الإخوان بين ضعف البنية والاحتراق
جماعة الإخوان الإرهابية مفككة من داخلها، مخترقة بأفرادها، ولعل حالة الاحتراب بين جبهتيها المتنازعتين تؤكد ضعف بنيتها، وهذا أساس احتراقها ككل.
ما زالت الجماعة الإرهابية تنفي اختراقها، وبالتالي يرفض قادتها أن يكون التنظيم قد تعرض لاحتراق بالفعل، رغم تفتت الجماعة لعدة رؤوس وهياكل تنظيمية في كل جبهة من الجبهات المتناحرة بها قبل سنوات.
ولعل ما جرى في اختراق الإخوان تم بفعل ذاتي أرادته رؤوس الجماعة المتناحرة بسبب خلافاتها، فكل جبهة لها لجانها الإلكترونية، وكل منها تعمل في تسريب أخبار الجبهة المناوئة.
هنا تظهر أهمية الآلة الإعلامية للجماعة، التي يتم الإنفاق عليها ببذخ شديد من أجل رفع الروح المعنوية للتنظيم المحترق من جانب، والتشويش على الواقع الحقيقي له من جانب آخر.
فما تشهده جبهات الإخوان المتناحرة، جبهة الراحل إبراهيم منير، وجبهة محمود حسين، وجبهة المكتب العام أو ما يُعرفون ببقايا حركة “حسم” الإرهابية، التي شكَّلها عضو ما يسمى “مكتب الإرشاد”، محمد كمال، دليل على احتراق التنظيم قبل أكثر من 7 سنوات!.. فقد بدأ اختراق التنظيم منذ وقت مبكر، ولكن ظهرت بوادر الاحتراق عليه عام 2015.. صحيح لم يُدرك التنظيم حجم التحولات، التي تحدث بداخله حاليًّا، مفضلا غض البصر على قراءتها والاعتراف بها، ولكنها بدت الآن أكثر وضوحًا للمراقبين والباحثين، الذين أكدوا أنها بدايات الانهيار الكبير للتنظيم.
فالجماعة، التي كانت تدّعي أنها تنظيم عصيّ على الاختراق، تلك التي تُعاني من الاحتراق الداخلي الآن، كل جبهة من الجبهات المتناحرة بها تتهم الجبهة المقابلة لها في ذمتها المالية، وتتهمها بالفساد الأخلاقي والتنظيمي، كما تراها أنها أخطر على التنظيم من “خصومه”!
الكذب طبعا هو الاتهام الأشهر المتداول بين قادة الجماعة، فقد بات الإخوان مجموعة لصوص كاذبين، وباتت هذه الاتهامات يوجهها أعضاء التنظيم ليس لخصومهم كالمعتاد، بل للجماعة وقادتها.
إحدى المنصات الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي أعلنت في 20 من الشهر الجاري تولي الدكتور صلاح عبد الحق، منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، جبهة إبراهيم منير، ولعل هذا الإعلان المتأخر يؤكد اختراق التنظيم، حيث سبق وأشار باحثون كثيرون إلى هذا القرار قبل إعلانه، حيث يعلم كثيرون خارج التنظيم ما يدور بداخله أكثر من أعضاء وقادة التنظيم أنفسهم.
ورغم إعلان منصات الجماعة الإرهابية تولي صلاح عبد الحق منصب القائم بأعمال مرشد الجماعة، فإن التنظيم تأخر كثيرًا في هذا الإعلان لأسباب تنظيمية ترتبط بالخلافات الداخلية والانشقاقات، التي يمر بها حاليًا، والتي تزداد مع الوقت.
جماعة الإخوان الإرهابية تعاني من سرطان ضرب هيكلها التنظيمي منذ فترة طويلة، والأزمة الكبرى أن قادتها ما زالوا يُكابرون في وصف التنظيم بـ”القوي المتعافي”، ولعل ذلك الإنكار يقودهم إلى الاحتراق الكامل، فكلما طمس الله أعين قادة التنظيم، عجّل بانهياره الكُلي.
لم تجد الجماعة، وسط حالة الاحتراق التي تعيشها هذه، سوى صلاح عبد الحق، لتولي منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، فالرجل بلغ الثمانين، وربما قدرته على الحركة لا تقل عن قدرة التنظيم، الذي أتى على قمته، كلاهما باتا غير قادرين حتى على التفكير بوعي كامل.
اختيار صلاح عبد الحق جاء بوصيّة تركها إبراهيم منير قبل موته، ولعلها فُتحت بعد وفاته، ونفَّذ الإخوان كل ما ورد فيها، وأول طلب بها كان تولّي “عبد الحق” قيادة الجماعة من بعده، فالرجل ينتمي إلى تنظيم عام 1965 مع سيد قطب ومحمد بديع، وكلهم كانوا متهمين بممارسة العنف والانقلاب على السلطة آنذاك.
كذلك ينتمي الرجل إلى جيل التكفيريين القدامى، وإبراهيم منير كان يخشى أن يتم اختطاف التنظيم من بعده.. فقد أراد أن يُسلم الراية لمن هو على شاكلته حتى يسير التنظيم على نهج العنف ذاته، وهو دليل جديد على ألا أمل في هذا التنظيم، فالعنف بداخله شريعة لا يتزحزح عنها.
سوف تُعلن الجماعة خلال الأيام القليلة القادمة بصورة رسمية عن تولي صلاح عبد الحق قيادة التنظيم، وبالتالي سوف نشهد مزيدًا من الانقسام والتشظي داخل التنظيم، ولن يقتصر هذا الانقسام على الجبهات المشار إليها وإنما سوف يشمل الجبهات من داخلها، وهو انقسام داخلي من نوع جديد يدل على حالة الاحتراق المشار إليها سابقًا.
أخَّرت الجماعة إعلان صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، ولكنها باتت مجبرة الآن على هذا الإعلان والتعامل مع تبعاته، ولعل هذا القرار بمثابة المسمار الأخير في نعش التنظيم، خاصة أن اللجان الإلكترونية الإخوانية المناهضة لاختيار “عبد الحق” ما زالت تنشط لمنع هذا الإعلان.