الإخوان بين المراجعة والممانعة والتراجع
لم يراجع تنظيم الإخوان الإرهابي أفكاره منذ نشأته آخر عشرينيات القرن الماضي، ولم يتراجع عن ممارسة العنف أو التأصيل له.. كان العنف خِيار الإخوان الأوحد فكريا وسلوكيا.
ورغم أن الجماعة تُسوق بين وقت وآخر بأنها تؤمن بالمراجعة الفقهية وأنها تقبل النقد، فإن واقع ممارستها يخالف ما تزعمه، فالجماعة تتعامل بفاشية مطلقة من واقع إدراكها الضيق بأنها هي الإسلام، وأنها هي التي تحتكر الدين القويم حصرا، إذ إن أفعالها تخالف في كثير من الأحيان أقوالها ودعايتها، وهذا قد يكون الأخطر في التنظيم.
جماعة الإخوان كانت وما زالت منحازة لأفكار سيد قطب، ولا تتخلى، ولن تتخلى عنها، فهو الامتداد الأهم للأفكار التي طرحها المؤسس الأول حسن البنا، فمنذ وفاته والجماعة تبحث عن منظِّر لها وجدته في صاحب “معالم في الطريق”، فما هي إلا سنوات قليلة حتى تولى الرجل عضوية مكتب الإرشاد ومسؤول قسم نشر الدعوة فيها، حسب تسمية الجماعة.
يأتي هذا الحديث بعد نشر نسخة جديدة من كتاب “في ظلال القرآن”، الذي ألفه سيد قطب، وكتب جزءًا كبيرًا منه داخل السجن، في ظروف نفسية غير سوية، دفعته لتجهيل وتكفير المجتمع بالكلية من واقع فهم ضيق لآيات “الجهاد في سبيل الله”، حتى بات الرجل بما كتبه دليلا لكل جماعات العنف والتطرف عالميا، بل باتت كتاباته مرجعًا في هذه الزاوية.
لقد تجاوزنا القول بأن الإخوان راجعوا أفكارهم أو حتى قد تراجعوا عن بعض الأفكار، التي أصّلوا من خلالها للعنف والإرهاب، فالحقيقة أن الإخوان هم من أصّلوا لمفاهيم العنف التي طرحها المؤسس الأول حسن البنا أو المؤسس الثاني للتنظيم سيد قطب، وكل منهما ترك ميراثًا من العنف دافعت عنه الجماعة، وما زالت، بل الأدهى من ذلك أنها فرضت حصارًا على منتقديه.
فقد حاول مؤخرًا أحد قيادات الإخوان نشر النسخة الأولى من تفسير سيد قطب، التي خلت مما لحق بها من بعض مفاهيم العنف فيما بعد، ليجد هجومًا من الإخوان بجبهتيها، فكل منهما يرى صحة ما طرحه سيد قطب من الولاء والبراء والحاكمية وجاهلية المجتمع والعزلة الشعورية وغيرها من الأفكار المنحازة للعنف، وهذا ما يدفعنا إلى القول إن الجماعة لم تراجع أفكارها ولن تراجعها على المدى القريب أو البعيد.
حتى من طرح النسخة الأولى من تفسير سيد قطب لم يبرأ من العنف، فرغم أنه يرفض بعض أفكار صاحب الظلال من الناحية الفقهية، فإنه يقبل بالأفكار نفسها التي طرحها حسن البنا من الناحية الحركية، ولعل انتماءه للتنظيم دليل على ما صُغناه مما يعبر عن علاقته وعلاقة الإخوان بالعنف.
التيار القطبي داخل تنظيم الإخوان هو التيار العام والسائد، فالجماعة يتم تربيتها على أفكار سيد قطب، الذي يمثل النواة الصُّلبة للتربية داخل التنظيم الإرهابي، وبالتالي سيد قطب هو المشترك الأساسي بين الإخوان وكل جماعات العنف والإرهاب الأخرى، مثل “القاعدة” و”داعش”.
لم تُجرِ جماعة الإخوان أي مراجعات على أفكار سيد قطب، بل دافعت عن هذه الأفكار القاتلة وهاجمت كل من أراد طبع نسخ من تفسيره لم تحوِ ما كتبه الرجل بشأن تكفير المجتمع، فهي تعتبر هذه الأفكار “خلاصة ما وصل إليه من اجتهادات”، وأنها “تتوافق مع حقيقة الدين” حسبما فهموه واستغلوه، ولذلك تم تعيين الرجل مسؤولا عن قسم نشر الدعوة، فبعد وفاته تم تدريس كتبه وأفكاره داخل أسر التربية الإخوانية، لخلق إرهابي عتيد.
الحديث عن وجود تياريين داخل التنظيم الإخواني الإرهابي، أحدهما قطبي والآخر ينتمي إلى مدرسة الدعوة المجردة، غير دقيق، فضلًا عن عدم صحته أصلا، فلا يوجد غير تيار واحد داخل التنظيم هو التيار القطبي المتعصب، فلا يمكن أن تفرق بين أفكار سيد قطب وحسن البنا، فالأول امتداد للثاني أو يمكن القول إن “قطب” بمثابة الفكر الحركي للمؤسس الأول للجماعة، فقد قد نقل أفكار المؤسس إلى عالم الحركة الحقيقي.
حسن البنا قبل وفاته أنشأ ذراعًا مسلحة تحت اسم “النظام الخاص”، وتم ممارسة العنف عبر هذا الذراع تحت عينه وموافقته، ولكن سيد قطب نقل هذا العنف إلى مربع آخر، إذ رسّخ لهذه الأفكار، التي لم تتخلّ الجماعة عنها ولم تعتذر عما قام به “قطب” أو “البنا”، ففقه المراجعة غائب عن الإخوان كتنظيم لأن بناءه غير مؤهل لهذه المراجعة بأي صورة.
سوف يظل سيد قطب رمزًا للإخوان بكل ما طرحه من أفكار منحازة للعنف والإرهاب ضد أي سلطة مدنية، فإذا كان حسن البنا قد أنشأ تنظيمًا مسلحا فإن سيد قطب قد أنشأ الأفكار التي ساعدت هذا التنظيم على البقاء، وغذّته بالأفكار، بل كانت سببًا في نشأة أفكار التكفير التي استندت إليها كل جماعات الإرهاب العالمية في العصر الحديث، سواء محلية أو عابرة للحدود.
الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أن الجماعة لم تراجع أفكارها، وأن أي مبادرات فردية في هذا السياق قد تراجعت الجماعة عنها، معتبرة العنف خيارها الأوحد في سياق ظاهرة أكبر أطلقت عليها “الممانعة”.