الإخوان بين قرارات الحل وحظر النشاط السياسي
في تاريخ الإخوان المسلمين صدرت 3 قرارات بحل الجماعة وحظر نشاطها العام بصورة كاملة.
الأول كان على خلفية قتل رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها محمود فهمي النقراشي، والثاني على خلفية الوقوف أمام أهداف ثورة يوليو/تموز في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، بينما الثالث ارتبط بتفجير مديرية أمن الدقهلية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013.
الملاحظ في قرارات الحل التي صدرت في حق الإخوان، أنّ اثنين منها ارتبطا بارتكاب الجماعة أحداث عنف، والثالث ارتبط بالإضرار بالأمن القومي للبلاد وتحديدًا الوقوف أمام أحداث ثورة يوليو/تموز في الخمسينيات من القرن الماضي، وإن كان هناك تماس بين العنف والإضرار بالأمن القومي للبلاد في مصر وقرار الحل الأخير في عام 2013.
صدر قرار الحل الأول في عهد الملك فاروق في 8 ديسمبر/كانون الأول من عام 1948، وبعد 20 يوماً من ذلك التاريخ، أقدمت الجماعة على اغتيال رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها محمود فهمي النقراشي، والملاحظ أن الجناح العسكري للجماعة الذي تشكل في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي بدعوى مواجهة الإنجليز هو من قام بتنفيذ عملية الاغتيال.
عملية اغتيال رئيس وزراء مصر قام بها، عبد المجيد أحمد حسن، عضو الجناح العسكري للإخوان أو ما أطلقت عليه الجماعة النظام الخاص، بإطلاق الرصاص على أعلى قمة السلطة التنفيذية آنذاك، فاختبأ الجاني في زي الشرطة وانتظره أمام المصعد في بهو وزارة الداخلية، حيث كان رئيسًا للوزراء ووزيرًا للداخلية في نفس الوقت.
وهذا ربما يُفسر جزءاً من العداء بين جهاز الشرطة والإخوان، ليس من منطلق أنّ الأخير يُهدد الأمن القومي للبلاد، وإن كان ذلك حقيقة لا يمكن تجاوزها، لكن برؤية أنهم اغتالوا وزير داخلية مصر في مبنى وزارة الداخلية!
وانتظر عضو النظام الخاص للجماعة صعود رئيس الوزراء للمصعد حتى أفرغ ثلاث رصاصات في ظهره فسقط رئيس الوزراء صريعًا بعد أن خارت قواه في مبنى وزارة الداخلية؛ والدلالة تبدو واضحة في سلوك الجماعة المرتبط باستخدام العنف وطريقتها حتى في هذه الممارسة، حيث تم إطلاق الرصاص في ظهر رئيس الوزراء ووزير الداخلية -آنذاك- حيث جاءت الخديعة والطعنة من الظهر.
والسبب الظاهر والمعلن لعملية الاغتيال، كما اعترف الجاني الذي تم تكليفه من قبل عبد الرحمن السندي، زعيم الجناح العسكري أو النظام الخاص للجماعة، هو إقدام رئيس الوزراء على حل جماعة الإخوان المسلمين!
الملاحظة الثالثة: إنّ عملية حل جماعة الإخوان المسلمين في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي ارتبطت بقتل رئيس وزراء مصر وليس بممارسة الإخوان للعنف فقط، فقد كان معروفًا أن الجماعة أقدمت على إنشاء جناح عسكري لها، لكن قرار الحل ارتبط باغتيال رئيس وزراء مصر.
وهذا قد يكون ردًا على الذين يُبررون إنشاء الجماعة جناحاً عسكرياً، مدعين أن وظيفته مرتبطة بمواجهة المحتل الإنجليزي في هذا الوقت؛ والحقيقة أن رصاصات هذه المليشيات وجهت إلى صدور المصريين أولاً وقرار حل النشاط كان مرتبطاً بقتل رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها وليس قبله.
قرار الحل الثاني جاء عقب محاولة اغتيال رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر في أثناء احتفاله بعيد الجلاء في ميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية في 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1954، وبالتالي يبدو منطقيًا حل التنظيم ومحاكمة الخلية التي أقدمت على عملية الاغتيال.
جاء أمر الرئيس جمال عبد الناصر بحل التنظيم رد فعل على محاولة اغتياله، كما جاء قرار الحل الأخير في عام 2013 بعد أحداث الفوضى والعنف التي أعقبت تفجير مديرية أمن الدقهلية بالمنصورة في 24 ديسمبر/كانون الأول عام 2013.
وارتبطت قرارات حل الإخوان المسلمين وحظر نشاطها السياسي في الأساس بممارسة التنظيم الإرهابي للعنف والإضرار بالأمن القومي للبلاد -كما بدا في القرارات السابقة- بمعنى أنه كان رد فعل وليس فعلاً، كما يُحاول أن يصور الإخوان في أدبياتهم، بأنّ التنظيم هو من تعرض للاضطهاد السياسي!
ونفهم من ذلك أنّ حل الإخوان لم يكن قرارًا سياسيًا وإنما كان قرارًا شعبيًا، فأنت تتحدث عن شعب ذكي يُدرك حقيقة التنظيم ويُدرك مراميه وخططه، وبالتالي يواجه ذلك برفض شعبي حتى ولو أعطته السلطة قدرًا من حرية الحركة أو الممارسة السياسية.
وهذا يجعلنا نؤكد أن الإخوان لن يتخلوا عن العنف يومًا ما، كما أنّ التنظيم لا يمكن تقويمه أو تهذيبه؛ لأنه ربط نفسه بمفهوم العنف سواء على مستوى الممارسة والسلوك أو على مستوى الأفكار التي آمن بها، وبالتالي هو قابل لتنفيذها في أي وقت، كما حدث بعد عام 2013، عندما نفذ مئات العمليات الإرهابية في مصر.
وهنا لا بد أن يستفيد العالم، خاصة المنطقة العربية من سلوك الإخوان في مصر، التي تمثل بلد المنشأ للتنظيم. إن تجربة مصر في مواجهة الإرهاب قد تكون أكثر وضوحًا وقد تكون ملهمة لغيرها في نفس الوقت، وبالتالي من المهم الاستفادة أيضًا من سلوك التنظيم في المواقف التي أضأنا جوانبها.
نحن بحاجة إلى إعادة قراءة الإخوان المسلمين وقراءة أدبيات التنظيم مع إعادة قراءة الأحداث السياسية التي كانوا طرفًا فيها وإعادة تقييمها من جديد، فلا يمكن قراءة الإخوان قراءة صحيحة بدون إعادة كتابة تاريخهم كمشروع قومي توثيقي، كإحدى أهم أولويات المواجهة في المرحلة المقبلة.
لا بد ألا ينشغل أصحاب القرار السياسي بحظر نشاط الإخوان بقدر انشغالهم بتفكيك هذه الأفكار أو حل التنظيم؛ فالمنع ليس دليلًا على المواجهة ولا تأثيرها، وهذا هو الخطأ الذي لم تتداركه تجارب مواجهة تنظيم الإخوان على مدار العقود الماضية.
لا بد أن تكون المواجهة موجهة بصورة أساسية إلى تفكيك الأفكار، كما لا بد من رعاية مشروع يُعيد قراءة الإخوان المسلمين من خلال تاريخ التنظيم والتنقيب في أدبياته الغائبة، فهذا كله يُساعد في مواجهة التنظيم وتفكيك الأفكار على المديين القريب والبعيد، ما دون ذلك سيظل مجرد محاولات لحظر النشاط السياسي دون أي تأثير لها.