الأسباب التي دفعت إيران لتغيير اسم ناقلة النفط غرايس 1
تقول الأسطورة المغرقة في القدم، إن مع تدشين كل سفينة جديدة ينقش اسمها في سجل ضخم وعميق يحتفظ به إله البحر المعروف بنبتون عند الرومان وبوسيدون عند الإغريق.
وفي اللحظة التي يتخذ مالكها أو قبطانها قراراً بتغيير اسمها دون احتفالية ومراسم جديدة لتقديم فروض الطاعة والاحترام، يكون قد بدأ بتجاوز إرادة وسلطة الآلهة لصالح غطرسته ومجده الشخصي، ما يستوجب عقاباً على قدر الإثم، يتمثل بغرق السفينة أو على الأقل مواجهتها مشاكل جمة أثناء الإبحار.
كثيرة هي السفن التي لقيت مصيراً مأساوياً بسبب غطرسة قباطنتها كما يقول المؤمنون بالأسطورة وكما تخبرنا الميثولوجيا.
تفسير قديم آخر أكثر واقعية لفكرة الحظ والفأل السيء وراء تغيير الاسم؟
في اليوم الذي تدخل فيه السفينة الخدمة مع اسم يميزها، تبدأ ببناء سمعة خاصة بها عبر موانئ العالم، جيدة أو سيئة. تغيير الاسم المفاجئ سيجعل السفينة وسمعتها عرضة للضياع والخلط وتسبب الكثير من المشاكل لمالكها وقبطانها وطاقمها.
بعيداً عن الأساطير، للحاضر والواقع والتكنولوجيا قول آخر.. قول يحكمه القانون بسيفه القاطع لكل خرافة وعرف..
بات تغيير الاسم حتمياً، على الأقل في حالات محددة.. قد يكون منها كذلك، للمفارقة، حالات تشمل محاولات تهرب من القانون!
الرواية الإيرانية حول تغيير اسم الناقلة
وجهت اتهامات لإيران عند اتخاذها قرار إطلاق اسم أدريان داريا 1 على الناقلة غرايس 1 -التي كانت ترفع علم بنما والتي احتجزتها سلطات مضيق جبل طارق متهمة إياها بنقل نفط إيراني إلى سوريا في مخالفة للعقوبات الدولية والأوروبية- بأنها تحاول التهرب من القوانين الدولية والعقوبات. السفير الإيراني لدى طهران رفض هذه الاتهامات قائلاً إن هذه الخطوة جاءت تماشياً مع القوانين الدولية وأكد أن السفينة لا تخضع لأي حظر، فمع سحب بنما لترخيصها وعلمها ورفع العلم الإيراني كان يجب تسجيلها في إيران وتغيير الاسم.
كيف يمكن لتغيير الاسم أن يكون مدخلاً للتهرب من القانون والعقوبات؟
من أحدث الأمثلة ما قامت به سفينة صينية أثناء تواجدها في المحيط الهندي، حيث أظهرت بيانات تتبع السفن حاملة النفط الخام الكبيرة “باسيفو برافو” مطفأة الأنوار ومقطوع عنها التيار الكهربائي في الخامس من حزيران/ يونيو، ما أدى إلى إغلاق جهاز الإرسال والاستقبال الذي يشير إلى موقعها، بحسب وكالة رويترز للأنباء.
السفينة بحسب التحذيرات الأمريكية كانت تحمل نفطاً إيرانياً بانتهاك للعقوبات الاقتصادية الامريكية.
في 18 تموز يوليو ، تم تنشيط جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بـ “لاتين فينتشر” قبالة ساحل بورت ديكسون، ماليزيا على بعد حوالي 1500 كم من آخر نقطة رصدت عندها باسيفو برافو.
لكن السفينتان قامتا بإرسال رقم التعريف الفريد نفسه الصادر عن المنظمة البحرية الدولية (IMO)، وهو رقم يلازم السفينة مدى الحياة، مما أكد أن الاسمين يعودا لنفس السفينة وأن المالك كان يحاول التهرب من عقوبات النفط الإيرانية.
ألا يفرض القانون الدولي فعلاً تغيير الاسم والعلم لتغيير تبعية السفينة؟
تسجل كثير من الدول أساطيلها لدى بنما لسهولة قوانينها وقلة صرامتها مقارنة بدول أخرى، فهي تتيح ما يعرف بالتسجيل المفتوح وإمكانية توظيف الأجانب، وغياب الضرائب عن الملاك الأجانب، وليس لديها متطلبات صعبة بخصوص حمولة السفن وأعمارها.
هذه الأسباب نفسها جعلت العلم البنمي مطمعاً لتمرير مخططات لبعض الدول قد لا تبدو قانونية تماماً لغيرها أو تنطوي على مخالفات للقوانين الدولية، وهو ما بات يولد مشاكل لبنما وبات يدفعها لشطب تسجيل العديد من السفن من سجلاتها.
هذا ما حصل مع أسطول كبير من السفن وصل عددها لستين مرتبطة بطريقة أو بأخرى بإيران ومن بينها أكثر من عشرين سفينة مملوكة فعلاً لإيران، أحدث مثال غرايس 1.
كما حصل في سياق آخر مع سفن تتبع لمنظمات خيرية تعمل على إنقاذ المهاجرين في المتوسط كسفينة أكواريوس خلال أزمتها الشهيرة على سبيل المثال.
عندما تسحب بنما الترخيص، يتوجب على مالك السفينة تسجيلها في مكان آخر، فبدون ترخيص تعتبر سفينة قرصنة.
إذاً هنا توجب على إيران أخذ خطوات سريعة بتغيير الاسم ورفع العلم الإيراني وإعلان تبعيتها الجديدة.
رمزية الاسم الجديد وعِبَر التاريخ
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بقضية السفينة وما خلفته من توترات، وبالسلوك الإيراني في الخليج خاصة، وفي وقت تنشغل فيه إيران نفسها بمواجهة أزماتها، تجد الجمهورية الإسلامية وقتاً دائماً لتوجيه الرسائل وتسجيل المواقف.
بالعودة للتاريخ، تختار إيران اسماً جديداً لغرايس 1، اسم لا تتكشف للوهلة الأولى أبعاده الرمزية.
الاسم الجديد أدريان داريا يترجم من الفارسية إلى بحر أدريان.
أدريان امبراطور روما الذي بنى أسواراً وتحصينات حجرية اشتهر بها لحماية انكلترا التس كانت مقاطعة رومانية آنذاك من الغزاة القادمين من شمال إنكلترا واسكتلندا، وليحمي حدود امبراطوريته.
جدار أدريان بني عام 122 ميلادية ويمتد من نهر تاين إلى سولواي فيرث في شمال إنجلترا.
بعد 1897 سنة من بناء جدار أدريان عبر شمال إنجلترا، تعيد إيران تسمية السفينة على اسمه.
وفقًا لوكالة فارس الإيرانية فإن اختيار الاسم جاء لسبب واضح: “أدريان داريا 1 كانت جدارًا يحمي مصالح إيران ضد بريطانيا وهو أحد أفضل الأسماء التي سميت بها ناقلة النفط العملاقة هذه بعد انتصارها على الغرب”.
تاريخ من الأسماء
ليست سابقة لهذه السفينة، كما هو حال باقي السفن حول العالم، تتعدد أسباب التغيير والنتيجة واحدة: اسم جديد كل مرة.
تغير تسجيل هذه السفينة مرات عدة، في بلدان عدة ولجهات عدة، بحسب موقع فيسيل فايندر المتخصص بتتبع السفن.
منذ 1997 وحتى اللحظة حازت السفينة على أربعة أسماء.
ميريديان ليون منذ 1997 حتى 2006.
في عام 2006 تغير إلى أوفر سيز ميريديان وبقي كذلك حتى عام 2011.
في 2011 عاد الاسم إلى ميريديان ليون قبل أن يتغير في عام 2013 ويصبح غرايس 1.
الاسم الذي تغير منذ أيام لأدريان داريا 1