الاغتيال السياسي طعنة في خاصرة العراق
د. شاكر نوري
ليست هذه الظاهرة حديثة في عالم السياسة بل هي قديمة، وقد طالت كبار الشخصيات في العالم أمثال إبراهام لنكولن، المهاتما غاندي، جون كينيدي، مارتن لوثر كنغ، أنور السادات، محمد بوضياف وغيره، وحولتهم إلى رموز منيرة في سماء الحرية.
ويلتحق بهذا الركب المحلل السياسي والخبير الأمني هشام الهاشمي، حيث يعتصر قلوب العراقيين حزنا وألما على اغتياله في وضح النهار.
وهم يتذكرون ظاهرة الاغتيال السياسي التي شاعت منذ 2003، وإن كانت هذه الظاهرة موجودة بكل العهود السياسية ولكن بطريقة جزئية ومنفردة.
لقد أثار اغتيال هشام الهاشمي، بدم بارد ودون أي وازع أخلاقي وسياسي واجتماعي أمام منزله بمنطقة زيونة ببغداد، على يد عصابة مسلحة خارجة على القانون في 6 يوليو الجاري، عاصفة من التنديد والاستهجان والغضب، محليا وعالميا، ولم تكن زيارة الكاظمي لأسرة القتيل المغدور، سوى إجراء بروتوكولي ليس إلا.
في العراق تمت تصفية العلماء وضباط الجيش العراقي السابق، ضمن خطة منظمة ومستهدفة، وهي ليست جرائم جنائية إنما هي سياسية بالدرجة الأولى، بتأثير وضغط الإيرانيين.
والحكومات العراقية المتعاقبة مسؤولة عن اقتراف هذه الجرائم قانونيا وأخلاقيا ودستوريا مهما كانت توجهاتها، والأيادي التي امتدت إلى اغتيال رموز انتفاضة تشرين هي ذاتها التي قامت بتصفية هشام الهاشمي غدرا وغيلة وسط صمت حكومي مريب وتقاعس في القيام بأية مبادرة لوضع حد لهذه الجرائم الوحشية.
ولا يزال المسؤول عن قتل 600 متظاهر في ساحات التظاهر و200 من المخطوفين و1000 من المصابين، مجهولا.
وليس سرا أن من يقوم بتلك الاغتيالات، الواضحة البصمات، والتي باتت معلومة، هي الدولة العميقة في الكواليس المظلمة التي تنسج هذه الجرائم كالعناكب السوداء القاتلة، والمتمثلة في المليشيات المسلحة والمنفلتة، والتي تمارس الطائفية والفساد والقتل، وتتحكم بمصير العراقيين رغم وجود الأجهزة الأمنية، التي ظلت عاجزة ومكبلة، بل حتى أنها تخشى سطوة هذه المليشيات العابرة لكل الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء.
لا تزال المليشيات، بكل قواها ومعسكراتها وسلاحها، تشيع الخوف والهلع في نفوس المواطنين، وتكتم أصوات المناوئين لها ولمن ينتقد النظام الإيراني، الذي لا يزال يزعزع الحكومات العراقية التي توالت.
ويمارس دور الأخ الأكبر في العراق، ويسهر على أن يسير نظامه وفق تصوراته ومذهبيته وسياسته أمام ضغوطات الحصار الأمريكي.
لا يزال الكاظمي يعلن عن نية حكومته في حصر السلاح بيد الدولة ولكن هو أمر شبه مستحيل وبحاجة إلى ثورة عارمة بل إلى حرب شعواء لأن هذه المليشيات لن تسلّم سلاحها بسهولة لأن في ذلك نهايتها.
ومسلسل الاغتيالات السياسية لم يتوقف أبدا، بل سبق اغتيال هشام الهاشمي غيلة وغدرا، نخبة من العراقيين المطالبين بدولة القانون أمثال هادي المهدي وأحمد عبد الصمد وأمجد الدهامات وثائر الطيب وفاهم الطائي وعلي الخفاجي والروائي علاء مشذوب والناشط صفاء السراي وقبل هؤلاء وبعدهم اغتيلت سعاد العلي ورشا الحسن ورفيف الياسري وتارة فارس وغيرهم.
لم تفرّق هذه الاغتيالات بين كاتب وصحفي ومناضل ومتظاهر ووطني.
ومن ضمنهم هشام الهاشمي، الشخصية الوطنية الشجاعة، والباحث البارز والخبير المرموق في شؤون الجماعات المسلحة والفضاء الأمني، وتنظيمات داعش، وهو يقدم استشاراته للقوات الأمنية ومراكز الأبحاث المحلية والدولية المرموقة مثل المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” و”مركز السياسات الدولية” وغيرهما، بما يتعلق باستراتيجة الحركات الإرهابية، سواء تنظيم داعش أو القاعدة، أو مليشيات الحشد الشعبي، وبقية الجماعات المتطرفة.
لم يكن اغتياله سوى ردة فعل على تغريدته الأخيرة عبر حسابه الرسمي على “تويتر” عن الانقسام أو المحاصصة التي جاء بها الاحتلال، واستبدال الأحزاب الدينية التنافس الحزبي بالطائفي لضمان مكاسبها.
إن اغتيال هذه الشخصية يضع حكومة مصطفى الكاظمي على محك الامتحان الصعب، بين إرادة حصر السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة، أو خيار تركها بيد المليشيات المهيمنة والمسنودة أكثريتها من قبل إيران.
وحادثة الاغتيال هذه أثبتت بما لا يقبل الشك أن لا وجود لأي ثقل كا يُسمى بهيبة الدولة أو احترام الهوية الوطنية أو فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها، وهي عللٌ لا يمكن معالجتها في ظل منهج العميلة السياسية برمتها لأنها أصلا قائمة على المحاصصة الطائفية ومبدأ المكونات التي جاء بها الأمريكان، وأقره الدستور.
العملية السياسية هذه أشاعت ثقافة التنكيل والخطف والتصفية، التي أباحت هدر دم العراقيين الشرفاء والمناوئين للفساد وسرقة المال العام والمحاصصة الطائفية.
إن جريمة اغتيال هشام الهاشمي سُجلت ضد مجهول كما في حالة آلاف القتلى، بل وأكثر من ذلك إنها تركت الباب مفتوحا على مصراعيه أمام سلسلة اغتيالات لا تتوقف إلا بعودة القانون وتفكيك المليشيات وإبعاد التأثير الإيراني. وهذا يعني أن على النهر أن يغيّر مجراه.
الأوبزرفر العربي