا عن القريبين من أفكار التنظيم الإرهابي، حيث يمثل الاتحاد الرابطة البديلة للتنظيم حول هؤلاء المُفتين.
أغلب أعضاء الاتحاد من جماعة “الإخوان” أو ممن تربَّوا على أفكارها، وقد جاؤوا ببعض المختلفين من المذاهب الإسلامية الأخرى، حتى يعطوا شرعية ما لاتحادهم أو ترويجه على أنه ليس إخوانيا، فينخدع البعض فيه، فيما أُسندت لهذا الاتحاد مهمة الحديث في السياسة والخروج على الأمة!
لم يكن تصريح رئيس الاتحاد، أحمد الريسوني، والذي قدم استقالته قبل أيام، والذي دعا فيه للاقتتال بين شعوب المنطقة، وبخاصة بين الشعبين الجزائري والمغربي، بخروج عن السياق العام لفتاواه السابقة أو فتاوى الاتحاد، فالخط الأيديولوجي لأعضائه هو الحاكم لكل فتاواهم وتصريحاتهم.
ما صرح به “الريسوني” ينطوي على دعوة للقتل وإثارة للنعرات والخصومة بين شعبين عربيَّين مسلمَين.
تصريح “الريسوني” لم يختلف كثيرًا عن فتاواه السابقة المثيرة للفوضى في بلاد المسلمين، بإلباسها ثوب الجهاد الوهمي.. وهنا يبدو مشروعه السياسي ومشروع التنظيم، الذي يُعبر عنه، واضحًا في هذه الفتاوى، بل يأتي متسقًا مع ما عبر عنه الرجل وأفتى به في السابق.
تجرُّؤ علماء “الإخوان” على الفتوى وصلت إلى حد إباحة القتل، وهو إنْ دل فإنما يدل على الخط السياسي لعلمائه وانتمائهم الإخواني الإرهابي، وهو ما ينفي عنهم وصف “علماء” لأنهم لم يكونوا مستقلين وإنما يعبرون عن تنظيم خرجوا من بطنه.
صحيح أن أعضاء اتحاد “الإخوان” درسوا الشريعة، ولكنهم لا يُعبّرون عنها في فتاواهم، صحيح أن كثيرًا منهم قرأ ودرس ولكنه لم يعِ ما قرأ ولم يفهم دلالاته، أو فهم وتعمد التضليل وليّ ذراع النصوص التراثية لصنع فوضى في عقول الناس، إنهم لا يُعبرون إلا عن أنفسهم ولا تُرجى منهم فتوى تفيد الناس في حياتهم أو في أُخراهم.
خرج الأمين العام لما يسمى “اتحاد علماء المسلمين”، علي القره داغي، واصفًا تصريحات “الريسوني” الأخيرة بأنها “لا تُعبر عن رأي الاتحاد وإنما تُعبر عن رأي الريسوني الشخصي”، وهنا لم يعتذر أمين الاتحاد عن تصريح رئيسه، الذي كان فتوى وليس رأيًا، بل كان دعوة صريحة للاقتتال والعبث بمصالح الأمة الإسلامية والبلدان العربية.
تصريح الريسوني، باعتباره مسؤولا رسميا عن هذا “الاتحاد”، يدعو ببساطة لسفك المسلمين دماء بعضهم.. لقد افتقد الرجل، الذي يقولون عنه إنه درس “المقاصد الشرعية”، أي قصد شرعي سوى تحقيق الفوضى، كما افتقد أي مصلحة دينية ما عدا الحفاظ على المشروع السياسي الذي يتبناه اتحاده الإخواني!
لم يكن الهدف بالطبع الاعتذار عما قاله الريسوني، ولكن كان المُراد تخفيف حدة الانتقاد التي وُجهت للاتحاد، خشية أن يسقط كما سقط الإخوان أمام شعوب المنطقة.
وعْي شعوب المنطقة العربية كان أسبق من مخططات الإخوان واتحادهم، فحجم وحدة الانتقادات دفعا إلى إجبار “الريسوني” على الاستقالة، ورغم أن تصريحاته كانت قبلها بأسبوعين، فإنه لم يتقدم باستقالته، التي قبلتها الجمعية العمومية للاتحاد، إلا بعد سيل الانتقاد، وبالتالي لم يخرج الأمين العام للاتحاد للتعليق إلا عندما وجد طوفانا من الانتقاد يزحف إلى الاتحاد ومنه إلى التنظيم، الذي يمثل مظلة له.
استقالة “الريسوني” من الاتحاد لا تكفي، فالرجل قدم استقالته وتمسك بما قاله في الوقت نفسه، ترك الاتحاد وبقي على انتمائه لتنظيم الإخوان الإرهابي، وسوف تضعه الجماعة في موقع تنظيمي آخر، وهذا يدل على أن التنظيم يتلاعب باستقرار المنطقة ويعبث بأمنها.
الدور الذي يمثله هذا الاتحاد أخطر بكثير من الدور السياسي للتنظيم في أي بلد، فخطر التنظيم دائمًا في أفكاره، وفتاوى ما يسمى “اتحاد علماء المسلمين” سُمٌّ لا يتوقف أثره في جسد الأمة، وربما ينتقل بين الأجيال التالية حتى يصيب كل قلب وعقل، لذلك أي مواجهة للتنظيم لا تقترب من تفكيك مثل هذه المؤسسات -كهذا الاتحاد- فهي بلا جدوى، فتأثيرها على الأوطان -وعلى الدين نفسه- أخطر من أي تحرك سياسي للتنظيم، وإن كان جميعها خطرًا على الإنسان والإسلام وفكر الاستقرار عمومًا.