الإخوان بين ثورتين يوليو 1952 ويوليو 2013
الفارق الزمني بين ثورة الضباط الأحرار في يوليو من العام 1952 وبين إعلان 3 يوليو من العام 2013 هو واحد ستون عامًا، نجح التنظيم من خلال هذه العقود الستة في إعادة إنتاج نفسه، ولكن ثار المصريون عليهم مرة ثانية في 30 يونيو بعد كل هذه العقود حتى تم إعلان الوفاة
الزمن يُكرر نفسه من جديد، والإخوان لم يتغيروا، فقدوا حاولوا قديمًا اختطاف ثورة الضباط المصريين الأحرار عام 1952، كما حاولوا ابتزاز الرئيس جمال عبد الناصر بعد الثورة واستمر الابتزاز حتى محاولة قتله، والأمر نفسه تكرر في العام 2013، ولكن وعي المصريين أوقف مخططات التنظيم وأنهك قوته.
شارك الإخوان في ثورة 1952 ولكنهم لم يكونوا أصحاب الثورة، حاولوا أن يفرضوا وصايتهم على الثائرين آنذاك، وطالبوهم بتغيير هوية الوطن، فسريعًا ما حدث الصدام بعد أن انكشفت نواياهم تجاه الثورة وزعيمها، وكانت محاولة الاغتيال الشهيرة للرئيس جمال عبد الناصر أثناء الاحتفال بعيد الجلاء بميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية في 26 أكتوبر من العام 1954.
ولعل هذا أبلغ رد على التنظيم الذي يدّعي السلمية، وهو الذي مارس العنف بصوره وأشكاله المختلفة، كان دائمًا يختار الزمن والمكان لذلك، استخدم العنف بعد ثورة الضباط الأحرار في العام 1952، واستهدف رئيس الدولة شخصيًا في احتفال شعبي كبير، وبعد ثورة المصريين في 30 يونيو من العام 2013 قام بإنشاء الميلشيات المسلحة التي مارست العنف أشكالًا وألوانًا.
العنف جزء من بنية التنظيم الفكرية، تعامل معها بدهاء منقطع النظير، فلم ينشئ جناحًاً عسكريًا للجماعة، ولكنه عسكر التنظيم من خلال أفكاره، وبالتالي وظف العنف في توقيتات زمنية خاصة أعقبت محاولات التمكين بعد ثورتي 1952 و30 يونيو من العام 2013، وهو ما دفع البعض إلى الظن بسلمية التنظيم رغم استخدامه للعنف وتأصيله له.
مرت 10 سنوات كاملة على إعلان 3 يوليو، والذي مثل إعلان وفاة للتنظيم، رغم محاولات الاستنهاض الذي مارس فيها الإخوان كل أشكال العنف عبر محاولات الاغتيال المعنوي والمادي للأشخاص والهيئات وللدولة الوليدة من رحم ثورة المصريين في 30 يونيو من العام 2013.
الإخوان لديهم القدرة على إعادة إنتاج أنفسهم، رغم ما واجهوه قبل أكثر من نصف قرن، كما أنهم يمتلكون القدرة على أن يثبتوا للنّاس الشيء وعكسه، فهو التنظيم الأكثر عنفًا والذي أصلّ لكل مفاهيمه، إلا أنه روج في أوساط السياسيين والمثقفين ما يُخالف هذا القول، ولكن خاب رجاؤهم أمام وعي المصريين في العام 2013، كما أنهم فشلوا في العودة إلى الحياة من جديد.
الإخوان لم ينتهوا بشكل كامل، قد يكون التنظيم قد تعرض لهزات عنيفة، أضعفته ولكنه مازال يُصارع الموت، ومازالت الجهود متواصلة من أجل تفكيك الفكرة المؤسسة للتنظيم، فبدونها سوف يظهر التنظيم بلون جديد كالحرباء تمامًا، وهنا تبدو أهمية المواجهة الفكرية.
من أخطاء مواجهة الإخوان قبل نصف قرن، أنها اقتصرت على تفكيك التنظيم، فلم يعد هناك تنظيم للإخوان في مصر، ولكنهم عادوا للحياة، لأنه لم تكن هناك مواجهة للأفكار التي تمثل الرافعة الحقيقية للتنظيم، فهي تمثل ماء الترياق، الذي أعاد الحياة لبقايا التنظيم.
دائمًا ما يلعب الإخوان على بعض المساحات الفارغة؛ ولذلك هربوا من القاهرة على خلفية المواجهة الشعبية والأمنية وأقاموا في عدد من العواصم الأوروبية والأفريقية والآسيوية وبعض البلدان العربية، بهدف تقليل حجم الصدامات، وفي نفس الوقت الاستفادة من المناخات السياسية في هذه البلدان حتى يستطيعوا العودة إلى الحياة وإلى البلدان التي حاولوا اختراقها من قبل.
وهو ما لابد أن يستفيد منه المراقبون في المقارنة بين وضع التنظيم بعد ثورة 1952 وما بعد إعلان 3 يوليو عام 2013؛ لابد أن تكون مساحات المواجهة على نفس قدر تحرك التنظيم وأذرعه في الخارج، وألا تقتصر على مواجهة التنظيم فقط ولكن لابد أن يكون لها أفق أبعد لمواجهة التنظيم في الخارج وأن تأخذ نصيب المواجهة الفكرية كاملًا.
المراهنون على بقاء التنظيم، لا يختلفون عن أولئك الذين يُحاولون عودة اللبن إلى الضرع؛ كل منهما يُحاول في المستقبل، رغم أن صنيعه ينتمي إلى الماضي؛ لن يُعود الإخوان للحياة من جديد ولكنهم لم يلفظوا أنفاسهم الأخيرة، وقد يستمر هذا البقاء فترة أطول حتى تكتمل أشكال المواجهة الفكرية.
ليس مفيدًا تصدير الحديث بأن الإخوان لم يعد لهم وجود، أو أنهم قد انتهوا تمامًا؛ بل زال خطرهم، قد يكون لهذا الكلام أساس من الصحة، ولكن قراءة واقع التنظيم بشكل دقيق قد يُساعد في المواجهة الفكرية، خاصة وأن التنظيم مر بعدة تحولات ومتغيرات لابد أن تكون مرصودة حتى يكون للمواجهة أثرُ واقعي.
حركة الإخوان المسلمين في أوروبا مازالت نشطة وربما توحي بإعادة ترتيب صفوفه وتنظيم نفسه في بعض البلدان العربية، ولكن صور مواجهة التنظيم في أماكن تواجده مازالت متواضعة ولم تلامس تحولات التنظيم، كما أنها منصبه على إضعاف التنظيم وليس مواجهته أو قطع رأسه أو تفكيك أفكاره، لعلها مواجهة ضلّت طريقها الحقيقي.
لابد من عدة دروس في ذكرى الاحتفال بإعلان 3 يوليو الذي أنتجته ثورة المصريين في العام 2013، والذي نعيش ذكراه الآن بعد مرور 10 سنوات على ثورة 2013 وأكثر من نصف قرن على ثورة الضباط الأحرار في العام 1952.
لابد من رصد تحولات التنظيم داخليًا وخارجيًا، ولابد أن يكون هذا الرصد واقعيًا وحقيقيًا، ولابد أن يتمتع القائمون عليه بقدرة تحليلية رصينة لأوضاع التنظيم واستشراف مستقبلة، فكلما كانت المقدمات صحيحة كلما كانت النتائج على المستوى المطلوب.
العمل على وضع ملامح المواجهة الفكرية بمستوياتها المختلفة، وأن يُشارك فيها المجتمع المدني، فهذه المواجهة ليست من اختصاصات الحكومات فقط، ولكن لابد من استنهاض السياسيين والمثقفين وقادة الرأي والحالمون بمستقبل واعد لأوطانهم، فهؤلاء البداية الحقيقية لأي مواجهة مع التنظيمات الإسلاموية.
كما لابد أن تكون المواجهة الفكرية شاملة لكل القطاعات التي تُعيد العقل إلى مكان في محاربة كل الأفكار الظلامية التي وضعت غشاوة على مناط التفكير، وأن يكون تجديد الفكر الديني والثقافي والفني في مقدمات هذه المواجهة وفق خطط تعليمية وبرامجية تستهدف تفكيك الأفكار المتطرفة في مهدها، ولعل وضع هذه البرامج هو أعظم احتفال بذكرى الثورتين على الإخوان.