اتفاق رأس الحكمة والإخوان «المترنحون»
لكل لغة من لغات العالم معانيها المركبة وتراكيبها المتميزة عن غيرها من اللغات الأخرى، وهنا تظهر روعة وعظمة لغتنا العربية العريقة الغنية.
وعلى الرغم من تعدد اللهجات في عالمنا العربي بين دوله ومناطقه، وما تحمله كل منها من ألفاظ وكلمات دالة وبعضها بليغ، إلا أن البلاغة كلها والتعبير الأدق عن معاني الكلمات ومضامينها يظلان من أبرز سمات لغتنا الفصحى العريقة.
ولذلك نعود إليها هنا في عنوان هذا المقال ومضمونه، ففي معظم المعاجم الرئيسية للغة العربية، خاصة “المعجم الوسيط”، عندما يقال: رُنِّحَ فلانٌ ورُنِّحَ عليه، أي غُشِيَ عليه واعتراهُ وَهنّ وضعفٌ في جسدهِ من ضَرْبِ أَو فَزَعٍ أُو سُكْرٍ. وفيها أيضاً أن المصدر هو: رَنَّحَ، وفعلها المضارع هو يترنَّح، واسم الفاعل هو مُترنِّح، وجمعه مُترنِّحون.
وعن “المترنحين” نتحدث في مقالنا الحالي، فكما أوضحت المعاجم المشار إليها، فإن الشخص المترنح هو ذلك الذي أغمي عليه وفقد وعيه وأصابه تعب وضعف، وأسباب هذا إما أنه قد تم ضربه، وإما أصابه خوف وفزع من شيء أو من شخص، وإما إفراط في شرب الخمر إلى حد السُكْرٍ.
فكل هذه الأعراض قد أصابت، وبصورة لا تحتمل الإخفاء أو الإنكار، منذ يوم الجمعة الماضي كل القائمين على إعلام جماعة الإخوان الموجه من خارج مصر بمختلف وسائله، من قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية وصفحات تواصل اجتماعي، يضطلع به أعضاء منتمون للجماعة أو “ملتحقة” بهم من تيارات أخرى حليفة لها.
وقد بدأت حالة “الترنح” مع مفاجأة إعلان رئيس الوزراء المصري وحضوره حفل توقيع اتفاق بناء مدينة “رأس الحكمة” في شمال غرب مصر، بين وزير الإسكان المصري ووزير الاستثمار الإماراتي.
وكان وقع بنود الاتفاق، “التاريخي” من الناحية الاقتصادية والمالية، والصادم لإعلام الإخوان في ظل ما استمر يشيعه ويروجه من أكاذيب لفترات طويلة حول علاقات مصر والإمارات، على القائمين على ذلك الإعلام، بالضبط ما أوضحته المعاجم من أعراض “الترنح”، من فقدان وعي يصل لحد الإغماء، وشعور بالتعب والوهن، وكأنه تم ضربهم، أو أصابهم خوف وفزع، من هذا الاتفاق بكل بنوده وتفاصيله.
فأما أسباب إصابة هذا الإعلام والقائمين عليه بالترنح فهي أنهم ظلوا طويلاً يكذبون ويشككون في حقيقة العلاقات بين مصر والإمارات، مشيعين بتزييف كامل، أن بين البلدين خلافات عديدة، بل أمعنوا في الكذب ليتحدثوا عن “صراعات” كبرى، خفية وظاهرة، بين القاهرة وأبوظبي، وتعارض عميق وجوهري في المصالح بينهما.
وأعمى الكذب المتواصل أصحابه عن رؤية مئات الإشارات والدلائل في علاقات البلدين الشقيقين، والتي تؤكد أن العلاقات التاريخية بينهما وحرص أحدهما على الآخر ووجوده ومصالحه، لم يصبها أي اهتزاز ذي شأن في أي وقت.
صدق الإعلام الإخواني والقائمون عليه أنفسهم، وظلوا ينتظرون، بطبيعتهم الشامتة والمرجفة، انهيار بلدهم مصر تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية، و”الصدام” العلني المدوي بين أبوظبي والقاهرة، بما يطيح بكل ما بينهما -حسب أمنياتهم المريضة- إلى الأبد، فأصبحوا “سكارى” من فرط إدمانهم لخمر الأكاذيب هذه.
وكان بالتالي طبيعياً ومنطقياً أن يظهر إعلام الإخوان والقائمون عليه من ساعتها، وقد أصابهم “الترنح” الكامل، فلم يعودوا يعرفون ماذا يقولون، وكيف يهاجمون الاتفاق التاريخي، وعلى أي سند يواصلون ترويجهم الكاذب، سواء حول قرب انهيار بلدهم مصر، أو التقويض النهائي لعلاقاتها مع شقيقتها الإمارات.
كانت ضربة الاتفاق “التاريخي” قاضية وغير مسبوقة في تحطيم الأكاذيب التي هي عماد الإعلام الإخواني ونهجه شبه الوحيد، ووضعته والقائمين عليه أمام الحقيقة التي سعوا طوال الوقت لتجاهلها وتزويرها حتى صدقوا أنفسهم: أن بلدهم مصر عصية على الانهيار، وأن علاقات مصر والإمارات أعمق وأصلب بكثير مما يظنون أو يتمنون، ولا تهزها أي أكاذيب أو حتى رياح مهما كانت عاتية.