الانتخابات النصفية والسيناريوهات المتوقعة
ماريا معلوف
تتضارب مؤشرات الفوز بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بمجلسيه؛ ففي حين تُرجح بعض المؤشرات كافة مرشحي الحزب الديمقراطي، ترجح مؤشرات أخرى كافة مرشحي الحزب الجمهوري المنافس له.
يروج الرئيس جو بايدن وحزبه (الديمقراطي) لمجموعة من الإنجازات التي حققتها الإدارة الأميركية لتعزيز فرص فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فقد حققت إدارة بايدن عدداً من الانتصارات التشريعية. فقد أقرَّ الكونغرس قانون الصحة والمناخ أو ما أُطلق عليه قانون “خفض التضخم”، والذي يشمل حزمة اقتصادية ضخمة بلغت تكلفتها 700 مليار دولار، تتضمن تشريعات رئيسية بشأن الرعاية الصحية والضرائب وتغير المناخ. كذلك ارتفاع شعبية الرئيس مرة أخرى: عقب الانتصارات التشريعية التي حققتها إدارة بايدن، كشف استطلاع للرأي أجرته جامعة “كوينيبياك”، أن بايدن يتمتع الآن بتأييد 40%، أي بزيادة 9% خلال 6 أسابيع، وأن 52% لا يوافقون على أدائه الرئاسي، بعد أن بلغت 60% في يوليو الماضي.
تشير بعض الاستطلاعات إلى أن نسب تأييد الحزب الديمقراطي شهدت تحسناً ملحوظاً بين الناخبين المستقلين. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الدعم المتجدد من قبل المستقلين، وزيادة نسب تفضيل الرئيس بايدن، بالإضافة إلى حماسة الناخبين المستقلين لمؤيدي حقوق الإجهاض.
وفي إطار مساعيهم لحسم نتائج الانتخابات لصالحهم، يُروج مرشحو الحزب الديمقراطي للتحقيقات التي يخضع لها الرئيس السابق ترامب والانتهاكات المحتملة لثلاثة قوانين: قانون التجسس، وقانونين يتعلقان بعرقلة العمل العام، والإتلاف غير المشروع للوثائق.
اما انخفاض أسعار الغاز فله تأثير كبير بالنسبة لمعظم النصف الأول من هذا العام، ارتفعت أسعار الغاز وانخفضت درجة قبول بايدن. وقد انقلب هذا الاتجاه إلى حد كبير خلال الصيف الحالي. وبلغت أسعار الغاز ذروتها في منتصف يونيو، عندما بلغ متوسط السعر الوطني للجالون من الغاز العادي ذروته فوق 5 دولارات، ممَّا تسبب في ألم حقيقي لملايين الأميركيين، خاصة أولئك الذين لديهم ميزانيات محدودة. وعلى الرغم من هبوط الأسعار منذ ذلك الحين؛ إلا أنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام.
عامل اخر وهو قرار إلغاء حقوق الإجهاض: يبدو أن قرار المحكمة العليا بإلغاء حكم رو ضد ويد، وهو حكم صادر منذ 50 عاماً تقريباً يحمي حق المرأة في الإجهاض، قد أدى إلى تنشيط الناخبين ذوي الميول الديمقراطية، ويمكن أن يحفز الناخبين الآخرين على دعم الديمقراطيين على حساب الجمهوريين في الانتخابات المقبلة.
فقد كان القرار مثيراً للجدل إلى حد كبير، حيث تدعم الغالبية العظمى من الأميركيين شكلاً من أشكال حقوق الإجهاض، وتم إصداره من قبل محكمة يهيمن عليها حالياً ستة قضاة محافظين، تم تعيينهم جميعاً من قبل رؤساء جمهوريين. وبشكل عام، كان لهذا القرار تأثير على حشد الكثير من الديمقراطيين والمستقلين وحتى الجمهوريين الذين لم يكونوا راضين عن القرار.
في المقابل، يستغل الجمهوريون مسألة إخفاق الديمقراطيين في خفض نسب التضخم، والسيطرة على ارتفاع الأسعار، لإثارة الجدل بشأن فشل الديمقراطيين في تحقيق نجاح ملموس في ملف الاقتصاد الذي يأتي على رأس أولويات الناخبين الأميركيين خلال الفترة الراهنة، منتقدين معظم التشريعات التي مرَّرها الكونغرس بدعم من الديمقراطيين. فعلى سبيل المثال، انتقد الجمهوريون قانون “خفض التضخم”، لاعتقادهم أن تلك القوانين هي السبب الرئيسي في ارتفاع مستويات التضخم في الولايات المتحدة.
وخلال الأشهر الماضية، كشفت استطلاعات الرأي عن زيادة الحظوظ الانتخابية للجمهوريين في ظل تراجع فرص الديمقراطيين بسبب وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وخصوصاً بعد أن بلغ التضخم أعلى مستوى له منذ 40 عاماً ووصل إلى 9.1% في يونيو الماضي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ملف الهجرة غير الشرعية وارتفاعه بشكل ملحوظ خلال عهد بايدن سيكون له تأثيراً كبيراً أيضاً في نتائج التصويت، وكذلك الوضع العالمي غير المستقر، وضبابية تعامل الإدارة الأميركية مع الملفات الخارجية، سواء مع روسيا والشرق الأوسط والصين.
جاءت واقعة مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI منزل الرئيس السابق ترامب لتكون أكبر دفعة للالتفاف حول الشخصية الأكثر جدلاً في الولايات المتحدة من جديد. فقد اتحد الجمهوريون للدفاع عن ترامب، بالإضافة إلى المعارضين لأفكاره ومنافسيه المحتملين في السباق التمهيدي للانتخابات الرئاسية 2024. في غضون أسبوعين فقط منذ عطلة عيد العمال في 5 سبتمبر، وهي البداية التقليدية لحملات نوفمبر، حجز مرشحو الحزب الجمهوري واللجان 33 مليون دولار من الإعلانات في تلك السباقات، مقارنة بـ24 مليون دولار للديمقراطيين.
تُمثل الانتخابات المقبلة تحدياً للحزب الديمقراطي الذي يسيطر على المجلسين بصورة هشة وللرئيس بايدن الذي يُواجه تحديات غير مسبوقة. ففي حال احتفاظ الحزب الديمقراطي الذي تمثله الإدارة الأميركية بأغلبية مجلسي الكونغرس، وهذا معاكس للاتجاهات التاريخية؛ فإن الإدارة الأميركية الحالية ستتمكن من مواصلة انتصاراتها التشريعية التي بدأتها خلال الأشهر الأخيرة دون أي عرقلة من قبل الجمهوريين. وبالتالي، ستؤثر نتيجة الانتخابات على الانتخابات الرئاسية 2024، خاصة أنها قد تشهد إثارة كبيرة مع احتمالات ترشح الرئيس السابق دونالد ترامب مرة أخرى.
إذا سيطر الجمهوريون على أحد مجلسي الكونغرس، فإنه من المرجح توقف الإنجازات التشريعية أمام الرئيس بايدن لبقية فترة ولايته. وسيتم تأويل أي نتيجة سلبية للديمقراطيين في الانتخابات على أنها علامة على الضعف السياسي المستمر للإدارة الأميركية الحالية برئاسة بايدن، وربما يصل الأمر إلى تجدد الدعوات بتنحي بايدن جانباً من أجل مرشح ديمقراطي آخر يخوض سباق الرئاسة في عام 2024.
ومن المتوقع أن تحسم نتائج هذه الانتخابات احتمالات عودة ترامب، الذي لا يزال مهتماً بالعودة إلى البيت الأبيض في عام 2024. وبالتالي، يمكن أن تعزز انتخابات الكونغرس من آماله في الترشح أو تقضي عليها.
وعلى هذا النحو، وصف معهد بروكينغز الانتخابات المقبلة في نوفمبر بأنها “اختبار وجودي” لترامب وسلطته، وستحدد نتائجها قوته المستقبلية في الحزب الجمهوري، حيث ستظهر الانتخابات حجم التأييد للرئيس السابق وما إذا كان قوياً بما يكفي لإعادة تشكيل الحزب الجمهوري لو اكتسح مؤيدوه الجمهوريون الانتخابات. ويُثير هذا السيناريو مخاوف كبيرة لدى الأميركيين من أن تؤدي الانتخابات إلى حكومة منقسمة أو جمود سياسي في الكونغرس، بحسب استطلاع أجرته “إيبسوس” و”أكسيوس” مطلع أكتوبر 2022. فقد كشف الاستطلاع أن % من الأميركيين قلقون من حدوث انقسام حكومي إذا ما سيطر حزب واحد على مجلس الشيوخ وسيطر الآخر على مجلس النواب، مما سيعرقل عمل الحكومة والكونغرس.
وختاماً، يُمكن القول إنه على الرغم من زيادة فرص الديمقراطيين خلال الأسابيع الماضية، فإن معدلات التضخم المرتفعة والمخاوف بشأن الاقتصاد تعني أن الحزب لا يزال يُواجه معركة شاقة للحفاظ على سيطرته على مجلسي الكونغرس. وبالرغم من نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي يميل الكثير منها لصالح المرشحين الديمقراطيين، فلا يمكن ترجيح فوز طرف على حساب الآخر. وستظل قضية الاقتصاد والتضخم هي القضية الأبرز قبيل الانتخابات التي يشعر بها المواطن اليومي، والتي تلعب بالفعل دوراً بارزاً في تحديد توجهات الناخبين يوم 8 نوفمبر.