اختفاء الطبوبي عن المشهد..”عسى المانع خير”
“إن شاء الله المانع خير”، هذا ما تقوله جميع الأطراف السياسية في تونس حيال اختفاء الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي ـ 62 عاما ـ عن المشهد التونسي الذي تؤثثه التصريحات النارية حول خلافات الرئيس قيس سعيد مع خصومه ممن يعرفون باسم “جبهة الإنقاذ الوطني” وبعض حلفائها من النقابيين الذين يتزعمهم الطبوبي.
الاتحاد يؤكد في بيان أن أمينه العام ”في صحة جيدة خلافا لما ذهب إليه خيال البعض وتحدث عن عملية جراحية وغيرها من الإشاعات”.
وسواء كان هذا الاختفاء ناجما عن عارض صحي نتيجة إرهاق كما تشير الفحوصات الطبية أو كان ناتجا عن “عارض سياسي” كما تلـمّح بعض القراءات السياسية، فإن الابتعاد عن الكاميرات والميكروفونات قليلا، من شأنه أن يساعد على فهم الموقع والدور مع إمكانية إعادة تقييم لما يجري برأس باردة، وبعيدا عن الصراخ والتشنجات.
هل يعلم الطبوبي أن بهرج الزعامة والروح الخطابية المرافقة لكاريزما الشخصية قد خبا منذ الزعيم فرحات حشاد ورفاقه المؤسسين لواحدة من أعرق المنظمات النقابية في العالم، وتغيرت الأوضاع والمعطيات وطبيعة الصراعات، من دولة ترزح تحت وطأة الاستعمار وتنخرط جميع فئاتها الاجتماعية في الكفاح لأجل الاستقلال الوطني، إلى دولة ذات سيادة تامة على جميع مؤسساتها ومنظماتها.
هذا ما لا يستطيع فهمه بعض الحالمين بالقيادة في الوقت الضائع والمفتونين بأزمنة سادت ثم بادت، وكان لكلمة “عمّال” فيها سحرها ورونقها وثقلها.
أما اليوم، فالمعطيات تغيرت إلى درجة تقلب الأدوار، وما كان متاحا بالأمس من قدرة على قلب طاولات الحوار في العلاقات المحلية والدولية، صار الآن يُطلب فلا يُدرك ثم إن النضال المطلبي يفقد مصداقيته إن هو تحول إلى طموح سياسي.
والطموح السياسي يتحول إلى فايروس يفتك بصاحبه إن كان الأخير يقدم نفسه كمدافع عن حقوق الشغيلة ومكتسباتها.. عندئذ يُنخر الجسم النقابي ويستفحل صراع المصالح الفئوية داخل أسوار الاتحاد كما يحدث اليوم.
مأزق النهضة
الخلافات والانشقاقات الحادة داخل الجسم النقابي، إما تبرز على شكل صرخات في وجه الخارج للتغطية على الضجة في الداخل أو تفصح عن نفسها في قالب صمت مريب إزاء قضايا جوهرية كالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وكما يحدث الآن.
حركة النهضة الآن في مأزق سياسي واجتماعي وأخلاقي، وهي التي وجدت في قيادة الاتحاد خير من يساندها حين أرادت أن تشوش على استفتاء الدستور العام الماضي، فوجدت في الطبوبي خير مساند بإعلانه الإضراب العام، ودعوته إلى شل البلاد.
هذه “الخدمة الجليلة” التي قدمها الاتحاد العام التونسي للشغل إلى ألد خصوم الرئيس التونسي بعد 25 يوليو 2021، لن ينساها قيس سعيد طبعا، وإن كان ليس من ذاك الصنف الذي يحب الانتقام، لكن الرجل صبور ويؤمن أن غدا لناظره قريب.
القانون الآن في تونس يأخذ مجراه، دون تصعيد دراماتيكي وإخراج مسرحي تقع في نهايته تحية الجمهور على طريقة موليير، لكنه يسير بسلاسة وبعض التعثر دون تجييره إلى حالة شعبوية، وبعض الشخصيات الفاسدة والمحرضة في الاتحاد تتهيأ للمستجدات، وتعمل وفق المثل العامي “إذا حلق جارك بل ذقنك”.
أين البدائل؟
أما السؤال الذي يفرض نفسه، ويود أن يطرحه كل تونسي على الاتحاد: أين البدائل التي وعدتم بتقديمها لحل الأزمة؟
واضح أن المكتوب مبين من عنوانه، كما يقال، إذ لا بديل ولا من يحزنون، وإنما تهديدات بالإضرابات المعطلة سوف يضبطها القانون ولن تعود سلاحا ترهيبيا، كما أن الرأي العام يتذمر منها ويمقتها أكثر من أي وقت مضى.
الحقيقة أن القاطرة التونسية تمضي بالنهضة والاتحاد أو من دون الاثنين.. حتما أفضل على ما يبدو، ذلك أن الشعب التونسي قد تنبه إلى أن أكثر ما يهدد البلاد هو الفساد والتعطيل.
وبناء على ما تقدم، يكمن نجاح خطة الرئيس سعيد بقدر ما تلتقي فيه بأمنية التونسيين ورغبتهم، لذلك لا مكان اليوم في تونس للصراخ السياسي والتحشيد النقابي، لا في الجوامع ولا في الساحات، ولا حتى في المنابر الإعلامية الأجنبية.
كل ما ينبغي أن يعلمه النقابيون المحتشدون خلف نورالدين الطبوبي أو الإسلاميون المراهنون على راشد الغنوشي، أنهم أقلية وليسوا أغلبية كما يتوهم قادتهم، وأن قيس سعيد بدأ مرحلة جديدة في تاريخ تونس، وهي مرحلة الحاكم الذي لا يخاف ولا يتهور، ولا يحكم بسياسة الترهيب والترغيب.
متى يعلم بعض هؤلاء أن الزعامة انتهت في هذا العصر، ولا يسعى لعودتها إلا عقل مريض وواهم.