الإخوان وخصومة الدم
سبب الخلاف مع الإخوان المسلمين ارتباط التنظيم بالعنف، فضلاً عن موقفه من الدولة الوطنية، وبالتالي هذا الخلاف ليس سياسيًا ولا يمكن التصالح معه.
خطر الإخوان ليس فقط في ممارسته للعنف لكن في تأصيل التنظيم لهذا العنف؛ فالجماعة نجحت في وضع التأصيل الشرعي الذي اعتمدت عليه كل التنظيمات المتطرفة بدءًا من قاعدة الجهاد وتنظيمي الجماعة الإسلامية المسلحة والجهاد الإسلامي في مصر مرورًا بعدد من التنظيمات المحلية والإقليمية في دول عربية وأفريقية وانتهاءً بتنظيم داعش.
جماعة الإخوان المسلمين هي الأقدم في النشأة بالنسبة للتنظيمات التي سبق ذكرها، وبالتالي نجحت في رسم مسار تنظيمات الإسلام السياسي جميعها ووفرت الغطاء الشرعي والفقهي معًا، أي الوجود الواقعي من خلال الرعاية السياسية، وتحركات بعض هذه التنظيمات في المساحة السياسية والعسكرية أيضا، كما أوجدت المبررات الفقهية والأيديولوجية لوجودها عبر الكتابات والأدبيات التي خلفتها.
وهذا يُضاف للخصومة وربما يكون سر العلاقة بين الإخوان وكل تنظيمات العنف والتطرف في العصر الحديث؛ هذه العلاقة قد تكون مباشرة وعلانية، وقد تكون ضمن سياقات غير معلنة لكنها موجودة؛ قد نتفق أو نختلف على شكل العلاقة، لكن هناك ما يؤكدها ويمكن الاستشهاد بما يُعزز وجودها من سلوك الإخوان في الماضي والحاضر.
يدخل الإخوان معارك فكرية مع الخصوم غالباً ما يحولها التنظيم إلى اتهامات يُوجهها إلى خصومه بأنهم يستهدفون الإسلام من وراء هذه المعارك، وأنّ دوافع خصومه ضد الإسلام وليست ضد التنظيم، وهذه طريقة يستخدمها التنظيم غالبًا ضد المتمرسين من هؤلاء الخصوم، والهدف هو اغتيال هؤلاء الخصوم في عيون العامة والجهلاء!
لعل التنظيم ينجح في بعض الأوقات في التأثير على تنظيمات دينية أخرى متطرفة بعضها قد يكون منافسًا للإخوان، هذه التنظيمات تتأثر بخطاب التنظيم الإرهابي تجاه هؤلاء الخصوم، الذين يعتبرون أنّ أي انتقاد للإخوان هو انتقاد لهذه التنظيمات؛ وهنا تتحد هذه التنظيمات مع الإخوان في معركتها ضد الخصوم.
ينال الإخوان من الخصوم؛ فقد يُشهرون بالأعراض وهذه أخف صور مواجهة الخصوم؛ فاستراتيجية التنظيم مبنية على فكرة الاغتيال، صحيح هذا الاغتيال معنوي وقد يتطور إلى اغتيال جنائي، لكن تأتي فكرة التشهير والنيل من أعراض الخصوم عبر لجان إلكترونية ينفق عليها الإخوان وتُدار من خلال لجان التنظيم السياسية وبعض لجان الإخوان الإلكترونية التي يُشرف عليها التنظيم الدولي وقياداته.
ورث الإخوان مقولات عن مؤسس التنظيم حسن البنا تمنعهم من استخدام سلاح التشهير؛ فالرجل كان يتودد إلى القصر والحكومة في هذا الوقت ويعقد معهما صفقات يستفيد منها التنظيم الوليد آنذاك؛ لكن رأى الإخوان فيما بعد، هذه المقولات أنها بلا معنى في ظل تحولات جذرية حدثت للتنظيم جعلته أكثر ميلًا إلى استخدام العنف بكل درجاته، والعنف اللفظي والاغتيال المعنوي إحدى هذه الدرجات التي لا يمكن التقليل منها أو التغافل عنها.
ولعل العقود التي مر بها التنظيم منذ نشأته قبل أكثر من خمسة وتعسين عاماً كشفته بصورة أكبر وربما أوضحت الفرق بين الشعارات المرفوعة والممارسات العملية للتنظيم المنحاز دائمًا وأبدًا إلى العنف، وبالتالي قد يكون التنظيم مضطرًا للتعامل بفكرة الاغتيال المعنوي مع خصومه حتى إذا لم تأتِ بنتيجة فيكون التعامل الجنائي، وقد يكون الاستخدام الجنائي للعنف في أوقات يُحددها التنظيم كما بدا واضحًا مع نشأة النظام الخاص واللجان النوعية.
وهنا يؤمن الإخوان بفكرة توزيع الأدوار، بمعنى قد لا يستخدم التنظيم العنف المباشر في أوقات زمنية محددة ليس لأنه يؤمن بالسلمية والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله، ولكن لأن هناك من يقوم بهذا الدور أو قد يكون ضرر استخدام العنف أكثر من نفعه في هذا التوقيت، وهنا يتم التخلي بشكل مؤقت عن استخدام العنف الجنائي مقابل عمليات الاغتيال المعنوي للخصوم.
عندما يتم توجيه نقد لقيادات التنظيم من داخل التنظيم تضطر مؤسساته الداخلية لاستخدام هذا السلاح وإشهاره ضد منتقديه من داخل التنظيم، فما بالك واستخدام هذا السلاح ضد خصوم التنظيم من خارجه، خاصة أولئك الذين يضعون أيديهم على القراءة الحقيقية والصحيحة للتنظيم؛ الذي يرى هؤلاء الخصوم هم الأخطر على وجوده البنيوي.
الإخوان حسموا أمرهم فيما يتعلق بالأفكار التي تمثل العمق الفكري والأيديولوجي للتنظيم؛ الذي لم ولن يتخلى عن أفكاره التي بنى عليها مؤسساته وتربى عليها أنصاره وحواريوه حتى باتت جزءاً لا يتجزأ من التنظيم، وهنا يستحيل التصالح مع التنظيم كما يستحيل أنّ يتنازل التنظيم عن هذه الأفكار أو حتى يتراجع عن جزء منها.
نحن مع مراجعات الإخوان أو أي مراجعات تُؤدي إلى تصحيح الأفكار والاعتراف بالخطأ، لكن التنظيم غير قادر على تحقيق هذه الخطوة ولا يمكن أنّ يأخذ قرارًا بذلك لأنه ببساطة غير مؤهل لها، حيث باتت أفكاره الفاسدة هي جزء مُتأصل مما يؤمن به كل الإخوان في كل الأقطار بلا استثناء، إضافة إلى أنّ المؤسس الأول ومرشدي التنظيم بعده علفوا هذه الأفكار وحصونها حتى لا يتم العبث بها.
رفض الإخوان أنّ يكونوا تيارًا مدنيًا أو يكونوا ضمن جمعية مشهرة، بحيث يرى الجميع أفكارهم وبالتالي يمكن انتقادهم أو الاشتباك معهم فتكون مصادر التمويل والإنفاق معلومة للجميع؛ فالجماعة ترفض انتقاد هذه الأفكار داخل هياكل التنظيم، وبالتبعية ترفض هذه الممارسة تجاه أفكارها من خارج التنظيم!
وهذا ما يدفعنا إلى القول إنّ الجماعة لن تكون تيارًا اجتماعيًا عامًا ولن تتحول إلى حزب سياسي، لكنها تُريد أن تكون تنظيمًا يجمع ما بين التيار السياسي والاجتماعي والدعوي، تُريد أن تفعل ذلك، لكن على حساب الوطن والإنسان وهي منحازة بكل أريحية للعنف.
جماعة الإخوان تُريد أن تكون كل شيء وأي شيء ولا ترى لخصومها أو المختلفين معها أي حق في الوجود، وبالتالي تُستخدم أدواتها في العنف ضد كل هؤلاء، ولكن الحقيقة أنها لا تمثل أي شيء ولن تحقق أي منجز في سبيل هدفها هذا..
وهنا يمكن التأكيد على أنّ الخصومة مع الإخوان مرتبطة بممارساته العنيفة المنحازة دائمًا للعنف، خصومة مرتبطة بما سفكه ويسفكه التنظيم من الدماء، وبالتالي لا يمكن التواؤم أو الانسجام مع الأفكار أو حتى مع التنظيم على هذه الخلفية العنيفة.