الإبادة الجماعية في قطاع غزة تدخل عامها الثاني
الأوبزرفر العربي يرصد خسائر الفلسطينيين البشرية والمادية خلال عام من الإبادة
دخلت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين عامها الثاني، حيث يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي هجماته الجوية والبرية العنيفة التي تستهدف منازل مأهولة وتجمعات للنازحين دون سابق إنذار في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ما يوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة.
هذه الهجمات التي تنفذها قوات الاحتلال تستهدف في غالبية الأحيان مناطق زعمت إسرائيل أنها “مناطق إنسانية آمنة”، وأجبرت الفلسطينيين على النزوح إليها في ظل ظروف صحية ومعيشية غير إنسانية.
كما حولت آلة الحرب الإسرائيلية مناطق وأحياء سكنية كاملة إلى كومة من الركام مستهدفة بذلك المباني والأبراج السكنية والمؤسسات الحكومية والخاصة والقطاع الاقتصادي.
وفيما يلي نرصد الخسائر البشرية والمادية ومعالم الإبادة في قطاع غزة.
الشهداء والجرحى
منذ اندلاع الإبادة الجماعية، قصف جيش الاحتلال بحسب المكتب الإعلامي الحكومي قطاع غزة بنحو 83 ألف طن من المتفجرات، من بينها أسلحة محرمة دوليا مثل القنابل التي تزن 200 رطل من المواد المتفجرة.
هذه المتفجرات، التي ألقيت على رؤوس المدنيين في أنحاء القطاع المختلفة، تسببت حتى الجمعة باستشهاد نحو 41 ألفا و802 فلسطينيا بينهم 16 ألفا و891 طفلا، و11 ألفا و458 سيدة، و986 من الطواقم الطبية، و174 صحفيا، و85 عنصرا من الدفاع المدني.
عدد الشهداء الكبير أدى إلى تيتيم نحو 25 ألفا و973 طفلا في القطاع، بحسب المكتب الحكومي، حيث باتوا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، ما يرفع عدد الأيتام في القطاع إلى 52 ألفا و322 طفلا بينما كان عددهم 26 ألفا و349 حتى عام 2020، وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني.
أما عدد المصابين فقد وصل إلى 96 ألفا و844 آخرين، من بينهم أكثر من 22 ألفا و500 فلسطيني يعانون إصابات تغير حياتهم، بحسب بيان لمنظمة الصحة العالمية في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي.
تشمل تلك الحالات “إصابات خطيرة في الأطراف، وبتر أطراف، وأضرارا في النخاع الشوكي، وإصابات دماغية، وحروقا بالغة، تتطلب خدمات إعادة التأهيل الآن وفي السنوات القادمة”، وفق ذات المصدر.
تدمير ممنهج للمستشفيات
تأتي هذه المتطلبات وسط ظروف صحية صعبة يعاني منها القطاع جراء نقص الأدوية والمستلزمات الطبية والتدمير الممنهج للمستشفيات المركزية والصغيرة في القطاع، حيث تقول منظمة الصحة العالمية، إن 17 مستشفى من أصل 36 في غزة ما زالت تعمل بشكل جزئي، فيما يتم بأغلب الأحيان تعليق خدمات الرعاية الصحية الأولية والمجتمعية بسبب انعدام الأمن، والهجمات الإسرائيلية، وأوامر الإخلاء المتكررة.
لكن المكتب الإعلامي الحكومي يقول إن الجيش أخرج 34 مستشفى و80 مركزا صحيا عن الخدمة، كما استهدف 162 مؤسسة صحية و131 سيارة إسعاف.
الأسلحة المحرمة وأسلحة أمريكية
قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي القطاع بالأسلحة المحرمة وأسلحة أمريكية أبرزها: قنابل من نوع GBU-28، والقنابل الموجهة بنظام GPS بهدف تدمير البنية التحتية، وقنابل الفوسفور الأبيض، والقنابل الغبية أو غير الموجهة، وقنابل “جدام – JDAM” الذكية، وفق ما أعلن عنه المكتب الحكومي في 1 سبتمبر الماضي.
هذا القصف تسبب بتدمير أكثر من 75 بالمئة من القطاع الإسكاني والمستشفيات والمدارس والكنائس، بحسب ذات المصدر.
وبحسب تقييمات الأضرار التي أجراها باحثون في مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون، ونشرتها مواقع أجنبية، فإن أكثر من نصف المباني في جميع أنحاء قطاع غزة تعرضت لأضرار، وارتفعت النسبة إلى ما يقرب من 80 بالمئة في مدينة غزة.
ومن أصل 400 ألف وحدة سكنية في القطاع، دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي نحو 150 ألف وحدة بشكل كلي، و200 ألف وحدة جزئيا، بينما تسبب بتحول 80 ألف وحدة لأماكن غير صالحة للسكن.
هذه المنطقة الجغرافية الضيقة التي تبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا ويعيش فيها نحو 2.3 مليون نسمة، كانت تعاني قبل اندلاع الحرب من أزمة كبيرة في الإسكان، حيث بلغت نسبة العجز 120 ألف وحدة سكنية حتى مطلع عام 2023 .
وبحسب التقارير، فإن عدد الوحدات التي يحتاجها قطاع غزة في الوقت الحالي جراء الحرب تبلغ 270 ألف وحدة على الأقل وهو مجموع إجمالي العجز مع ما تم تدميره كليا.
فيما يحتاج إلى إعادة تأهيل أو إعادة بناء نحو 280 ألف وحدة، وهي مجموع ما دُمر جزئيا إضافة للوحدات غير الصالحة للسكن.
تدمير ملامح الحياة بغزة
إلى جانب ذلك، سعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير ملامح الحياة بغزة حيث حول القطاع وفق تصريحات مسؤولين أممين إلى منطقة “غير صالحة للعيش”.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فإن الجيش دمر 3 كنائس، و611 مسجدا بشكل كلي و214 بشكل جزئي، و206 مواقع أثرية وتراثية، و 36 منشأة وملعبا وصالة رياضية.
كما دمر 125 مدرسة وجامعة بشكل كامل، و337 بشكل جزئي، فضلا عن تدمير كامل لنحو 201 مقر حكومي، وفق المكتب.
المياه والصرف الصحي والبنية التحتية
حتى يونيو/ حزيران الماضي، قدرت وكالة “الأونروا” أن 67 بالمئة من مرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية في قطاع غزة مدمرة أو متضررة جراء الحرب.
وبحسب تقرير لمنظمة “أوكسفام” في يوليو/ تموز الماضي، فإن الحرب أدت إلى إتلاف أو تدمير 5 مواقع للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي كل ثلاثة أيام منذ بداية الحرب.
بحسب بيان مشترك للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وسلطة جودة البيئة، في 5 يونيو/ حزيران الماضي، فإن إجمالي المياه المتوفرة في قطاع غزة تقدر بنحو 10-20 بالمئة من مجمل المياه المتاحة قبل العدوان.
وبذلك تراجعت حصة الفرد الفلسطيني في القطاع من المياه بنسبة 94 بالمئة خلال الحرب، حيث بالكاد يستطيع المواطن في قطاع غزة بحسب منظمة “أوكسفام”، الوصول إلى 4.74 لترات من المياه يومياً، مقارنة بوصوله لنحو 26.8 لتر يوميا لعام 2022، وفق تقرير سابق للجهاز.
وتبقى حصة الفرد الفلسطيني في غزة ضئيلة بموجب ما أقرته منظمة الصحة العالمية من حق كل فرد الحصول على 120 لترا يوميا، بما يشمل الاستخدام الشخصي والمنزلي.
سلاح التعطيش
ويتعمد جيش الاحتلال استخدام التعطيش كسلاح ضد الفلسطينيين في حرب الإبادة، وفق ما أفاد به مسؤولون حقوقيون، فيما صنفته “أوكسفام” ضمن “جرائم الحرب”، حيث يواصل الجيش منع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه المتبقية في القطاع، إلا بكميات شحيحة جدا ما يعيق من وصول الفلسطينيين لحصتهم القليلة.
وأشارت “أوكسفام”، في ذات التقرير، إلى أن تدمير البنية التحتية للمياه والكهرباء والقيود المفروضة على دخول قطع الغيار والوقود (في المتوسط خمس الكمية المطلوبة المسموح بدخولها) إلى انخفاض إنتاج المياه بنسبة 84 بالمئة في غزة، حيث تضررت أو دمرت 88 بالمئة من آبار المياه و100 بالمئة من محطات تحلية المياه.
وفي السياق، انخفضت الإمدادات الخارجية للمياه من شركة المياه الإسرائيلية “مكوروت” بنسبة 78 بالمئة.
أمراض خطيرة
منذ الحرب، بلغت نسبة ما دمرته إسرائيل من مضخات الصرف الصحي نحو 70 بالمئة، فضلا عن تدمير 100 بالمئة من جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومخبرات اختبار جودة المياه، وفق تقرير “أوكسفام”.
تسبب هذا التدمير الواسع في تسرب مياه العادمة إلى الشوارع وخيام النازحين، حيث تتفاقم هذه المأساة في فصل الشتاء، ما يتسبب بانتشار الأمراض في صفوف النازحين، وهذه تهمة وجهها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإسرائيل، في مارس/ آذار الماضي، بتعمد “نشر الأوبئة بغزة”.
وحتى يوليو/ تموز الماضي، عانى أكثر من ربع سكان غزة، وفق أوكسفام، من “أمراض خطيرة” كان يمكن الوقاية منها بسهولة؛ لكن انتشرت بسبب نقص المناعة المتزامن مع تسرب المياه العادمة وشح المياه اللازم للتنظيف والاستخدام الشخصي.
بينما وصل عدد من أصيبوا بالأمراض المعدية إلى أكثر من مليون و730 ألفا من أصل 2 مليون نازح، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
كما ظهر مرض شلل الأطفال في القطاع لأول مرة منذ 25 عاما في أغسطس/ آب الماضي، ما دق ناقوس الخطر ودفع المؤسسات الصحية الدولية لتوفير التطعيمات وإطلاق حملة تطعيم في القطاع بالتعاون مع وزارة الصحة.
سلاح التجويع
إلى جانب التعطيش، يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي التجويع كسلاح لقتل الفلسطينيين في حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها ضدهم في غزة، وسط إدانة أممية ودولية لذلك.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حينما تشكلت ملامح المجاعة والتي بدأت في محافظتي غزة والشمال بسبب الحصار المشدد المفروض عليهما، تتواصل هذه الظروف الغذائية الصعبة التي تسببت بموت نحو 36 طفلا بسبب سوء التغذية.
وفي يونيو الماضي، قالت الأونروا في بيان إن أكثر من 50 ألف طفل في القطاع بحاجة ماسة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، وذلك من أصل مليون و67 ألفا و986 طفلا دون سن 18 عاما، وفق تقرير للجهاز المركزي الفلسطيني.
وتتواصل حلقة التجويع في ظل منع إسرائيل وصول المساعدات الغذائية لغزة إلا بكميات شحيحة، إضافة لاستهداف المخازن الغذائية التي كانت تتواجد في القطاع والمخابز وشاحنات المساعدات والجوعى الذين ينتظرو دورهم للحصول على مساعدات.
وبحسب تقرير نشرته “اوكسفام” في 6 سبتمبر الماضي، فإن 1 من كل 5 أشخاص يعيشون في غزة يواجهون “مستويات كارثية” من الجوع، فيما قال برنامج الأغذية العالمي، في يوليو الماضي، إن نصف مليون شخص في القطاع يواجهون “مستويات كارثية” من الجوع.
وبينما كان يصل قطاع غزة نحو 600 شاحنة محملة بالمواد الغذائية يوميا قبل اندلاع الحرب، تقلصت الأعداد إلى نحو 50 شاحنة أو أقل، فيما تمنع إسرائيل في بعض الأيام دخولها.
ولا يتوقف الأمر على شح كميات الغذاء الواصلة للقطاع، إنما يتعلق أيضا بنوعيته حيث يعتمد غالبية الفلسطينيين هناك على المعلبات التي بالعادة تخلو من العناصر الغذائية المهمة وتحتوي على المواد الحافظة الضارة التي تخفض من مستويات المناعة.
وتشير منظمات أممية إلى تقليص العائلات الفلسطينية بغزة لوجبات الغذاء اليومية وسعراتهم الحرارية بشكل كبير، دون تحديدها.
التدمير الممنهج للاقتصاد
دمرت إسرائيل بشكل ممنهج القطاع الاقتصادي بما فيه المنشآت والمصانع والمزارع وأسواق الأسماك، ما تسبب بخسائر مالية أولية مباشرة قدرها المكتب الإعلامي الحكومي بغزة بحوالي 33 مليار دولار أمريكي.
وبحلول يناير الماضي، تسببت الحرب بفقدان نحو ثلثي الوظائف التي كانت موجود قبل اندلاعها، وفق ما ذكره تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
وإثر ذلك ارتفعت نسبة البطالة في القطاع من 45 بالمئة قبل الحرب إلى 80 بالمئة بعد الحرب، وفق تقرير لمنظمة العمل الدولية في يونيو الماضي.
وبذلك تكون نسبة الفقر في القطاع بحسب تقرير أونكتاد ارتفعت إلى 100 بالمئة، بينما كانت 50 بالمئة قبل الحرب وفق أرقام المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
ووفق أونكتاد، فقد تضرر ما نسبته 80 -96 بالمئة من الأصول الزراعية في القطاع، بما في ذلك أنظمة الري ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين، ما أدى إلى شل القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة بالفعل.
وأوضح تقرير أونكتاد أن 82 بالمئة من الشركات في غزة، التي تشكل محركا رئيسيا للاقتصاد، مؤكدا أن الحرب “وضعت اقتصاد القطاع في حالة خراب”.