الإخوان بين ادعاء المظلومية والتشفي في الموت
لا شيء غير المظلومية تقتات عليه جماعة الإخوان منذ أكثر من خمسة وتسعين عاماً. وربما لا تجد سوى هذه القشة تُدر عليها تعاطف المجتمع وتربط أعضاءها وأنصارها بها.
الهدف من بكائياتها، إيجاد عاطفة قوية بين قيادات التنظيم وممارساتهم العنيفة التي تخرج عن إطار المنطق وبين بقية أعضاء الجماعة؛ وهنا يُحاول أن يخلق التنظيم مبرراً للسلوك وسبباً مقنعاً على الأقل لدى هؤلاء الأعضاء لعدم الإفصاح عما يجب الإعلان عنه من أنشطة وفعاليات أو ما تقول عنه الجماعة إنه شأن خاص لا يجوز الحديث فيه أو تناوله في الإعلام!
وبالتالي، تمارس الجماعة، السرية المبررة من وجهة نظرها بدعوى أنها مضطهدة، وأنّ هناك من يتصيّد أخطاءها، والحقيقة أنها تعشق الظلام كما يعشقه البوم “الجارح” الذي لا ينشط إلا في الليل أو عند الغسق.
تزداد أحلام التنظيم مع الوقت مثل الحيوانات الليلية التي تكبر عيونها في الليل ويتوسع بؤبؤ عيونها في الظلام بهدف جمع ضوء أكبر حتى يسهل لها الرؤية.
فخلايا التنظيم العصبية تُشبه الحامض النووي الخاص بهذه الحيوانات وتحول النواة الموجودة في الخلية إلى عدسة تجمع الضوء، وهو ما لا يوجد في باقي الحيوانات النهارية ولا حتى في البشر!
بعد أيام قليلة، تحل علينا الذكرى العاشرة لفض اعتصامي رابعة والنهضة المسلحين، اللذين حاولت الجماعة أن تخلق منهما مظلومية أشبه بكربلاء الشيعة، وهنا هدف التنظيم من خلالهما خلق بكائية جديدة بعد أن صارت بكائياته الماضية خلال المائة عام الأخيرة بلا أي تأثير.
الهدف الأهم من وراء خلق بكائية “رابعة” هو القفز على أخطاء قيادات التنظيم الذين أصروا على الاعتصام، كما أصروا على الوقوف أمام قوات الأمن سواء المسلحة أو الشرطة الداخلية والأهم أنهم سلحوا جزءاً من المعتصمين، فبات فض هذين الاعتصامين واجباً أمام القيادة الأمنية بما يُشكله من خطر على الأمن.
فقبل أن يوجه اللوم لقيادات الجماعة المسؤولة عن حالة التردي التي وصل إليها التنظيم، قامت نفس هذه القيادات بخلق بكائية تختلط فيها دموع الندم بدموع الوجع بحيث تضيع معها محاسبتها داخلياً على ما ارتكبته من جرائم بحق التنظيم والوطن معا.
اعتصام رابعة والنهضة كانا مسلحين مادياً ومعنوياً؛ فقد كانت منصة كل منهما يخرج منها التحريض بالقتل عياناً بياناً، كما أن منصة رابعة كانت تضم المجموعات الأكثر تطرفاً، “داعش” و”القاعدة”، فضلاً عن أن هذه القيادات كانت ممثلة بكلمات فوق المنصة، فقد عانت مصر من تحريض هذه المنصة لسنوات طويلة حتى بعد الفض.
كان بحوزة المعتصمين بعض الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وهنا أنقل شهادة شفهية لأحد الإخوان ممن عايشوا هؤلاء المعتصمين على مدار 44 يوماً، حيث قال لي إن مداخل ومخارج الاعتصام كان يقف عليها إخوان المكاتب الإدارية.
كما قال لي إن إخوان المنوفية هم من أطلقوا أول رصاصة من مدخل التأمين عند “طيبة مول”، وهو ما اضطر أجهزة الأمن للتعامل مع مطلقي النيران.
كان هدف أجهزة الأمن فض الاعتصام فقط دون إراقة نقطة دماء واحدة، حتى إنها قامت بخلق ممرات آمنة للنساء والأطفال والرجال من الشباب والعجائز، ولولا أن الإخوان المسلحين صوبوا نيرانهم تجاه أجهزة الأمن، وما شكلته المجموعات الأكثر تطرفاً من خطر حتى كان الاعتصام نقطة جذب لكل هذه التنظيمات التي قامت بقتل ضباط الشرطة، ما خرجت رصاصة واحدة من فوهة سلاح ضابط أمن.
فالدليل على عنف الإخوان وعلى كون الاعتصام كان مسلحاً أنّ أول ضحية تسقط أثناء فض الاعتصام كان ضابط شرطة يؤمن خروج هؤلاء المعتصمين للخارج، وهو ما اضطر أجهزة الأمن للتعامل مع مصدر النيران.
أجهزة الأمن المصرية قامت بتجهيز أتوبيسات نقل كبيرة لنقل المعتصمين إلى حيث مقر إقامتهم في كل المحافظات المصرية، لم يتم قتلهم كما يدعي “إخوان المظلومية” ولم يتم إلقاء القبض عليهم، وهو ما يوضح هدف الدولة من وراء فض الاعتصامين.
كان قرار الاعتصام بميداني رابعة العدوية والنهضة بمثابة طوق نجاة لقيادات الجماعة التي انحرفت بمسار الدولة عندما كانوا بالسلطة في عام 2012 وكان ذلك سبباً في ثورة المصريين على التنظيم، فقرروا الانقلاب على الوطن والتهديد بممارسة العنف من خلال هذين الاعتصامين، حتى وبعد فضهما حولوهما إلى بكائية تصرف تفكير أعضاء الجماعة عن محاسبة هذه القيادات.
تاريخ الجماعة الطويل يحكي عن بكائيات كثيرة عاش عليها التنظيم لفترة طويلة، وربما أنتج الإخوان فيها كتباً ونسجوا حولها روايات، ثم نجحوا في إنتاج أفلام تسجيلية، كل هذا لم يغير من الواقع شيئاً.
المظلومية التي صنعها الإخوان على خلفية فض اعتصامي رابعة والنهضة في ذكراها العاشرة التي تشهد على عنف التنظيم، يتزامن مع شماتة الإخوان الأخيرة في وفاة نجل الفنان المصري حسن يوسف والفنانة شمس البارودي.
ولعل القدر زامن بين ذكرى الفض الذي يدعي الإخوان فيه المظلومية ووجوب محاسبتهم للتحريض على الموت داخل ذلك الاعتصام، بينما هربت أغلب قيادات الجماعة ليلة إعلان الداخلية أنها سوف تقوم بفض الاعتصام فجراً، وبين شماتة الفنان القديم وجدي العربي في وفاة نجل حسن يوسف.
لم يكن هناك جديد في شماتة الإخوان في وفاة شخص ما، ولعل هذه الشماتة سوف تصل إلى كاتب هذه السطور يوماً ما، فهذا ليس بجديد على من أوغل في دماء المصريين، وأشاع فرحاً بقدر الله فيهم.
كما أن التنظيم والانتماء له حوّل فناناً كان دوره في يوم من الأيام إسعاد النّاس بفنه وتهذيب مشاعر النّاس من خلال هذا الفن وما كان يُشارك فيه من أعمال، إلى أداة وظيفية بحيث يتشفى في مَن مات وفقد فلذة كبده، فهذا هو التنظيم وهؤلاء هم قياداته!
عنف الإخوان ليس مادياً فقط، ولكنه امتد لمستوى الفكرة التي باتت مسلحة هي الأخرى، وهذا هو أخطر ما في التنظيم؛ هذه الفكرة لم تتعرض لتحول كما يعتقد البعض وإنما طرحها المؤسس الأول حسن البنا، على ما هي عليه الآن، ولذلك نقول إن قرار العنف عند الإخوان قد يؤجل ولكنه موجود، يستدعيه التنظيم عندما يرى الوقت مناسباً له.
الإخوان كرّسوا إنتاجهم الأدبي وممارستهم السياسية للتسويق بأنهم جماعة دعوية أو سياسية، كما أنهم نجحوا في إقناع البعض بعدم وجود أي علاقة لهم بالعنف، والحقيقة أنهم أكثر التنظيمات ممارسة للعنف وتشفياً في الموت بالوقت نفسه.