التعب وغزة.. تهديد لأوكرانيا بهزيمة كبيرة
تواجه أوكرانيا مصاعب جمة بسبب تراجع حجم الدعمين الأميركي والغربي لحربها ضد روسيا. وتقف على حافة متغيرات دراماتيكية تلوح في الأفق، فيما يرى المراقبون إن الرئيس فلاديمير بوتين قد يرفع شارة النصر بمناسبة إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة في 17 مارس 2024.
في 24 فبراير 2022، ووسط ذهول معظم دول أوروبا الغربية، شنت روسيا حملة عسكرية تحت اسم “العملية العسكرية الخاصة” ضد جارتها الأصغر أوكرانيا، في محاولة لتصفية الحساب القديم الذي بقي مفتوحا بين البلدين منذ الحرب الأولى عام 2014، وانتهت باستيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم وأجزاء واسعة من منطقة الدونباس شرقي البلاد.
انقضى ما يقرب على العامين منذ بدء الحرب التي انطلقت بهجوم روسي كاسح على العاصمة كييف توازيا مع هجوم على ثاني مدن أوكرانيا خاركيف. تمكنت القوات الروسية من تحقيق تقدم ميداني كبير في الشرق، لكنها فشلت في اسقاط العاصمة ومعها الحكومة.
من بعد ذلك بدأت الهجمات الأوكرانية المضادة المدعومة بسيل كبير من المساعدات العسكرية والمالية الغربية، في مقدمها الولايات المتحدة، واستمرت الحرب بين كر وفر شهورا طويلة، استطاعت القوات الأوكرانية فيها ان تواجه آلة الحرب الروسية الضخمة. فحالت على وقع الدعم الغربي الهائل دون نجاح روسيا في حسم الحرب لغاية اليوم.
لكن وبعد فشل الهجوم الاوكراني المضاد الذي انطلق مطلع الربيع الماضي، بدأت علامات “التعب” تلوح على عدد من الدول الداعمة، لا سيما ان الغرب راهن كثيرا على نجاح الهجوم المضاد، وكان يؤمل ان يؤدي الى اخراج القوات الروسية من معظم الأراضي في منطقة الدونباس.
والتعب الذي نتحدث عنه سببه ان الحرب طالت اكثر مما كان يتوقع. كما ان الكلفة المالية بلغت مئات مليارات الدولارات. من دون ان تلوح معالم النهاية حتى الان. لاسيما ان موسكو واصلت تعزيز جيشها رافضة وقف الحرب من دون تلبية شروطها التي تتمثل في اعتراف كييف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، وكامل منطقة الدونباس شرقي البلاد، تقارب مساحتها 20 في المئة من كامل أوكرانيا.
اليوم وبالرغم من الدعم الكبير الذي حصلت عليه أوكرانيا في حربها، بدأت الأمور تتعقد، وخصوصا ان الدول الداعمة الكبرى، كالولايات المتحدة تواجه ادارتها مصاعب وتعقيدات كبيرة في المعادلة السياسية الداخلية في الكونغرس المنقسم بين مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، ومجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديموقراطية التي ينتمي اليها الرئيس جو بايدن. والعقيدات تتكاثر في ضوء اقتراب موعد انطلاق الحملات للانتخابات الرئاسية المقررة في شهر نوفمبر المقبل. ولا ننسى ان الجمهوريين استخدموا مؤخرا ورقة المساعدات العسكرية لأوكرانيا من اجل فرض اجندتهم السياسية المرتبطة بملف الهجرة. وقد وصل الامر بالجمهوريين مؤخرا إلى حد عرقلة إقرار حزمة مساعدات عاجلة طلبتها ادارة الرئيس جو بايدن لكل من إسرائيل بـ14 مليار دولار، وأوكرانيا بـ61 مليار دولار.
وفي مكان آخر يواجه الاتحاد الأوروبي في قمته الأخيرة التي تعقد اليوم الخميس، مصاعب جمة في إقرار حزمة مساعدات بـ50 مليار يورو لأوكرانيا بسبب تهديد بعض الدول في مقدمهم المجر بممارسة حق الفيتو لعرقلة الحزمة. ومعلوم ان رئيس حكومة المجر فيكتور اوربان مصنف كمقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ثمة تحولات في مواقف بعض الحكومات الأوروبية. وهي ناتجة عن غياب افق للحرب. فضلا عن ان اهتزاز الدعم الأميركي بسبب الصراعات السياسية الداخلية في سنة انتخابية تبدأ بعد أيام معدودة، اعطى الموقف الروسي زخما اكبر للشروع ببعض الهجمات في الميدان حيث تواجه القوات الأوكرانية خطر نقص فادح في الذخائر والمعدات اللازمة لتلافي خسارتها الحرب.
وكما يقول مثل فرنسي المصائب لا تأت فرادة، أتت “عملية طوفان الأقصى ” التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل، ومن ثم اشتعال حرب طاحنة في قطاع غزة لتزيد من المصاعب الأوكرانية. حيث احتلت حرب غزة صدارة الاهتمام الدولي منذ 7 أكتوبر الماضي ولغاية الآن، وحجبت الى حد بعيد حرب أوكرانيا التي تراجعت تغطيتها الإعلامية. ومع الوقت عاد المواطن الاوروبي العادي في دول الدول الغربية ليركز على اهتماماته الحياتية التي تتمحور حول اليوميات المعيشية، كالعمل والقدرة الشرائية، والامن، إضافة الى قضية الهجرة التي تمثل البند الأول في الاجندة السياسية تحديدا في أوروبا الغربية.
ما تقدم يؤشر الى ان أوكرانيا تواجه مصيرا صعبا ما لم تنجح إدارة الرئيس جو بايدن والاتحاد الأوروبي في إقرار المساعدات العالقة. فقد تخسر الحرب او يتم اجبارها على القبول بتسوية تّمكن الرئيس بوتين من رفع شارة النصر يوم يعاد انتخابه لولاية رئاسية جديدة في مارس 2024.