الاقتصاد التونسي بوابة قطر للهيمنة على القرار السياسي
قال أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، إن بلاده مستعدة لدعم تونس ومؤسساتها في هذه المرحلة التي تمرّ بها، وهو ما يعكس سعيا قطريا لاستغلال الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس لتوسيع نفوذها داخلها.
وجاءت تصريحات أمير قطر في بيان صادر عن الرئاسة التونسية، السبت، عقب اتصال هاتفي مع قيس سعيد.
وتناول الاتصال العديد من المحاور، من بينها تجديد الشيخ تميم استعداد بلاده لتمويل منصة الإنتاج بسيدي بوزيد وسط البلاد (منصة لتوزيع المنتجات الزراعية). وتطرقت المكالمة أيضا إلى مساهمة دولة قطر في إنشاء “مدينة الأغالبة الطبية”.
وتحاول قطر استمالة الرئيس التونسي قيس سعيد في وقت تصاعدت فيه حدة الخلافات بينه وبين حركة النهضة الإخونجية حليف الدوحة الأول في البلاد، وسط توقعات بتقلص هيمنة النهضة على القرار السياسي لحساب الرئاسة خلال الفترة القادمة.
وسجل الاقتصاد التونسي انكماشا بنسبة 11.9 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، متأثرا بتداعيات وباء كورونا وتدابير الغلق التي مست العديد من القطاعات.
وتتوقع الحكومة انكماشا لم يشهده الاقتصاد الوطني منذ منتصف القرن الماضي، بواقع حوالي 7 في المئة لكامل عام 2020.
وتدرك الدوحة جيدا ما يمثله مشروع “مدينة الأغالبة الطبية” من أهمية بالنسبة إلى الرئيس التونسي وهو المشروع الذي أعلن عنه في يناير الماضي بمناسبة مرور مئة يوم على توليه السلطة.
وفي يوليو الماضي، أعلنت لجنة قيادة تجسيد مشروع مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان، خلال اجتماع بالرئيس الانتهاء من مرحلة الدراسات الأولية للمشروع والمرور إلى المرحلة الثانية.
وقال قيس سعيد حينئذ “بعد وضع التصور العام لهذا المشروع سيبدأ تنفيذه وذلك بعد أن عبر العديد من البلدان والمنظمات الدولية عن الاستعداد لتوفير التمويلات اللازمة له”.
والمشروع هو عبارة عن مدينة للخدمات الصحیة ويهدف إنشاؤها إلى تأمین تلك الخدمات وتقريبھا خاصة من سكان ولايات الجنوب والوسط الغربي. وتعاني أغلب المناطق الداخلية التونسية من التهميش حيث تتركز الخدمات الطبية غالبا في العاصمة والمدن الساحلية.
ويبدو أن الدوحة تتحسب من خلال مساعي تقربها من قيس سعيد إلى ضمان عدم تخلخل نفوذها في وقت تبدو الأمور تسير لصالح الرئيس على حساب الأحزاب وفي مقدمتها حليفتها حركة النهضة الإخونجية التي ساءت مؤخرا علاقتها بالرئاسة لعدة أسباب أبرزها سعي زعيمها راشد الغنوشي الذي يرأس البرلمان أيضا للاستيلاء على صلاحيات الرئيس، خاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية وبالملف الليبي تحديدا.
وعكست الزيارة التي أجراها قيس سعيد إلى باريس تقاربا في الموقفين التونسي والفرنسي بشأن الأزمة في ليبيا وهو الأمر الذي يتعارض مع الموقف القطري التركي وحليفتهما حركة النهضة.
ومنذ وصول قيس سعيد إلى السلطة سعى المحور التركي – القطري لاستمالة الموقف الرسمي التونسي حيث زار تونس كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والشيخ تميم بن حمد، وكانت الأزمة الليبية على رأس جدول أعمال الزيارتين. لكن تلك الزيارات لم تحقق أهدافها، وهو ما اتضح بعد زيارة سعيد إلى باريس حيث أدلى بتصريحات مشككة في شرعية حكومة الوفاق مشددا على ضرورة إجراء انتخابات تجدد الشرعية في البلاد.
وحاول الغنوشي السيطرة على ملف السياسة الخارجية حيث قام بزيارة إلى تركيا أثارت الكثير من الجدل قبل أن يجري اتصالا هاتفيا برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق التي يهيمن عليها الإسلاميون لتقديم التهاني بسيطرة الميليشيات والمرتزقة السوريين على قاعدة الوطية الجوية، وهو ما زاد حدة الغضب من تحركاته التي تهدف للزج بتونس في المحور القطري – التركي.
ونجحت النهضة الإخونجية، التي توصف بأنها ذراع قطر وتركيا في تونس، في فرض الرؤية القطرية – التركية بشأن الأزمة الليبية خلال السنوات الماضية وحتى أثناء تولي الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي للحكم.
وتشهد تونس منذ فترة أزمة سياسية حادة، نتيجة تصاعد الخلافات بين الفرقاء السياسيين، وشبهات تضارب مصالح أجبرت رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على الاستقالة.
وفي الـ25 من يوليو الماضي، كلف الرئيس التونسي، هشام المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة خلال شهر واحد، بدأ يوم الـ26 من يوليو. وأعلن المشيشي مؤخرا أنه سيشكل حكومة مستقلة وهو الأمر الذي أثار حفيظة الأحزاب التي وضعها في موقف صعب، إما المصادقة على حكومة مستقلين أو حل البرلمان والمرور إلى انتخابات مبكرة.
ولن يكون من مصلحة النهضة أو غيرها من الأحزاب إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لاسيما في ظل تراجع شعبية أغلب الأحزاب، بحسب آخر سبر للآراء لمؤسسة “سيغما كونساي”، مقابل صعود أسهم الحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسي التي قادت خلال الفترة الماضية حملة ضد تحركات الغنوشي ولفتت الانتباه لمساعيه للاستيلاء على صلاحيات الرئيس.
ويقول مراقبون إن المشيشي ينفّذ رؤية الرئيس التونسي بتشكيل حكومة كفاءات وطنية تنهي سياسة المحاصصة تحت غطاء التوافق التي كانت تؤيدها حركة النهضة ونجحت في فرضها منذ وصولها إلى السلطة في نهاية 2011.
ويعكس توجه قيس سعيد عزما واضحا على الذهاب في مسار يستهدف تغيير المُعادلة السياسية الراهنة لجهة الابتعاد عن الأحزاب وخاصة منها حركة النهضة الإسلامية، بما يُفسح المجال لسيطرة الرئاسة على زمام الأمور.
الأوبزرفر العربي