الإخوان المسلمون.. تاريخ من المال الأسود
محمد طعيمة
لم تصمد تجمعات الإخوان أمام إغراء المال الأسود لأكثر من عام بعد ثورة 30 يونيو المصرية، فرغم وحدة “العدو والمنافي والملاحقات”، تشظت كواليسها أمام الفضاء العام بموجات متتالية من الاتهامات بين كوادرها وجبهاتها بنهب عشرات ملايين الدولارات، مدتها بها الدوحة وأنقرة لـ”جهاد استعادة الشرعية من النظام العسكري في القاهرة!”، لا جديد في المشهد، والأرجح أنه سيتواصل لسنوات أخرى قادمة.
لظروف اجتماعية مُتفهمة، اعتمد الطالب ثم الخريج، حسن البنا، على التاجر الثري، أحمد أفندي السكري، في تغطية نفقات بداياته. ومع تأسيس كيان الإخوان، تشبعت شرايين مرشده بالمال الأسود مجهول المصدر، أو المنهوب من آبار تبرعات الجهاد والزكاة. البنا سيطرد “كفيله ووكيله العام” السكري من الجماعة عام 1947، لتقدمه بمذكرة تطالب بالتحقيق في فساد مالي وأخلاقي.
عاد البنا من الحجاز عام 1928 عقب لقاء جديد مع الملك عبدالعزيز والمعتمد الأميركي، وأعلن تأسيس جماعته، تيمّنا بـ”إخوان من أطاع”، القوة الضاربة لتأسيس المملكة. بدأ بناء مقر عام للجماعة الوليدة في الإسماعيلية، أسفله مسجد خطط ليكون كبيرا.
المتواتر، كما فبرك البنا، أن مدير شركة قناة السويس الفرنسي، رأى البناء مصادفة وطلب رسما ومذكرة بالمشروع، متعهدا بتبرع الشركة له ضمن أنشطتها الخيرية بمنطقة القناة. يقول إنه نسي الموضوع حتى فوجئ بالشركة تطلب منه الحضور لتسلم التبرع.
كانت 500 جنيه، مبلغا ضخما حسب عصره. غير أن مصطفى الحفناوي (1911 – 1980) واضع الأساس القانوني لتأميم القناة، يكشف في مذكراته التي نشرها ابنه “علي” في باريس في مايو الماضي، أنه لم يجد المبلغ في خانة التبرعات بملفات الشركة الـ65 التي تسلمها عقب التأميم. من أين أتى البنا بالمبلغ؟ لا تسمح إمكانيات الملك عبدالعزيز، حينها، بدفعه. ولو كان كذلك.. لكان الأنسب لجماعة “ربانية” إعلانه بدلا من نسبته إلى ”كُفار”، وفق أدبيات الإسلاميين. الأرجح أنه من جهة غربية ما.
بعدها مباشرة، سيفتح البنا باب تمويل مع القصر، الملك فؤاد ثم نجله فاروق، وعلاقة خاصة مع جلاد الشعب، إسماعيل صدقي، رئيس الوزراء لمرتين، يونيو 1930 – يناير 1933 وفبراير 1946 – ديسمبر 1946. في الثانية موّل أول جريدة للجماعة وبناء مقرها العام في القاهرة، وستتحدث الوثائق الألمانية والبريطانية عن تمويل مزدوج للبنا. وبالتوازي نشط الإخوان في جمع زكاة بحجة إعادة توزيعها، وتبرعات “الجهاد ضد اليهود”. وسيقدم لنا محمد حسنين هيكل وثائق في “العروش والجيوش” تؤكد أن متطوعي البناوية في فلسطين لم يصلوا أبدا إلى “140” مصريا!
سياقات معجونة بالشبهات وسط فورة الحراك المصري السابق لـ25 يناير، وصعود أسهم الجماعة في الساحة السياسية، والمال السياسي الذي نافست به الحزب الوطني في انتخابات 2005، تطايرت اتهامات الثراء غير المفهوم لشخصيات إخوانية بارزة، منها عبدالمنعم أبوالفتوح ابن الأسرة الفقيرة، فرد بأن الشركات يملكها شقيقه أحمد، وكأن الأخ خرج من أسرة أخرى ثرية.
ومع تكرار الجدل حول إنفاق البناوية، أشهر عبدالله الخطيب، مفتي الجماعة البديل في 11 نوفمبر 2008، “حد الحرابة” في وجه الاتهامات “لأن أي نقد يوجه للجماعة يَمس الإسلام!”. مع انتخابات 2010 تكررت الاتهامات، هذه المرة بين قيادات الإخوان، فطالب هيثم أبوخليل، الهارب الآن في تركيا، بشفافية مالية الجماعة، فهدّده قيادي آخر “إللي ح يختلف معانا.. ح نعلّقه بلبوص”، وفق برنامج (مانشيت) الخميس 22 أكتوبر 2010، على قناة “أون.تي.في”.
هيثم كان بين كوادر شبابية صدمتها مظاهر ثراء قياديِّين ومقربين منهم، فوقّع خالد داود، عضو مجلس الشورى وقتها، على بيان يطالب بـ”تفعيل الرقابة على مؤسسات الجماعة المالية”، فرد زميله حمدي حسن مُهددا بفضح “اتهامات مالية كثيرة” للأول. الطرفان ينتميان إلى شعبة الإسكندرية.
خلط الشخصي بالجماعي سياق عرفه البناوية منذ مؤسسهم. في جنازة القيادي محمد هلال فوجئ المشيعون ببنات المتوفى يصرخن في وجه نائب المرشد، محمد حبيب “حسبنا الله ونعم الوكيل”. كان، حسب الفجر 22 نوفمبر 2009، يطالبهن برد عدة ملايين قال إن والدهن استثمرها لحساب الجماعة، مع ضمان حصة مرضية لهن فرفضن.
حال أموال البنّاوية لدى القيادي الراحل محمد شاكر كانت أفضل نسبيا، فمع مرض وفاته تفاوض وأعاد تسجيل جزء من شركاته للمقاولات والسياحة باسم قيادات أخرى، مع وعد بمئة مليون جنيه إضافية. وتوفي قبل أن يردها، ورغم ترحيب ابنته وزوجته الألمانيتي الجنسية بوصيته، رفض إخوته تنفيذها.
خروج الفضائح المالية للعلن دفع الجماعة إلى إعادة ترتيب دفاترها والإمساك بـ”أوراق ضد” تثبت ملكيتها للاستثمارات لا لمن يظهرون كملاك لها، منهم خالد داود والقياديان جمعه أمين ومحمود شكري، وافق داود وشكري ورفض أمين، ثم طلب تسجيل حصة باسم أولاده فرفضت الجماعة. مثل أمين عشرات، بعضهم “فك” الشركات وهرب بأموالها للخارج كما “مجموعة مدارس مدينة نصر”.
فضائح أكثر فجاجة عرفها المهجر، فعلها الملياردير يوسف ندا ضد الملياردير صلاح إبراهيم منافسه، وقتها، على ملف العلاقات الخارجية للجماعة، “علّقه بلبوص” على شاشة الجزيرة مع نجمها الإخوانجي أحمد منصور.
ندا اتهم صلاح في ذمته المالية وبـ”صلات مشبوهة مع الأمني السويسري”، فرد الثاني ببيان يتهمه بفساد أفلس بنك التقوى، ورشوة منصور بـ”ثلاث شقق في مصر الجديدة، ثمن كل منها مليون جنيه” ذكر عناوينها، وبـ”أن منصور تلقى لأعوام رشوة سنوية نظير حلقات أذاعها معه، حوله فيها إلى أسطورة دعوية عالمية”.
البيان نشره موقع “المصريون” الإسلامي في 3 مارس 2007. لم يرد منصور، رغم أن صلاح كرر ما ورد به في أكثر من حوار. صلاح وندا ارتبطت أسماؤهما ببنك التقوى وبفضيحة إفلاسه، كلاهما أقر بالتعاون مع مخابرات سويسرا لكشف ملابسات الإفلاس. والبنك، كان أول وأكبر تجربة مصرفية أُممية “ربانية”، رعتها أسماء بثقل يوسف القرضاوي وزغلول النجار.
مشرقياً، الأبرز هو صراع إخوان الأردن التاريخي مع فرعهم بغزة، حول استقلال حماس إداريا وماليا عنهم. ووفق القدس العربي في 9 مايو 2009، والجزيرة نت في 7 سبتمبر من ذات العام، الخلاف اشتد حول تبعية مكاتب الجماعة بالخليج، قبل تصفية أغلبها، فمنها كان يأتي معظم تمويل حماس، تبرعا واستثمارا، بالتوازي مع اتهامات فساد لاحقت شيوخ جمعية المركز الإسلامي، الذراع المالية لإخوان الأردن منذ عام 1965.
مغربياً، يمسك الزعيم الأسبق لـ”حمس” أبرز تجمعات إخوان الجزائر، أبوجرة سلطاني، بشركات الجماعة الأم وفروعها بالإقليم، يُوصف بأنه الذراع المالية لخيرت الشاطر في دول المغرب.
يكفي البحث على الإنترنت عن ملفات فساد حوله، لتجد اتهامات “إخوانه” الجزائريين له بالفساد، داخل الجماعة وخلال توليه حقيبته الوزارية، قبل أن يضطر إلى الاستقالة منها. سلطاني حاول ركوب مظاهرة للجالية في باريس في 21 أبريل الماضي، فطرد منها.
جنوبا تفضح ويكيليكس سرقاتهم، إذ تتحدث وثائقه عن استغلال النظام الإخواني المعزول فترة حكم عمر البشير لترسيخ هيمنة الجماعة على القطاع الخاص.
وقالت لجنة التحفظ على أموال الإخوان في مصر إنها وضعت يدها على ممتلكات وشركات تتجاوز 2 مليار جنيه. غير أن الباحث في شؤون الإخوان، سامح فايز، الكادر التنظيمي الذي غادرهم قبل 25 يناير، ومؤلف كتاب “جنة الإخوان.. رحلة الخروج من الجماعة”، يقول إن الرقم “تافه جدا” مقارنة بتقديرات أي متابع عن قرب لاقتصاديات الإخوان.