الانتخابات الرئاسية 2018: المشهد السياسي المصري من سقوط مبارك إلى بروز السيسي
عاشت مصر أحداثا كثيرة وتغيرات كبيرة منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في كانون الثاني/يناير 2011، إذ انتقلت السلطة من مجلس عسكري انتقالي إلى رئيس إسلامي إخواني انتخب ديمقراطيا في مايو/أيار 2012 قبل أن تعود البلاد لحكم الجيش في 2014. وهي مقبلة على انتخابات رئاسية جديدة من المتوقع أن يفوز فيها الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي.
شهدت الساحة السياسية المصرية منذ اندلاع ثورة يناير 2011 أحداثا كبرى وتغيرات ملموسة على عدد كبير من الأصعدة. أطاحت الثورة بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي دام حوالى 30 عاما، لتصبح البلاد في يد المجلس العسكري الذي أدار شؤونها لفترة انتقالية دامت عاما ونصف العام وحتى بداية شهر يونيو/حزيران العام 2012.
أول انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الثورة
وأظهرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نهاية العام 2011 الثقل الكبير للتيار الديني في البلاد مثل جماعة “الإخوان المسلمون” والأحزاب السلفية التي حصدت غالبية المقاعد في البرلمان. وأجريت أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في تاريخ البلاد في مايو/أيار 2012، تنافس فيها عشرة مرشحين في جولتها الأولى وصعد منهما مرشحان إلى الجولة الثانية، ممثل “الإخوان” محمد مرسي وممثل النظام القديم الفريق أحمد شفيق. وكانت الغلبة لمحمد مرسي بفارق ضئيل عن منافسه، وهو الأمر الذي عكس مدى انقسام الشارع المصري حيال النظام الجديد (ذي الصبغة الدينية) والقديم (ذي الصبغة المدنية).
أثارت سياسات الرئيس محمد مرسي سخط قطاعات واسعة من الشعب المصري وخاصة العلمانيين واليساريين وغير المتدينين وحتى المواطن البسيط الذي ليس له انتماءات سياسية. وتفاقمت الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية ما دفع المعارضين إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في 30 يونيو/حزيران 2013 خرج بعدها الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك ليوجه إنذارا للرئيس مرسي بضرورة المسارعة بحل المشكلات السياسية مع التيارات الأخرى وإلا كان مصيره العزل.
عزل محمد مرسي وبداية الفترة الانتقالية
ولكن محمد مرسي رفض إنذارات الجيش ليجد نفسه معزولا في 3 يوليو/تموز 2013 وسط تأييد شعبي وسياسي كبير وبمساعدة الجيش، تحرك وصفه الكثيرونبالانقلاب العسكري والخروج عن الشرعية الانتخابية. ووفقا للدستور المصري تولى رئيس المحكمة الدستورية العليا وقتذاك عدلي منصور رئاسة البلاد مؤقتا لفترة انتقالية دامت عاما. لتبدأ بعدها حملات اعتقال واسعة وقمع منظم لأنصار التيار الإخواني انتهت بفض اعتصامهم في ميدان رابعة العدوية في العاصمة القاهرة بالقوة في 14 أغسطس/آب 2013 ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن ألف شخص، كماحظرت السلطات من جديد جماعة “الإخوان المسلمون” واعتبرتها “تنظيما إرهابيا”.
ولم يسلم الناشطون اليساريون والعلمانيون من القمع أيضا، فقد طاردت الدولة حركات شبابية مثل “6 أبريل” و”الاشتراكيون الثوريون” ووضعت قياداتها في السجون وحكم القضاء عليهم بأحكام قاسية.
انتخابات رئاسية من جديد
وبنهاية الفترة الانتقالية في مايو/أيار 2014 نظمت انتخابات رئاسية شارك فيها مرشحان فقط: المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، الذي تخلى عن منصبه العسكري، وحمدين صباحي ممثل التيار المدني. فاز بتلك الانتخابات، والتي كانت نتيجتها معروفة سلفا نظرا للشعبية الجارفة التي كان يتمتع بها المرشح الفائز، عبد الفتاح السيسي وأصبح رئيسا للبلاد بعد فوزه بنتيجة ساحقة تخطت 95 بالمئة من أصوات الناخبين.
الجيش يحكم قبضته على السلطة ويقمع أي صوت معارض
خلال السنوات التي تلت اعتلاء السيسي حكم مصر، تغير المشهد السياسي تماما في البلاد، أحكم الجيش قبضته على السلطة وصار الرئيس الحاكم بأمره في كل مناحي الحياة، وصار الإعلام بشقيه الحكومي والخاص مواليا للسلطة ومهللا لقراراتها. واختفى هامش الحريات والتسامح الذي كان موجودا حتى في عهد مبارك، وأصبحت السلطة الجديدة لا تطيق الاستماع لأي صوت معارض أو حتى ناقد، وأغلق عدد كبير من المواقع الإلكترونية المستقلة.
وبدأ التضييق على مؤسسات المجتمع المدني بصورة فاقت كل أشكال القمع التي كانت تواجهها أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وطارد النظام عددا كبيرا من الناشطين في مجال الحريات وحقوق الإنسان إما بالاعتقال أو الملاحقة القضائية أو إغلاق المنظمات. وعادت الشرطة لممارساتها القديمة وأضيفت لها سلطات ومهام أكثر من ذي قبل بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وزادت الشكوى من التعذيب داخل أقسام البوليس والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري.
ورغم إنكار النظام مثل هذه الممارسات إلا أن تصنيف مصر العالمي في مجال حقوق الإنسان والحريات الشخصية وحرية الصحافة متدن للغاية، ولا تكل أو تمل المنظمات الحقوقية الدولية، “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، والمحلية، “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” و“المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، من التنديد بالأوضاع واستنكارها.
لا يزال الطريق طويلا أمام الاقتصاد المصري لينهض من كبوته وعثراته
لكن الوجه الذي قد يبدو مشرقا هو الوضع الاقتصادي، فالرئيس السيسي يقول في مؤتمر عقد تحت اسم “حكاية وطن” الأربعاء 17 يناير/كانون الثاني 2018 لتقديم كشف حساب للشعب المصري عن فترته الرئاسية: “على مدار فترة مسؤوليتي حققنا طفرة غير مسبوقة في مؤشرات التنمية الاقتصادية… لقد أنجزنا خلال أقل من 4 سنوات… ما يقرب من 11 ألف مشروع بمعدل 3 مشاريع في اليوم الواحد وهو رقم قياسي غير مسبوق لأي دولة ناهضة وتبلغ تكلفة هذه المشروعات نحو 2 تريليون جنيه”.
بيد أن الصورة ليست بهذا الإشراقالذي يصفه الرئيس السيسي، فلا يزال الطريق طويلا أمام الاقتصاد المصري لينهض من كبوته وعثراته التي واجهها بعد ثورة يناير، خاصة في غياب الاستثمارات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال الوطنية ومعاناة قطاع السياحة أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد.
ورغم أن الدولة المصرية رفعت سقف تفاؤلاتها لمعدل النمو هذا العام إلى 5.25 بالمئة بدلا من 4.7 بالمئة، ورغم إعلانها أيضا ارتفاع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي إلى مستويات أعلى من تلك التي شهدها قبل الثورة، 36.7 مليار دولار، إلا أن ذلك الرقم لا يعكس الحقيقة لأنه يعتمد على أموال الاقتراض الخارجي والاستثمار الأجنبي في أدوات الدين.
كما أن السياسة الاقتصادية التي تتبعها الدولة خاضعة في مجملها لإملاءات المقرضين الخارجيين، صندوق النقد والبنك الدوليين، ولا تضع في اعتبارها مصالح الغالبية الفقيرة من الشعب خاصة بعد إلغاء الدعم على الكثير من المنتجات الأساسية والضرورية ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار وهو ما ينذر بحدوث اضطرابات اجتماعية.
السيسي نحو ولاية ثانية
وفي 26 مارس/آذار المقبل تجري الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، وعلى مدار ثلاثة أيام سيتنافس الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ذو الحظوظ الكبيرة في الفوز،وموسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، للفوز برئاسة مصر.
كان عبد الفتاح السيسي المرشح الوحيد في هذه الانتخابات حتى اللحظات الأخيرة قبل أن تغلق اللجنة العليا للانتخابات أبواب الترشح؛ فتقدم موسى مصطفى بأوراق ترشحه. ورغم أن رئيس حزب الغد معروف بتأييده للسيسي وحسابه على “فيس بوك” مملوء بصور وكلمات التأييد للرئيس فإنه فضل أن يدخل حلبة الانتخابات من أجل حفظ ماء وجه وحتى لا يبقى السيسي المرشح الوحيد كما يرى كثير من الخبراء.
تحركات “أقرب لممارسات الديكتاتوريات البدائية القديمة”
في ظل هذا المشهد الأحادي، خرجت “الحركة المدنية الديمقراطية” التي تضم عددا منالأحزاب والشخصيات السياسية البارزة تدعو إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية ووصفتها “بالمهزلة” وعزت ذلك لافتقارها لأدنى أسس الديمقراطية والحريات وكذلك عدم الشفافية وافتقارها لضمانات النزاهة. وتضم هذه الحركة المرشحين الرئاسيين السابقين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح. وقالت الحركة في بيان لها “إن تسارع المهازل في الأيام الأخيرة لإخلاء الساحة قسريا للرئيس الحالي بممارسات أقرب لممارسات الديكتاتوريات البدائية القديمة، بما حول الأمر إلى فضيحة… ثم عندما استعصت الفضيحة على الستر جاءت طريقة التجمل فضيحة إضافية، هو مستوى يليق بفاعليه لكنه لا يليق بدولة بحجم وتاريخ مصر”.
وكان عدد ممن أعربوا عن رغبتهم في الترشح قد قرروا الانسحاب بعد تعرضهم وتعرض المسؤولين عن حملاتهم الانتخابية لمضايقات من النظام أو لأسباب أخرى، ومنهم المرشح اليساري المحامي خالد علي، ورئيس الوزراء السابق في عهد مبارك الفريق أحمد شفيق الذي عاد من الإمارات بعد غياب دام خمس سنوات. كما أن عضو المجلس العسكري الحاكم في مصر بعد ثورة يناير 2011 ورئيس أركان الجيش المصري إبان عهد مبارك الفريق سامي عنان قد أجبر على الانسحاب بعد أن اتهمه الجيش بتزوير أوراق رسمية والكذب على هيئة الانتخابات بشأن استمرار قيده بالجيش المصري كما ألقت السلطات القبض على مدير حملته المستشار هشام جنينة الرئيس السابق لأعلى هيئة محاسبة في مصر، الجهاز المركزي للمحاسبات.
ويتراوح المشهد السياسي المصري قبل الانتخابات بين دعوات المقاطعة وبين فتاوى المشاركة؛ فالداعون للمقاطعة دشنوا حملة “خليك في البيت” (ابق بالمنزل) وحثوا الناخبين على عدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم والمشاركة في الانتخابات المعروفة نتيجتها سلفا. بينما أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تحض الناس على المشاركة في الانتخابات وتعتبر المقاطعة أمرا محرما طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وهي الفتوى التي أثارت جدلا وبعض الاستياء في الأوساط السياسية المعارضة التي اعتبرتها تدخلا من السلطات الدينية في الشأن السياسي الذي لا علاقة له بالدين.
لاعب وحيد على الساحة السياسية
تأتي هذه الانتخابات لتؤكد سيطرة الرئيس عبد الفتاح السيسي على زمام الأمور في البلاد وتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن جميع مفاتيح اللعبة، على الأقل الآن، لا يمتلكها إلا لاعب واحد هو الجيش وقياداته وعلى قمته يتربع المشير السابق. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل البلاد السياسي والمسار الذي سيتخذه شكل الحكم فيها، وهل سيظل الجيش مسيطرا على مقدرات الأمور بالبلاد كما هو الحال منذ ثورة يوليو 1952، أم أن مصر ستلتحق يوما بالبلاد التي تشهد تعددية سياسية وتخطو نحو مسار ديمقراطي يؤمن لها ولمحيطها استقرارا سياسيا واقتصاديا وحريات اجتماعية فردية وجماعية. أسئلة ستجيب عليها أحداث السنوات أو الشهور القادمة التي ستشهدها البلاد وربما منطقة الشرق الأوسط بأسرها.