التحقيق مع الغنوشي يعيد ملف “الإرهاب” إلى واجهة الأحداث في تونس
قيادات وجمعيات إخونجية متورطة في "قضية التسفير" إلى بؤر الصراع
بعد مثول رئيس حركة النهضة الإخونجية راشد الغنوشي والقيادي في الحركة علي العريض، الاثنين، أمام قسم شرطة بوشوشة في العاصمة التونسية للتحقيق معهما في شبهات تتعلق بالإرهاب في شأن تسفير تونسيين للقتال في الخارج، عادت قضية “تسفير الشباب لبؤر التوتر” إلى الواجهة من جديد في تونس.
الملف الذي ما زال محل جدل منذ فترة برلمان 2014، لم يحسم بشكل قاطع حتى الآن، وسط اتهامات بمواءمات سياسية جرت بين الباجي قائد السبسي وحركة النهضة، الأمر الذي حال دون حسم الملف طوال هذه الفترة.
ويشير مراقبون، إلى أن فتح القضية في الوقت الراهن يختلف عن المرات السابقة، وأنه من المرتقب استدعاء عشرات الأشخاص للمثول أمام القضاء في نفس القضية.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن بعض الأطراف الدولية تحاول الضغط على تونس بشأن مثول الغنوشي، وأنها تسعى لحماية الغنوشي، حسب قول المصادر، في نفس الوقت تنفي حركة “النهضة” الاتهامات، وتقول إنها تأتي في إطار تصفية حسابات سياسية.
وأوقفت السلطات التونسية القيادي في حزب ائتلاف الكرامة الإخونجي، محمد العفاس، والنائب السابق في البرلمان المنحل، رضا الجوادي، ورجل الأعمال، محمد فريخة، الذي يمتلك شركة طيران، علاوة على إبقاء، فتحي البلدي، وعبد الكريم العبيدي، قيد التوقيف، وكلاهما كان من القيادات الأمنية التونسية، حسب “الشرق الأوسط”.
نقطة البداية
وفي مايو/ أيار 2017، أقيلت رئيسة اللجنة البرلمانية التونسية للتحقيق في تجنيد وتسفير التونسيين، الذين التحقوا بجماعات إرهابية متطرفة، النائبة ليلى الشتّاوي.
وقالت الشتّاوي حينها إنها تلقت نبأ إقالتها من رئاسة هذه اللجنة بعد أن أقيلت من منصب نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع، مرجعة الأمر لكشفها ملفات “تزعج” أطرافا لم تحددها، بحسب قناة “فرانس 24”.
وبحسب الشتّاوي، فإن لجنة التحقيق استمعت إلى ممثلين عن البنك المركزي التونسي بخصوص “مصادر تمويل نحو 200 جمعية دعوية ودينية وخيرية مشتبه بها في تجنيد وتسفير شبان تونسيين إلى بؤر التوتر في الخارج وخصوصا سوريا.
وأكدت الشتّاوي أن زعيم الجماعة الليبية المقاتلة، رئيس حزب الوطن الحر الليبي، عبد الحكيم بلحاج، كان له دور في تسفير الشباب الذين كشفت التحقيقات أنّه التقى بهم، وتحدث إليهم.
وفي وقت سابق، كشف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حوار له مع تلفزيون “الحوار التونسي” أن عدد المقاتلين التونسيين المنتمين لداعش في سوريا والعراق في 2015 بلغ 4 آلاف مقاتل.
واحتلت تونس المرتبة الأولى في عدد المقاتلين داخل ليبيا، فقد بلغ عددهم 1500 مقاتل، من بينهم 300 فتاة تونسية، بحسب العديد من التقارير لمراكز أبحاث، ومصادر ليبية.
محاولات “دفن” القضية
رغم إثارة الملف منذ سنوات، لكنه لم يحسم حتى الآن، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات بشأن الأسباب التي حالت دون حسم الملف بالفصل فيه وما إن كانت النهضة متورطة بشكل فعلي من عدمه.
من ناحيته، قال الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة بتونس، باسل الترجمان، إن “عدم حسم قضية “تسفير الشباب لبؤر التوتر” يعود لمحاولة النهضة في الفترة التي حكمت فيها “دفن” القضية، وتفاهمات بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وزعيم حركة “النهضة” راشد الغنوشي بعدم فتح أي ملفات قبل 2014، كما حدث في ملف اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد”.
أطراف دولية وإقليمية
وأضاف الترجمان، أن “القضية معقدة بدرجة كبيرة ترتبط بأطراف دولية وإقليمية، كما أنها تتعلق بنحو 10 آلاف من الجنسين، غرر بهم وأرسلوا إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق”.
ولفت إلى أن “مجلس النواب (02014-2019) شكّل لجنة لبحث الملف، إلا أن تقريرها لم يخرج للنور وجرى “دفنه”.
ويرى أن “استئناف التحقيقات في القضية من قبل النيابة العامة جاء بعد نجاح الرئيس التونسي، قيس سعيد، من تطهير القضاء”.
الغنوشي والنفير إلى سوريا
وشدد باسل الترجمان على أن “راشد الغنوشي عضو اتحاد علماء المسلمين ورئيس حركة النهضة الإخونجية شارك في مؤتمر القاهرة 2013 الذي أعلن النفير إلى سوريا، وأنه يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية”، منوها أن “علي العريض نائب الغنوشي والذي كان يشغل وزارة الداخلية في فترة حركة النهضة، يتحمل المسؤولية القانونية عن الملف”.
وشدد على أن “القضية تهم آلاف العائلات التونسية التي فقدت أبنائها خلال فترة “النهضة”، كما أن أهالي الشباب يحق لهم معرفة مصيرهم، إن كانوا أحياء أو أنهم قتلوا في بؤر التوتر”.
وبحسب الترجمان، فإن “نسبة ضئيلة للغاية عادت من العناصر التي سافرت إلى بؤر التوتر، وأن العديد من التونسيات والتونسيين في مخيمات الاحتجاز في سوريا والعراق، كما أن هناك بعض المعتقلين في ليبيا”.
وشدد على “ضرورة كل من تورط في هذه العمليات بعيدا عن أي تصفيات سياسية، إلا أن الجريمة هي قضية تهم تونس بشكل كامل ولا تقتصر على أشخاص”.
تورط قيادات النهضة
في الإطار، قالت الحقوقية التونسية، وفاء الشاذلي، إن “ملف “التسفير” حمل العديد من القرائن بحق قيادات النهضة الإخونجية، ومجموعة من القضاء وبعض الأمنين خلال فترة “النهضة”، وأن فتح الملف جاء إثر الشكاية التي تقدمت بها عضوة مجلس النواب، فاطمة المسدي”.
وأضافت في حديثها الشاذلي أن “الغنوشي من بين الذين قدموا الدعم لتسفير الشباب عبر “اتحاد علماء المسلمين” خلال المؤامرة على سوريا”.
ولفتت إلى أن “الحديث عن ملف “الجهاز السري” وملف “التسفير” من الملفات التي تقع مسؤوليتها على الغنوشي بشكل مباشر باعتباره رئيس حركة “النهضة”.
الأمن الموازي
ترى الشاذلي أن “مثول الغنوشي أمام القضاء لا يرتبط باستخدام القضية سياسيا، بل يتعلق بضرورة المحاسبة التي طالب بها الشعب حينما خرج في 25 يوليو/ تموز 2021”.
وبحسب الحقوقية التونسية، فإن “انعكاسات عمليات “التسفير” ممتدة حتى اليوم في المجتمع التونسي، وأن العديد من الأزمات وتفكك الاسر وقعت إثر هذا الملف”.
وشددت على الدور الذي تقوم به وزيرة العدل ليلى جفال، في إطار عملية تطهير القضاء التونسي، في ظل سيطرة حركة النهضة خلال فترة حكمها.
وأشارت وفاء الشاذلي إلى أن “علي العريض هو مسؤول عن جوازات السفر التي خرج بها الشباب من المطارات، عبر ما عرف بـ”الأمن الموازي” والذي استخرج “وثائق موازية” خلال عمليات تسفير الشباب إلى تونس”.
وفي مايو 2017، أعلن وزير الداخلية التونسي، الهادي المجدوب، أن نحو 3 آلاف تونسي ممن تم تجنيدهم في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا وليبيا.
وأوضح المجدوب خلال جلسة استماع له الجمعة أمام البرلمان حينها أن “60 بالمئة من هؤلاء التونسيين موجودون في سوريا، و30 بالمئة في ليبيا، والبقية موزعون بين مناطق مختلفة، وأن 96 بالمئة منهم تتراوح أعمارهم بين 24 و35 عاما”.
وفي العام 2015، كشف وفد تونسي إعلامي وحقوقي، زار دمشق حينها والتقى بمسؤولين سوريين، أن ما بين 7 آلاف و8 آلاف تونسي التحقوا بصفوف التنظيمات الإرهابية.
وقال عضو الوفد، زياد الهاني، في مؤتمر صحفي 5 سبتمبر/ أيلول إن تقارير صادرة عن الحكومة السورية أكدت مقتل أكثر من 2000 تونسي في العام 2014.