الإخوان والخمينيون.. تشابه يبرر التقارب
بهاء العوام
في الوثائق التي سربتها الصحافة الأمريكية مؤخرا حول التوغل الإيراني في المنطقة، يستوقفك اللقاء السري الذي جمع ساسة طهران مع جماعة الإخوان. ليس الموضوع هو المهم وإنما ذلك التشابه بين عقلية الجماعة وعقلية نظام الملالي في النظرية والتقييم والمحاكمة، وهو ما يفسر وجود تقارب بين الطرفين.
الإخوان أكدوا اللقاء واعترفوا بمضمونه. لم يشعروا بخجل أو حرج في مناقشة قضايا المنطقة مع الإيرانيين الذين لطالما تباهوا باحتلال أربع عواصم عربية. لا يستدعي الأمر إشارة تعجب واحدة، فموقف الإخوان من جميع القضايا يراعي مصلحتهم في المقام الأول، وليس مصلحة الدول التي يدعون الانتماء إليها.
هنا يبرز التشابه الرئيسي بين نظام الملالي وجماعة الإخوان، مصلحة نظام الخميني يمكن أن تكون على حساب إيران، ومصلحة الجماعة أيضاً تعلو فوق مصالح الدول التي تعيش فيها، أو ربما تتطفل عليها بتعبير أدق، وفي سبيل تحقيق هذه المصلحة العليا للإخوان أو الملايين فإن الغاية تبرر الوسيلة أياً كانت.
كل هذا التآمر والإجرام الذين تمارسهما أجهزة الأمن في إيران ضد المحتجين يقول إن الغاية تبرر الوسيلة في الحفاظ على مصلحة النظام. وكل هذه العمالة والخبث الذين يمارسهما الإخوان في مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول، يقول الشيء ذاته، ربما يكمن الاختلاف في بعض الأساليب والأدوات فقط.
في اللقاء الذي وقع عام 2014 وتحدثت عنه التسريبات، طلب الإخوان من إيران التدخل في دول المنطقة. وفي 2019 باركوا العدوان التركي على شمال سوريا. الإخوان هم الإخوان في كل زمان. حسابات تهمش الانتماءات الوطنية من أجل مصلحة الجماعة التي تتلخص في خيارين، امتلاك السلطة أو التخريب.
عندما يفشل الإخوان في الوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها، يبدأون في الانتقام من داخل البلاد، وعندما يحظرون ويلاحقون يقصدون حواضن مثل تركيا ليشنوا من أراضيها معاركهم ضد حكومات “أوطانهم”، فيما تتكفل الفروع الخارجية للتنظيم بإجراء التسويات مع الغرب الذي يدينون له بالكثير.
الخمينيون، ورثة “ثورة” الإمام الخميني، يبعثون أيضاً الفوضى في الأماكن التي يحلون أو يعيشون فيها. في العراق واليمن وسوريا ولبنان أمثلة كثيرة على ذلك. وبينما يزعم الإخوان أنهم في سلوكهم يمارسون المعارضة السياسية ليس إلا، يزعم الخمينيون أنهم يقودون مقاومة عرمرمية ضد قوى الإمبريالية والصهيونية.
لا يكترث الإخوان إن كان سعيهم للسلطة يمر عبر خيانة البلاد، أو يعبر فوق جثث أبرياء، أو يتجاوز كل القيم الأخلاقية في الحياة. والمفارقة أنهم يمارسون الانتهاكات التي يتهمون بها خصومهم. لا يفعلونها بأيديهم وإنما عبر وكلاء لهم في أوطانهم، أو عبر أنظمة الدول التي ترعاهم كرهاً بالدول التي جاؤوا منها.
هنا يكمن وجه الشبه الثاني بين الإخوان ونظام طهران، ألا وهو الاعتماد على الوكلاء والأذرع العسكرية. كلاهما لديه في دول عدة مليشيات وسماسرة وأحزاب وساسة وإعلاميون يعملون لخدمته. لا يعترفون بهم أطفالاً شرعيين لهم في معظم الأحيان، ولكنهم ينفقون عليهم بسخاء ويضربون بهم معارضيهم.
العمل الأساسي للأذرع والوكلاء هو ترسيخ سلطة الإخوان أو الخمينيين في الخارج. المرشد أو الولي هو المرجعية الأولى والأخيرة لهم، وعليه تحمل مسؤولية الحفاظ على ديمومة النظرية التي صنعت من الجماعة تنظيماً دولياً، ومن “الثورة الإسلامية” إخطبوطاً رأسه في طهران وأذرعه تمتد في دول عديدة.
التعريف البسيط للنظرية التي صنعت الإخوان والخمينيين هو الإسلام السياسي، بتعبير آخر استغلال الدين للتعبئة الشعبية خلف فكرة تُقصي الآخر الذي لا ينتمي إليها. فإن لم تكن إخوانياً أو خمينياً فهذا يعني أنك لست مسلماً ولا مؤمناً ولا مقاوماً ولا وطنياً ولا عادلاً ولا حتى إنساناً يستحق الحياة أحياناً.
وحدة النظرية مع اختلاف المسمى، هو تشابه ثالث وهام بين الإخوان والخمينيين. لا نحتاج إلى جهد كبير لتقييم هذه النظرية لأن النتائج تكفي للحكم على الفكرة والتطبيق معاً. تنظيم خرج من عباءته أخطر الإرهابيين في العالم، ودولة يعاني شعبها الفقر والحرمان منذ عقود طويلة لكي ينعم الولي بكل النعم.
ربما الفارق الوحيد بين الخمينيين والإخوان هو المستعمرة. فنظام الولي سيطر على إيران منذ عقود واستعبد البشر والحجر فيها، أما الإخوان فهم لا يزالون يحلمون بمملكة يستبدون بأهلها ويحكمونهم بالحديد والنار. أخفقوا في حكم مصر، وفي دول أخرى أسقطت الأنظمة التي كانوا يحكمون البلاد من خلفها.
ربما يمنح هذا الفارق الإخوان فرصة العمل سراً في دول عدة، ويحميهم من عقوبات دولية أو أمريكية أو أوروبية. ولكن دوام الحال من المحال. كما أن هذا الفارق لا يكاد يذكر أمام نقاط التشابه الكثيرة بينهم وبين الخمينيين. فهما وجهان لعملة واحدة تستخدم في بيع وشراء منتجات الإسلام السياسي حول العالم.