استهداف إخونجي لهوية ليبيا وتماسكها الشعبي والاجتماعي
يربط المثقفون الليبيون بين صعود تنظيم الإخونجية الإرهابي في ليبيا وسيطرة عناصره على عدة مفاصل سياسية منذ 2011، واستدعائه تدخل النظام التركي المباشر في ليبيا من جانب وبين تصاعد الشعور بالعزلة بين مكونات المجتمع الليبي من الجانب الآخر، وتحول الروابط الاجتماعية للمكونات إلى كيانات سياسية مع تعالي الأصوات بدسترة اللهجات المحلية ونسب التمثيل في المسارات السياسية.
وحذر مفكرون وأدباء ليبيون من العبث بوحدة وتماسك الوجدان الليبي، ومحاولات توظيف التنوع العرقي في البلاد وتحويله من مصدر قوة وألق ثقافي، إلى معسكرات للتنازع العرقي تنتج انقساما وجدانيا ينتهي بالتقسيم.
وتتمتع ليبيا منذ مئات السنين بتنوع مكوناتها الاجتماعية، من عرب وتبو وأمازيغ وطوارق وقريتلية (نسبة لجزيرة كريت اليونانية) وكراغلة (نسبة للأتراك المتزوجين من نساء شمال أفريقيا).
هذا التنوع والاختلاف الذي كان سببا في ازدهار الحياة الثقافية الليبية لقرون طويلة، يتعرض منذ 2011 لعملية تحويل إلى عزلة ومصدر خلاف يهدد الهوية الليبية باستهداف نسيجها الوطني.
وشهدت ليبيا الأسبوع الماضي اعتراضات واسعة على نسبة التمثيل في الملتقى السياسي الليبي الشامل المزمع عقده في تونس 9 نوفمبر الجاري.
وفي بيان صدر، يوم الأحد، مما يسمى المجلس الأعلى للأمازيغ معترضا على نسبة التمثيل في الملتقى السياسي الليبي الشامل -وبحسب البيان، قال المجلس إن أمازيغ ليبيا غير ملزمين بمخرجات هذه الحوارات.
وبالتوازي مع ذلك أصدر ما يسمى المجلس الأعلى للطوارق بيانا آخر لنفس السبب منتهيا لنفس النتيجة اعتراضا على نسبة التمثيل.
وفي يونيو الماضي، برر رئيس النظام التركي رجب طيب إردوغان، تدخله العسكري في الأراضي الليبية بأنه تدخل لحماية الليبيين ذوي الأصول التركية، في إشارة إلى الكراغلة المتمركز معظمهم في مدينة مصراتة غرب ليبيا.
ونبه أدباء ومفكرين إلى أن هذه الوقائع وغيرها يتم استخدامها لخلق حالة اضطراب في الهوية الوطنية الليبية والعودة بها إلى الأصول البدائية سواء قبلية كانت أو عرقية، محذرين من تكرار النموذج العراقي واستخدام المكونات الوطنية لمنع قيام الدولة المركزية الموحدة تحت ذات الدعاوى.
ويقول الكاتب والمفكر الليبي عمر الحامدي إن الشعب الليبي شعب واحد والهوية الليبية راسخة وقديمة ومستقرة قدم التاريخ، مؤكدا أن “ما يتردد يأتي في سياق مخططات مرسومة تستهدف وحدة الشعب الليبي”.
ولفت الحامدي إلى أن الدولة الليبية العريقة كانت على الدوام متماسكة رغم ما بها من تباينات واختلافات، نتيجة وعي القبائل الليبية بضرورة الوحدة والتماسك وما يقال عن وجود أقليات تعاني مثل الليبيين ذو الأصول الأمازيغية أو ذوي الأصول الطارقية وغيرها، فهذا غير صحيح.
ولفت إلى أن بلاده “تتعرض لأكبر عملية استهداف لهويتها وتماسكها الشعبي في تاريخها المعاصر، ولأول مرة دون أي دعم دولي لإنقاذها من التدخل القطري والتركي وتنظيم الإخونجية الإرهابي الذي خلق هذه النعرات ويزكيها.
ويرى الأديب والكاتب الليبي فرج رزق أن “المشهد الثقافي في ليبيا منسجما مع مجريات الأحداث، ولم يستطع أن يرسم ملامحه بشكل بارز وسط حزمة الأزمات التي تمر بها البلاد منذ فبراير 2011 حتى يومنا هذا”.
ويضيف “أن هيئة الثقافة أغلب من تقلدوا مهام إدارتها لعبت بهم كرة الصراعات السياسية ومغريات الفرقاء ليتحولوا إلى طرف رئيس في الصراع، ولهذا التحول انعكاس سلبي على الثقافة التي باتت مغتالة بلا هوية، والمثقفين الذين انقسموا إلى مصطفين خلف صفوف المتحاربين منظرين حاملين لواء الحرابة، ضاربين عرض الحائط بالمبادئ والثوابت الوطنية وبين المنزوين الذين تراجعوا خطوة إلى الخلف في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث وفي كلتا الحالتين تُغتال الثقافة وتغيب ملامح مشهدها الحقيقية “.
وأضاف “مع صوت الرصاص وفوهات البنادق اختفى المثقف الحقيقي، وبرز أشباه المثقفين الذي ساهموا في تضخيم الطواغيت “
ويؤكد رزق أن الثقافة لم تكن يوما من أولويات التيارات ذات المرجعية الإسلامية ولم نر أي مشروع ثقافي بخلفية إسلامية، ورغم ذلك رأينا من تمركز في صفوف محسوبة على تنظيم الإخونجية الإرهابي ما أثر سلبا على الثقافة الوطنية وتماسك الهوية الليبية التي تتسم بالوحدة رغم التنوع الداخلي”.
ومن جانبه، قال الأديب حسين المالكي إن “محاولات فرض اللغة الأمازيغية أمر مرفوض من غالبية الشعب الليبي ولا مانع في ممارسة كل من الليبيين ذو الأصول الأمازيغية، أو من أصول التبو والطوارق لعاداتهم في إطار الدولة الليبية الواحدة التي ينتمي غالبية سكانها للثقافة العربية الإسلامية “.
وتابع “نحن إزاء محاولات مريبة لهيمنة كيان ثقافي وهمى مصطنع على الجنوب الليبي، وهناك أطراف خارجية تدعم مجموعات من التبو والطوارق، بغرض عزل الجنوب الليبي، وهذا أمر مستبعد حدوثه في ظل إصرار الشعب الليبي على دولته الكاملة “.
وأكد الأديب الليبي أن “الحل الوحيد الذي يحمي الدولة والهوية الليبية هو الدستور الذي يجعل من ليبيا بلد واحدة ولغة واحدة وعلم واحد، وبناء دولة قوية مرهون بالتأكيد بالحفاظ على الهوية الموحدة المتماسكة تجمع كل الليبيين “
وتعيش ليبيا منذ سقوط حكم العقيد معمر القذافي في أكتوبر 2011 وسط أجواء التوتر والاقتتال الداخلي والصراع السياسي والتدخلات الخارجية.
الأوبزرفر العربي