ارتباك سياسي وتنظيمي في صفوف إخونجية تونس
بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، بتجميد أعمال البرلمان، يسود اعتقاد قوى في المجتمع التونسي بأن إخونجية تونس يعيشون حالة ارتباك سياسي وتنظيمي كبير يهدد مستقبلهم في المشهد السياسي التونسي، ظهر جلياً في عدد من مواقفهم، الأمر الذي تنفيه حركة النهضة الإخونجية وعناصرها، الذين يشددون على أن القرارات “انقلاب” ويدعون للحوار.
الباحث السياسي والأمني، خليفة الشيباني، يرى أن هناك تراجعاً في خطاب الغنوشي تجاه القرارات التي اتخذها الرئيس، ما أحدث خلافات داخل مجلس الشورى لحركة النهضة، مشيراً إلى أن اعتراف الحركة بالوقوع في العديد من الأخطاء “محاولة لامتصاص” ما حدث في 25 يوليو (قرارات الرئيس قيس سعيد).
وعقب إعلان الرئيس قيس سعيد قراراته الاستثنائية، بتجميد أعمال البرلمان الذي تملك فيه النهضة الإخونجية أكبر كتلة لمدة 30 يوماً، وإقالة حليفها رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، اعتبرت الحركة تلك القرارات “انقلاباً على الثورة والدستور”، ودعت أنصارها للخروج للتظاهر و”الدفاع عن الشرعية”.
لكن الغنوشي سرعان ما تراجع عن هذه الدعوة، “تجنباً للعنف”، كما قال. وأضاف في تصريحات إعلامية: “سندعم الرئيس قيس سعيد ونعمل على إنجاحه، بما يقتضي ذلك من استعداد للتضحيات من أجل الحفاظ على استقرار البلاد، واستمرار الديمقراطية”، مؤكداً: “ننتظر خارطة الطريق للرئيس ولا حل إلا بحوار تحت إشرافه”.
الأستاذ #راشد_الغنوشي: لا حلّ لتونس إلا بالحوار والتعاون حتى نحافظ على جذوة #الحرية و #الثورة 🇹🇳 pic.twitter.com/kqGeyXnkZQ
— حزب حركة النهضة (@NahdhaTunisie) August 11, 2021
دعوة الحوار التي أطلقتها النهضة متأخرة
وأضاف الشيباني، أن هذا الاضطراب “يعكس الارتباك الذي وقعت فيه حركة النهضة”، مشيراً إلى أن دعوة الحوار التي أطلقتها الحركة اليوم “متأخرة”، فالرئيس سعيد أكد أن الحوار “لن يكون إلا مع الصادقين”.
من جانبه قال العضو المستقيل من المكتب السياسي لحركة النهضة ورئيس “مركز دراسة الإسلام والديمقراطية” في واشنطن، رضوان المصمودي، إن قرارات مجلس الشورى التي حضرها كانت تؤكد أن ما حصل في 25 يوليو “محاولة انقلابية على الديمقراطية وعلى الدستور”، مشدداً على أن هذا ما يزال هو موقف مجلس الشورى، الذي هو أعلى سلطة في الحركة.
وأضاف المصمودي أن الحركة “لا ترغب في أن تؤول الأمور في ظل هذه الظروف إلى العنف والفوضى”، مشيراً إلى أن قرارات الغنوشي تأتي “في إطار توجهات الحركة، التي تهدف إلى الحفاظ على الديمقراطية أولاً، لذلك تعمل الحركة على التهدئة”.
واعتبر المصمودي، أن هناك “فشلاً في التدبير الحكومي خلال السنوات الأخيرة، تتحمل الحركة جزءاً منه”، داعياً إلى الحوار لمراجعة الدستور والنظام الانتخابي لمواجهة الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
أزمة انسحاب أكثر من مئة قيادي
لكن الباحث السياسي والأمني، خليفة الشيباني، حمل المسؤولية كاملة لحركة “النهضة” في فشل السياسات الحكومية في مجال التنمية ومحاربة الفساد خلال العشر سنوات الماضية.
وقال الشيباني إن النهضة اليوم “تعيش على وقع أزمة بعد انسحاب أكثر من مئة قيادي، والاستقالات المتواترة”، تؤكد أن الحزب يتحمل المسؤولية في الأزمة التي تشهدها البلاد.
واستبعد المحلل السياسي والأمني أن تجد دعوة الغنوشي للحوار صدى عند الرئيس قيس سعيد، الذي أكد أنه “لا حوار مع من أفسدوا وأجرموا سياسياً في حق الشعب التونسي”، معتبراً أن دعوة الغنوشي اليوم هي “مناورة في الوقت بدل الضائع”، فقد كان ينبغي أن يفتح حزب النهضة حواراً في السنوات الخمسة الماضية.
وأقرّت حركة النهضة الأسبوع الماضي بضرورة القيام بـ”نقد ذاتي” لسياسياتها التي اعتمدتها بعد أن قرّر الرئيس قيس سعيّد تجميد أعمال البرلمان الذي يترأسه زعيمها راشد الغنوشي.
الأستاذ راشد الغنوشي: تلقينا رسالة شعبنا و بكل شجاعة سنعلن نقدنا الذاتي ويعلم الجميع أن حركتنا من أهم الأحزاب التي دأبت على هذا النقد الذاتي pic.twitter.com/Dh6sGbf6Pk
— Rached Ghannouchi (@R_Ghannouchi) August 11, 2021
وأكدت الحركة في بيان إثر انعقاد مجلس الشورى “ضرورة القيام بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها، لإعادة النظر في خياراتها وتموقعها بما يتناسب مع الرسائل التي عبر عنها الشارع التونسي وتتطلبها التطورات في البلاد”، مشيرة إلى أنها “تتفهّم الغضب الشعبي المتنامي، خاصة في أوساط الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة”.
وعادت حركة النهضة الإخونجية التي تأسست قبل أربعين عاماً إلى الحياة السياسية في تونس إثر ثورة 2011، وكانت جزءًا من كل البرلمانات ومعظم الحكومات منذ ذلك الوقت، ثم تراجع حضورها بشكل لافت، وانتقل تمثيلها البرلماني من 89 نائباً في عام 2011 إلى 53 (من أصل 217) في الانتخابات التشريعية سنة 2019.