الانتخابات كمخرج مؤقّت من الأزمة الفلسطينية
ماجد كيالي
يشكّل إعلان حركة حماس موافقتها على تنظيم انتخابات تشريعية، إثر اللقاء الذي جمع رئيس مكتبها السياسي إسماعيل 63مع حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية في غزة (2019/11/26)، تراجعا عن مواقفها السابقة، فيما اعتبرته مجرد مرونة في التعاطي مع مقترحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن بشأن عدم التزامن بين الانتخابات التشريعية والرئاسية، بحيث تسبق الأولى الثانية، أو بشأن عدم ربط ذلك باجتماع ما يسمى “القيادة الوطنية”.
المعنى من ذلك أن حركة حماس قبلت، أو بادرت، بالذهاب إلى منتصف الطريق لملاقاة غريمتها أو منافستها في القيادة والسلطة، حركة فتح، وأن الكرة الآن باتت في ملعب الرئيس محمود عباس، لجهة إصدار المراسيم التي تتعلق بموعد الانتخابات وكل الترتيبات المتعلقة بذلك.
بيد أننا ونحن نتحدث عن الانتخابات يفترض أن نتذكر أن الكيانات الفلسطينية (المنظمة والسلطة) تقف منذ سنوات عديدة أمام استحقاق الشرعية، ولاسيما تجديد شرعية الرئيس والمجلس التشريعي، فكلاهما انتهت ولايته منذ تسعة أعوام، علما أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية اتخذ مرات عديدة قرارا بإجراء الانتخابات إلا أن ذلك لم يحصل؛ هذا أولا.
ثانيا، ما يفترض الانتباه إليه أن القبول بالعملية الانتخابية شيء والرضوخ لنتائج تلك العملية شيء آخر، لاسيما أننا نتحدث في واقع تحولت فيه الحركتان الرئيستان في العمل الفلسطيني إلى سلطة كل في مجالها الإقليمي، حيث فتح في الضفة وحماس في غزة.
لذا يبدو من الصعب الاقتناع أن واحدة منهما يمكن أن تتنازل للأخرى، وفقا للنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها صناديق الاقتراع، آخذين في عين الاعتبار التجربة المريرة الناجمة عن الانتخابات السابقة (2006) حيث لم تتنازل فتح لحماس، وحيث تشبثت حماس بالسلطة ما أدى إلى الانقسام.
وما يفترض إدراكه هنا أن العملية الانتخابية قد تشكل مخرجا من الأزمة السياسية الفلسطينية، المتمثلة بالانقسام والافتقاد للشرعية، ورسم أحجام الفصائل الفلسطينية، وهذا كله بات مهما جدا، لكنها، أي الانتخابات، لا يمكن أن تشكل لوحدها مخرجا للساحة الفلسطينية من الأزمة المستفحلة فيها منذ عقود، كونها أعمق وأشمل وأكثر تأثيرا من أزمتي الانقسام والشرعية، وباعتبارها أزمة تشمل الرؤى والكيانات وأشكال الكفاح والعلاقات الداخلية.
ورغم كل ما تقدم فإن العملية الانتخابية أضحت ضرورية جدا، لأنها في حال جرت، وفي حال تم الإقرار بنتائجها، من قبل الفصيلين الرئيسيين المعنيين (السلطتين) فربما تشكل المدخل المناسب، لإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس جديدة.
على ذلك من الخطأ بمكان المبالغة بالعملية الانتخابية، كما من الخطأ الاستهانة بشأنها، بمعنى أنه يفترض أن نميز هنا بين جانبين لأزمة العمل الوطني الفلسطيني، الجانب الأول، وهو الإجرائي، المتمثل بالانقسام والافتقاد للشرعية. والجانب الثاني الأعمق والأشمل، المتعلق بتآكل وفوات واستهلاك بنى ورؤى وأشكال عمل الحركة الوطنية الفلسطينية، فهذا الجانب بالتحديد، يحتاج إلى شروط أو معطيات أخرى غير متوفرة الآن.
على ذلك، فإن الانتخابات في تلك الحال تغدو ضرورية، خصوصا أن خيار الحوار والتوافق قبل الانتخابات لم يتم تأمينه طوال 12 عاما من الانقسام، رغم كل الحوارات التي جرت ورغم كل اتفاقات إنهاء الانقسام التي تم التوصل إليها في صنعاء ومكة والدوحة والقاهرة وغزة. والمعنى من ذلك أن الانتخابات وظيفتها وضع حد لحال الانقسام المشين في الساحة الفلسطينية، وتاليا إنهاء ذلك الجدال العقيم حول أحجام القوى، كما بشأن استعادة الشرعية، وضمنها إعادة القرار للشعب للمشاركة بتقرير الخيارات الوطنية، بدلا من تركها لهذا الفصيل أو ذاك.
حتى تنجح تلك الانتخابات يفترض الانتباه أن تجري وفق قاعدة التمثيل النسبي، وعلى أساس اعتبار الضفة دائرة واحدة وغزة دائرة واحدة، وليس اعتبار كل واحدة منهما عدة دوائر، كما جرى في انتخابات (2006) لأن إجراء الانتخابات على هذا الأساس هو الذي يعطيها طابعها الوطني والسياسي، وهو الذي ينقل إدراكات الفلسطينيين من نطاق العصبيات العائلية والعشائرية والمناطقية إلى النطاق الوطني، كشعب واحد يواجه تحديات مشتركة.
ويمكن إيراد ملاحظة على غاية الأهمية هنا، ومفادها أن إسرائيل التي جمعت المستوطنين اليهود من شتى أنحاء العالم، من بلدان ولغات وثقافات وعادات مختلفة ومتباينة، تنظم انتخاباتها على أساس الدائرة الواحدة، في حين ذهب الفلسطينيون، وهم شعب واحد، ولغة واحدة وعادات وثقافات وقضية واحدة، إلى انتخابات على أساس دوائر، كأنهم مجرد أسر وعشائر ومناطق، وهذه هي إحدى علامات التخلف أو الإخفاق الفلسطيني في الصراع مع إسرائيل.
إذن إلى الانتخابات ولنأمل خيرا هذه المرة.
ماجد كيالي