في خضم حرب الإباة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ نحو عام، يعيش أطفال القطاع ظروفاً لم يُشهد لها مثيل في أي صراع آخر في العالم، حيث يُعتبر الأطفال الفلسطينيون “الحلقة الأضعف” في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
أما في الضفة الغربية المحتلة، فيواجه الأطفال إلى جانب الاستهداف المباشر، أنواعاً مختلفة من الانتهاكات، لا سيما تلك التي تمارس بشكل ممنهج بحقهم من قبل الجنود الإسرائيليين داخل مراكز الاعتقال.
لجنة حقوق الطفل التابعة إلى الأمم المتحدة أصدرت، الخميس، تقريراً مفصلاً بشأن أوضاع الأطفال في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرةً إلى أن تل أبيب “لم تحترم التزاماتها الدولية بشأن حقوق الأطفال في غزة والضفة الغربية المحتلة”.
اللحظة الأكثر قتامة في التاريخ
ووصف تقرير اللجنة “الاستجابة غير المتناسبة لإسرائيل” ما بعد 7 أكتوبر، بـ”اللحظة الأكثر قتامة في التاريخ الحديث”، إذ يشكل هذا التاريخ بداية انحدار متسارع لحقوق الأطفال الفلسطينيين، ورغم تسجيل نقاط داعمة لحقوق الأطفال في القانون الإسرائيلي، إلا أن هذه القوانين لم تشمل الأطفال الفلسطينيين الذين “سحقت” حقوقهم تماماً في الضفة الغربية، كما في قطاع غزة.
وذكر التقرير أن أطفال غزة ما زالوا يتعرضون لـ”القتل، والتشويه، والإصابة، والاختفاء، والتشريد، واليتم، والمجاعة، إضافة لسوء التغذية والمرض، بشكل فاضح”.
ولفت إلى أن “الهجمات العشوائية التي تشنها إسرائيل على التجمعات السكنية والمناطق المكتظة بالسكان، ومنع وصول المعونات الإنسانية، أدت إلى نزوح ما لا يقل عن مليون طفل، واختفاء 21 ألفاً آخرين، بينما فقد 20 ألف طفل أحد الوالدين أو كليهما، يضاف إليهم 17 ألفاً غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عنهم”، وفق التقرير.
ويشير التقرير الأخير للجنة حقوق الطفل، إلى أن إسرائيل استخدمت في نهاية أبريل الماضي، 70 ألف طن من المتفجرات على غزة، أي أكثر من مجمل القنابل التي ألقيت في الحرب العالمية الثانية، إذ تقدر الأمم المتحدة الفترة اللازمة لرفع الأنقاض في غزة بعد وقف الحرب بنحو 14 عاماً.
وتراقب اللجنة المكونة من 18 عضواً في الأمم المتحدة، امتثال البلدان لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وهي معاهدة تم تبنيها على نطاق واسع لحماية الأطفال من العنف وغيره من الانتهاكات.
40% من ضحايا غزة أطفال
وقال براجي جودبراندسون، نائب رئيس اللجنة ومنسق فريق العمل بشأن إسرائيل، “عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة منذ أكتوبر الماضي قُدر بنحو 40% من مجمل عدد الضحايا، أي نحو 17 ألف طفل”، تبعاً للأرقام الرسمية الأخيرة للأمم المتحدة.
وأضاف: “لكن مأساة الأطفال لا تقاس بهؤلاء فقط، فعدد الذين فقدوا أطرافهم يتراوح بين 3 و4 آلاف طفل، والمصابين بإصابات حرجة يقاربون 8 آلاف، أما الأطفال الذين دفنوا تحت المباني المهدمة، فيُقدّر عددهم بالآلاف، ولكن معرفة العدد الدقيق قد يستغرق سنوات، نظراً للضرر الهائل الذي لحق بالنية المدنية في غزة”.
وتابع جودبراندسون: “بعد عام تقريباً على الحرب المستمرة على غزة، يُعتبر الأطفال الفلسطينيون الحلقة الأضعف في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، إذ يعيش أطفال القطاع منذ 7 أكتوبر، ظروفاً لم نشهد لها مثيلاً في أي صراع آخر”.
وأضاف أن إسرائيل “لا تتخذ أي من تدابير الحماية في غزة”. وتابع: “أجرينا تحقيقات بهذا الشأن، ونعتقد أن إسرائيل تتحمل المسؤولية عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية هؤلاء الأطفال قدر الأمكان وتبعاً للظروف القائمة، لكننا لم نتلق أي إجابات بشان ذلك”.
وأشار إلى أن “الوضع ككل كارثي، لقد كانت هذه الفترة مكلفة جداً بالنسبة للأطفال، وهذا الأمر يشكل عامل قلق، خصوصاً أننا لا نرى نهاية قريبة”.
اعتقالات متزايدة لأطفال الضفة
في حين، أشار إلى أن أطفال الضفة الغربية المحتلة، يواجهون إلى جانب الاستهداف المباشر، أنواعاً مختلفة من الانتهاكات، لاسيما تلك التي “تمارس بشكل ممنهج بحقهم من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي داخل مراكز الاعتقال”.
وبموازاة ما يحدث في غزة، فإن الوضع في الضفة والقدس الشرقية، لا يقل سوءاً بالنظر إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل، ولا سيما تلك التي وقعت عليها إسرائيل، وكانت محل نقاش دام 6 ساعات من قبل اللجنة مع وفد إسرائيلي رسمي رفيع حضر إلى جنيف خصيصاً لهذا الغرض.
آن سكيلتون، رئيسة اللجنة الأممية المعنية بحقوق الطفل وعضو فريق العمل بشأن إسرائيل، قالت إن “أعداد المعتقلين الفلسطينيين من الأطفال تضاعفت في الضفة بشكل متسارع منذ أكتوبر، وازدادت ظروف الاعتقال ضراوة وقسوة”.
وأضافت: “إلى جانب العنف، والاعتداءات الجنسية، والعزل، والتعذيب، يواجه الأطفال في السجون محاكمات عسكرية، وفصلاً تاماً عن ذويهم، ويحرمون من التمثيل القانوني أو مقابلة محامين أو معرفة مدة اعتقالهم”.
وأكدت سكيلتون، التقارير التي خرج بها محامون تمكنوا من زيارة عدد من المعتقلين، وتشير إلى أن الأطفال يعانون داخل السجون من سوء التغذية، والتقرحات، والأمراض الجلدية التي يسببها الاكتظاظ وانعدام سبل النظافة.
وذكرت أن “مشكلة الاعتقال والمعاملة القاسية للأطفال في الضفة تتواصل منذ أمد طويل، خلال لقاء اللجنة الأخير مع إسرائيل عام 2013، قدمت اللجنة توصيات تتعلق بهؤلاء الأطفال، لكن الأوضاع بالطبع اتجهت نحو الأسوأ، فأعداد الأطفال المعتقلين الآن أعلى مما كان عليه في السابق، وارتفع بشكل حاد مقارنة عن العام الماضي. وهناك ادعاءات أيضاً بالعنف قيد الاعتقال، والتعذيب، والاستغلال الجنسي”.
وتشكل قوانين إسرائيلية جديدة تسمح بفترات احتجاز أطول للأطفال مصدر قلق للجنة الأممية، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية لم تنكر هذه القوانين.
إسرائيل تتحمل مسؤولية حماية المدنيين
وحمّلت اللجنة، إسرائيل المسؤولية عن عدم اعتماد أي إجراءات حماية فعالة بحق المدنيين في الأراضي المحتلة، في مرحلة تعد بالغة الكلفة بالنسبة للأطفال بشكل خاص، إذ أشادت بحضور إسرائيل، لكنها قالت إنها “تأسف بشدة لإنكارها المتكرر لالتزاماتها القانونية”.
بدورها، أرسلت إسرائيل، التي صادقت على معاهدة حقوق الطفل في عام 1991، وفداً كبيراً إلى جلسات الاستماع في الأمم المتحدة في جنيف يومي 3 و4 سبتمبر، إذ زعم الوفد أن المعاهدة “لا تنطبق على غزة أو الضفة الغربية”، مشيراً إلى أن إسرائيل “ملتزمة باحترام القانون الإنساني الدولي”، بحسب ما أوردته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وقال جودبراندسون، في هذا السياق، إن “الأمر مخيب للآمال، فإسرائيل لم تستجب لثلاثة قرارات صدرت عن محكمة العدل الدولية هذا العام تدعو لوقف الأعمال العسكرية وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة”، لكنه أبدى أمله بسماع أخبار أفضل عن تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر مؤخراً.
وفي حين تحاول إسرائيل التنصل من مسؤولياتها القانونية تجاه حماية المدنيين الفلسطينيين، ذكرت اللجنة في نقاشاتها الجانب الإسرائيلي بأن “الصكوك الدولية لحقوق الإنسان تنطبق على الأفعال التي تقوم بها الدول في ممارسة ولايتها القضائية خارج حدودها، وخاصة في المناطق المحتلة”.
ولفتت إلى أن الحماية التي توفرها اتفاقيات حقوق الإنسان تستمر حتى في حالات النزاع المسلح أو الاحتلال، مسترشدة بالقرارات الدولية، ولا سيما القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024، حول الآثار القانونية الناجمة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
ولا يمكن فصل الانتهاكات التي تضاعفت منذ السابع من أكتوبر عن سياقها التاريخي، خصوصاً فيما يتعلق بضرب المنظومة التعليمية، أو بالحرمان من الوصول إلى الرعاية الطبية؛ بسبب تقييد حرية التنقل الذي يتحكم به نظام التصاريح الإسرائيلي.
وفي حين خلفت المداهمات العسكرية والعنف غير المقيد والعشوائي، والعمليات العسكرية الكبرى التي استهدفت تجمعات المدنيين في الأعوام 2014 و2017 و2021 و2024، ندوباً نفسية دائمة على الأطفال، قد تشكل أبرز تحديات المستقبل بالنسبة للأطفال الفلسطينيين في مجمل الأراضي الفلسطينية.